شعار قسم مدونات

المعارض الدولية للكتب: خمسة تناقضات يجب فضحها

General view for Cairo international book fair in Cairo, Egypt, February 9, 2017. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany

سأتحدث هنا عن معارض الكتب التي تقام فيه بين الفينة والأخرى.. سأتحدث عن أشياء أخرى مُغرية، عن الهامبرغر مثلاً وعن مشروبات الكولا اللذيذة.. عن ملابس الماركات العالمية وعن الأسواق الشعبية.. عن المولات وعن الأحذية اللامعة.. وإذا كنت تريد أخذ صورة كاملة عمّا أهدف إليه، أنصحك بإكمال النص حتى النهاية. نصف القراءة والاقتباس لم تكن أبداً قراءة مًجدية.
 

إنه المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، لم أكن أملك أدنى فكرة عن موعد ولا مكان إقامته رغم أنني مؤخراً أعيش على بعد عشرين دقيقة فقط من الدار البيضاء وأجوبها مرات كثيرة كلّ أسبوع. طبعاً لا يمكنك أن تبقى خارج التغطية لزمن طويل ما دمت تملك حساب فيسبوك..

إنهُ موسم التقاط الصور مع أصدقاء الفيسبوك بين أروقة الكتب وتصوير العشرات منها ووضعها في منشورات تحصد مئات الإعجابات تحت مُسمى "غنيمتي من معرض الكتاب الدولي". حاولت أن أقرأ بعض العناوين بشكل عابر، رغم حساسيتي الشديدة تجاه بعض الكتب هذه الأيام، ووجدت أنها فعلا غنيمة لم أكن أتصوّر أن أحدهم بحاجة لمعرض كتاب دولي ضخم حتى يقوم باقتنائها.
 

في لحظة ما يجب أن تسأل نفسك: متى سأكون أنا المنتج وهم المستهلكون؟ في لحظة ما يجب أن تتوقف عن قراءة حماقات الآخرين وتبدأ في تطوير ذاتك لأجل المستقبل الحقيقي.

عناوين روايات تتحدث عن الحب الروائي الأسطوري الذي لا يمكنك أن تستفيد منه شيئاً، لا من ناحية اللغة المستعملة ولا من ناحية الأفكار، وعناوين كتب تنمية ذاتية، وأنا لم أسمع يوماً بشخص قرأ كتاب تنمية ذاتية وأصبح ناجحاً.. لو حاولت إلقاء نظرة عليهم الآن سأجدهم لا يزالون في الصفحة رقم 4000 من الكتاب رقم 50 ولا شيء تغير في حياتهم.

هناك النوع الثاني من الكتب وهي تلك التي تحمل عناوين ضخمة يجب الاستعانة بموسوعات فكرية وفلسفية لأجل فهمها.. طبعاً هي كتب أكاديمية جداً، قد أتفهم شراءها من طرف طالب دراسات فلسفية معمقة، ولكن أن يشتريها أي كان ويعتقد أنه يحقق إنجازاً عظيما بذلك، فهذا فعلاً مدعاة للتساؤل..

الحقيقة أن ما جعلني أكتب كلّ هذا هو أننا مجتمعات أصبحت تعيش في تناقض صارخ جداً لا يمكنني في أية لحظة من اللحظات أن أتقبله دون أن أفضحه:
التناقض الأول: هل تعلمون أن معظم الكتب التي تباع في معرض الكتاب من الممكن الحصول عليها بخمسين طريقة أخرى ما عدا الذهاب في تجمّعات وصنع الحدث في معرض الكتاب؟ يمكنك مثلاً أن تلقي نظرة على بائع كتب قديمة وستجد عندها كنوزاً لا تقدر بثمن وبأثمنة أرخص مما تتوقعه. وفي حالة كتاب جديد، يمكنك طلبه بصمت من دار نشر والحصول عليه في ثلاثة أيام على الأكثر عن باب البيت دون ضجة ولا صور فيسبوك.

التناقض الثاني: معظم المثقفين اليوم ينتقدون الثقافة الاستهلاكية والمجتمعات الاستهلاكية، ينتقدون عمليات الشراء التي تتم في المولات والمحلات التجارية وتناول هامبرغر صغير في ماكدونالدز وشرب القهوة في ستاربكس، وحتى شراء بعض الملابس من أماكن معروفة.. وينتعتون المجتمعات بالاستهلاكية لأنهم يعتقدون أنها مسلوبة الاختيار بعمليات الشراء الكثيرة ولا تملك أفكار أكثر ذكاء لصرف أموالها.
 

