شعار قسم مدونات

كسرت السرية ظهرنا.. يا حسن البنا!

blogs - ikhwan

قد تكون مشكلة المسلمين في أكثر من مكان أن اليقظة والصحوة تجيء متأخرة -خاصة على مستوى الجماعات- في مرحلة التنفيذ لكل المخططات المبنية للعالم الإسلامي. وكثيرون في عالمنا الذين يتجرعون آلامهم، ويفرغون طاقاتهم في البكاء على فرص كان بالإمكان اغتنامها، وسلطات كان بالإمكان استخدامها في أكثر من موقع من مواقع العمل الفاعل.

المشكلة في أن الدنيا تتغير من حولنا بسرعة مذهلة، ونحن نصر على ألا نتغير، لا في أشخاصنا ولا في طبيعة عملنا ولا في وسائلنا، ونعتقد أن اعترافنا بأخطائنا وتغيير وسائلنا على ضوء المتغيرات الجديدة ينال من ذواتنا، وكأن المهم عندنا ألا تمس الذوات ولو دمرت الجماعات والمجتمعات!

إننا لا نطلب الإتيان بالمعجزات في نطاق العالم الإسلامي، أو العاملين للإسلام، وإنما المطلوب حقا هو حسن توظيف الإمكانات الموجودة فعلا لتحقق أفضل مردود.

بعض العقول، ما زالت تأبى النقد والمراجعة، وتهوى التستر على الأخطاء، ظنا منها أن كشف الخطأ يخلخل الصف ويشوش الفكر، ويبصر العدو بمواطن الضعف، وما إلى ذلك من المسوغات التي قد توهم الإنسان ببعض المكتسبات الآنية.

يقول جودت سعيد: إن الحق ليس تابعا لتصوراتك الذهنية، ولا عبرة لما في ذهنك إذا لم يستند إلى أدلة في الواقع.

يجب أن تكون لدينا الشجاعة والجرأة والقدرة على مراجعة مفاهيمنا، وألا نعطي لفهم أي أحد أية قداسة. لأن ذهن الإنسان لا يؤتمن، ولكن التاريخ يؤتمن، لأنه ليس على أهواء البشر. ولأن الأفكار النافعة غير مرتبطة بالأشخاص، والأفكار الصحيحة لا تتأثر بالأسماء!

إن مصيبتنا هي أننا لسنا مستعدين لسماع أي شيء. وإن انتقادنا لأي إنسان لا يعتبر إلا من قبيل الدس والبهتان. فمن المؤسف حقا أن الكثير من تجارب حركات الإصلاح والتغيير لم تلق أيه دراسة أو مراجعة، وكأنها معصومة عن الخطأ، علما بأن النتائج التي صارت إليها، وعجزها عن تحقيق الأهداف، يعني وجود خلل ما في مشاريعها ومناهجها ووسائلها مهما ادعينا غير ذلك.

وإن بعض العقول، ما زالت تأبى النقد والمراجعة، وتهوى التستر على الأخطاء، ظنا منها أن كشف الخطأ يخلخل الصف ويشوش الفكر، ويبصر العدو بمواطن الضعف، وما إلى ذلك من المسوغات التي قد توهم الإنسان ببعض المكتسبات الآنية، إلا أن الحقيقة هي كما قال الشيخ عمر عبيد حسنة: الأخطاء أشبه بألغام في جسم العمل الإسلامي، قابلة للتفجير في كل وقت وحين، وإن تراكمها وعدم تقويمها والاعتراف بها سوف يحمل من المخاطر المستقبلية ما لا يعلم مداه إلا الله، وسوف يعود على الأجيال القادمة بسلسلة من السقوط في الحفر والإصابات وإعادة التجارب الفاشلة والوقوع في نفس الأخطاء.

لأن كل خطأ لا يلقى عقوبة الاستنكار الرسمي والجماعي يصبح عبئا وسوسا ينخر في بنية المؤسسات والمنظمات يعمل على هدم كل نجاح، لذا يجب أن يوضع المخطئ وجها لوجه أمام خطئه ونتائج خطئه، وذلك أمام الجمهور ليتعلم الجميع، تحقيقا لمصلحة أسمى من المصالح الشخصية. وتجردا من انتصار الذات للعمل تحت المظلة الكبرى ومصلحتها العليا.

ولا بد أن نعترف أيضا أن فكر المراجعة، والتقويم والنصح والنقد الذاتي في حصول الإصابات يعتبر ضربا في المستحيل في أنظمة تشربت السرية حتى أصبحت دينها الذي تدين به. فكما بدأت بسرية لتحمي وجودها أصبحت السرية عبئا عليها. وعائقا في مجال تطورها. قد يتحدثون عن إيجابيات السرية، فتارة تدور حول الانضباط ووحدة الصف وقلة الاعتراض وسرعة الاستدعاء والتلبية وحسن أداء المهام والتدقيق في تلقيها. وهذه بحد ذاتها سلبيات، لأن التقليد وهو الطاعة والتبعية المطلقة لأحد ينبغي أن يكون للأفكار لا للأشخاص.