معظم من ينتقدون مجتمع العولمة ولا يحبون الشركات متعددة الجنسيات ويعتقدون أنها تحتلّ بلدانهم وتسلب حرّيتهم هم أنفسهم من يبيعون كتاباً بثمن خيالي في معرض دولي للكتاب، وهم أنفسهم من يضعون ثمناً خيالياً لتذكرة الدخول لأحداث ثقافية في مكان ما، وهم أنفسهم رواد النخبوية الذين يشترون الكتب الباهظة في معرض كتاب وينتقدون من يصرفون المبلغ نفسه في أماكن أخرى رغم أن الأمرين يشبهان بعضهما: استهلاك الكتب في المعارض الدولية أو استهلاك الهامبرغر أو شراء إكسسوارات الذهب والفضة من المولات، نفس الأمر. كلها أشياء نصرف فيها أموالنا بهدف الحصول على شارة الاختلاف عن الآخرين بشكل لاواعي.. إذا كان هناك من يشتري الماركات العالمية ليقول لنا بأنه ينتمي لطبقة اجتماعية غير التي ننتمي إليها، فهناك في الوقت نفسه من يشتري الكتب من المعارض الدولية ليقول لنا بأنه ينتمي لطبقة ثقافية غير التي ننتمي إليها.

التناقض الثالث: مشكلتي ليس مع الكتب بحد ذاتها، فأنا أيضاً في زمن ما كنت أحلم بشراء أكوام منها، ولم أكن أملك المال الكافي لفعلها، وحتى حين كنت أملك بعضه كنت أشتري الأكوام والآن هي موضوعة في مكان أصبح يطاله الغبار رغم أني قرأت بعضها وتركت بعضها. والآن حتى ولو كنت أملك القدرة على شراء رواق كتب كامل من معرض الكتاب لن أفعلها، لن أدخل وأختار العناوين البراقة والصور الجميع والكلمات الصعبة وألتقط معها صوراً وأحملها لأضعها في حقائب كبيرة وأخرج.. أفضل شراء درس يعلّمني استعمال أحد البرامج الإلكترونية بمبلغ 15 دولاراً لأصنع به المستقبل وألحق بركب العباقرة الذين يطوّرون الآن أساليب تعاملنا مع أشياء هذا العالم ومنتجاته بدل شراء كتاب واحد ثمنه 30 دولارً يعلّمني كيف أكتب خمس عبارات تافهة عن إحساسي بالوحدة أو كيف أتخلى عن أولئك الذين يسببون لي القلق والتوتر.
 

يجب أن نفهم أننا إذا أردنا أن نعيش ذلك العلم الذي نقرأ عنه فيجب أن نتوقف الآن عن استهلاكه من الكتب وأن ننطلق في رحلة بحث حقيقية عن مصادره التطبيقية ونعمل عليه.

مشكلتي مع هالة القداسة التي نحيط بها هذه الأحداث، مشكلتي مع الشيزوفرينيا العربية التي نعيشها، مشكلتي مع التناقض الذي يجعل شخصاً يفكر في أنه يطور نفسه بهذا الاستهلاك الثقافي وهو يعلم في قرارة نفسه أنه بعد قراءتها لن يصبح شكسبير ولن يصنع صاروخاً ولن يضع بصمة في هذا العالم. مشكلتي مع الفكرة التي تقول بأننا لا نريد أن نكون مجتمعات استهلاكية ومع ذلك كلّ ما نفعله هو قراءة ما كتبه الآخرون..

التناقض الرابع: توقفت عن القراءة المَرضية لأنني اكتشفت أنني أصنع أمجاد الآخرين وأملأ حساباتهم البنكية باستهلاكي لما ينتجون. في لحظة ما يجب أن تسأل نفسك: متى سأكون أنا المنتج وهم المستهلكون؟ في لحظة ما يجب أن تتوقف عن الأكل خارج البيت وتبدأ في صنع طعامك.. في لحظة ما يجب أن تتوقف عن قراءة حماقات الآخرين وتبدأ في تطوير ذاتك لأجل المستقبل الحقيقي.
 

التناقض الخامس: نحن نعيش في عالم عربي واقعه ميؤوس منه تماماً، فلماذا نخدع أنفسنا؟ أخبروني أين هو العلم الذي نتعلمه في الكتب حول انشطار الذرات؟ أين هي مسارات القذائف التي نقرأ عنها؟ أين هي الثقوب السوداء وأين هي كلّ تلك العلوم وكل تلك الأفكار العظيمة التي نقرأ عنها في الكتب؟ إنها غير موجودة على الإطلاق في هذه الأراضي العربية. يجب أن نفهم أننا إذا أردنا أن نعيش ذلك العلم الذي نقرأ عنه فيجب أن نتوقف الآن عن استهلاكه من الكتب وأن ننطلق في رحلة بحث حقيقية عن مصادره التطبيقية ونعمل عليه. لقد قمنا بالتنظير لقرون طويلة وأظن أنه حان الوقت للتطبيق الآن.

أتحداكم أن تتركوا تلك الكتب جانباً وتفكروا في طرق عملية تطبّقون بها ما قرأتموه. هل وجدتم طريقة؟ كيف ستنهضون ببلدانكم من خلال الثقافة والعلم المستهلك؟ كيف ستصنعون المستقبل من خلال الورق؟ صدّقوني، إذا لم تكونوا قادرين على إخراج فكرة واحدة قرأتم عنها للواقع وصنع فائدة عظيمة منها، من الأفضل أن تحرقوا تلك الكتب للحصول على بعض الدفء قبل أن ينتهي فصل الشتاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.