عندما تصبح السرية طريقة تفكير فنحن هنا نطبق التقية التي نستنكرها على الشيعة. أباحها الإسلام بصفة عامة لحماية المسلم من أي ضرر في عقيدته أو دنياه ولكن توسع الشيعة خصوصا بكل طوائفهم في استخدامها واعتبروها من أساسيات الدين.

شيء مؤسف ألا تستطيع أن تقف أمام قائد الجماعة لتنتقده علنا أو من وراء حجاب في شيء فيه مصلحة -ليس الجماعة فحسب بل الدين والأمة-، لأن هذا بالنسبة إليه تهديد لمكانته، بدل أن يكون تطبيقا للقيادة الحقيقية والشورى. فالقائد الحقيقي هو الذي يصنع قادة لا عبيدا. والمعلم الصادق يفرح إن سبقه تلميذه لأنه دليل على نجاحه!

وهذا يأتي انطلاقا من أن الإسلام دين ثوري بحت، يغذي أتباعه ومعتنقيه برؤية نقدية حيال كل ما يحيط بهم من بيئة مادية أو معنوية، ويكسبهم شعورا بالمسؤولية تجاه الوضع القائم، ويجعلهم يفكرون بتغييره ويسعون لذلك فيما لم يكن مناسبا. ويتبع ذلك أنه يكسب الأفراد شعورا بالمسؤولية تجاه المجتمعات والجماعات.

لكن الجماعات الإسلامية لدينا لا تستوعب من يفكر بطريقة جديدة او نقدية أو مبتكرة، حتى انضمام الأفراد الجدد لديها يكون لتطبيقهم مبدأ السمع والطاعة. فتجدهم يستنسخون أنفسهم. فالقيادات تبحث عن إمّعات -جنودا لها- خوفا على الكراسي. نعم قيادات الجماعات الإسلامية تخاف على الكراسي تماما كما حكوماتنا. ناهيك عن وجود المحسوبيات والفساد وإن كانت على مستوى ضيق وصغير. وهل جماعاتنا إلا نتاج مجتمعاتنا؟ لم يهبطوا علينا من الفضاء الخارجي. هم منا وفينا!

أما أضرار العمل السري، وأبرزها الوقوع في مساوئ الأخلاق واختفاء المهنية في العمل، بسبب انتشار التعصب والانشقاق وعدم قبول الآخر. كما تعمّق السرية روح انتماء الأفراد للقيادات الجزئية بما تمارسه هذه القيادات من التفرد بإدارة شؤون المجموعة في حاجاتها حفاظا على السرية، بجانب تضخم الذات والغرور وتفشي أمراض النفوس، وتكرار الوجوه. فتجد الأسماء نفسها تتداول القيادة والقرار. فلا تطور ولا تدريب فعلي لقيادات شابة جديدة. فتبقى الجماعات في اجترار للماضي دون انخراط حقيقي مع الواقع.

قد نتقبل السرية في البدايات حفاظا على الكينونة، لكن وجب التخطيط للانتقال إلى العمل العام ومؤسسات المجتمع المدني لضمان الاستمرارية وانخراط الناس. يجب وضع المسؤولية كاملة على كواهل الناس، وإعادة الإيمان إليهم، وتحرير الإنسان من الغوغائية والتعصب ومنحه الحرية والإيمان. لأن العمل بدون قاعدة شعبية هو انتحار جماعي، لهذا نجد هوة كبيرة بين الجماعات الإسلامية والجماهير المسلمة.

أما عندما تصبح السرية طريقة تفكير فنحن هنا نطبق التقية التي نستنكرها على الشيعة. فقد ارتبطت التقية في تاريخ الأديان بصفة عامة بمراحل الاضطهاد أو التمييز القائم على العقيدة بل إن المسيحيين الأوائل في عصر دقلديانوس اضطروا لاستخدامها في مصر وبلاد الشام. واستخدمها اليهود في أوروبا في العصور الوسطى. وأباحها الإسلام بصفة عامة لحماية المسلم من أي ضرر في عقيدته أو دنياه ولكن توسع الشيعة خصوصا بكل طوائفهم في استخدامها واعتبروها من أساسيات الدين ويعزو البعض هذا إلى اضطهاد الشيعة العام عبر التاريخ خصوصا في العصر الأموي والعباسي مما جعل التقية أمرا ضروريا لحياة الشيعي.

ختاما لو لم يشب إردوغان عن طوق أربكان لما وصلت تركيا إلى ما هي عليه الآن. فهل هناك جماعة استطاعت استيعاب التجديد الحقيقي؟ أم أن الأمثلة التي لدينا تحتم على صاحب الفكر المتطور والمختلف أن يضطر إلى الانفصال لتكوين حركة جديدة، أو أن يعمل بشكل فردي، ويتبع ذلك سؤال أهم هو: هل استطاع صاحب الفكر المتطور ذاك بعد إنشائه لحركة جديدة ونجاحها على الصعيد الوطني أو العالمي أن يستوعب أصحاب التجديد في حركته؟؟ هل احتواهم لتتطور الحركة ككل بسبب تراكم التجارب، ام أننا عدنا الى المربع الاول، حيث القيادات تخاف أن يسبقها التلاميذ؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.