شعار قسم مدونات

غزة تعني السلام.. وجهات نظر طالب دولي

blogs - gaza

للجميع من غزة سلام، بصفتي أول طالبة ماجستير دولية في غزة .. ها قد أنهيت أول فصل دراسي لي قبل أسبوعين وبجدارة تستحق التسجيل، الحمد لله. في الواقع أنا لست طالبة مجتهدة جداً، ولكن الجو العام الموجود هنا والمليء بالدافعية وعلم النفس الإجتماعي جعلا مني طالبة كإحدى طالبات غزة، فلو كنتم أحد طلبة غزة لكان هدفكم الوحيد هو الحصول على الدرجة الكاملة في جميع الامتحانات.

 

إن منطق "يكفيني أن أنجح " غير موجود هنا، لذلك لا بد من الإجتهاد. وإن كان لا بد من قول الحقيقة فإن رؤية الجهود المبذولة هنا تدفع المرء للتخلص من الكسل وليكون مثابراً مندفعاً نحو ما يريد متسحلاً بالعزيمة والإصرار ليفرحَ بالنجاحِ تلو النجاح. هنا قطاع غزة، ان لم تكن تطير فإنك تجري ولكن لن تكون أبداً مع القاعدين، إذ تكمن جمالية الحياة هنا في أنها أنسهم الجلوس والراحة، فإن العديد من الغزيين لا يستخدمون إجازتهم السنوية إلا في أوقات امتحانات أبناءهم ليساعدوهم على تحقيق أفضل الدرجات.

 

عندما نقول بأن الحياة جميلة هنا.. فهذا حتماً لا يعني بأن الظلم سيستمر، بل على العكس فإنه كما يتوجب على كل شريف أن يقاوم الظلم بكل قواه فإن عليه أن يرى المساعدة التي يقدمها هي من باب المسؤولية

نعم، نعم ما سمعتموه لم يكن خطأً، فبينما نحن نبني الخيال طوال العام لقضاء الإجازة السنوية ونحتار في المكان الذي سنقضي فيه إجازتنا بأن نذهب لهذا المنتجع هذه السنة أم نلتحق بالرحلة المعدة إلى ذلك البلد فإنه وبالمقابل فإن أناسها الأقوياء هنا مجبورين للعمل في أعمال أخرى، وكذلك للأسف فإن الخروج من بوابة رفح لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود سبب وجيه جداً، وإنه وفقاً للحكومة المصرية فإن التمتع بعطلة سنوية ليست سبباً مقنعاً للسفر!

 

دعونا نأتي إلى الأسئلة التي تتبادر إلى أذهانكم، فأوجه فهذه الكلمات إلى الذين يقولون هل ما زلت تحبين الحياة في غزة، لقد مضى أربعة أشهر وأنا كأنني في اليوم الأول في هذا المكان، وحب الأماكن لي أيضاّ. فإنه وبعد إجراء العديد من التقارير الصحفية إن ذهبت لأي مكان فأجد من يأتيني ويقول وبعد سؤاله "آآآه هل أنت الطالبة التركية؟ " انظري.. إن بيتي هنا برجاء تفضلي لنكرمك، تعلمين أن هنا بيتكم فإن كنت تحتاجين لأي شيء قولي لنا فإننا سنقدم ما نستطيع ان شاء الله" وبمثل هذه الكلمات يلاقونني. فإنهم يجعلونني أشعر وكأنني قدمت حديثاً إلى هنا.

 

قولوا لي بالله عليكم… ألا يزداد حبكم وإيمانكم مقابل هذه الحالة؟ أما السؤال كيف تتغلبين على المشاكل التي تواجهينها؟ هنا فإن جوابي بسيط جداً: لقد أصبحت غزاوية. وكل ما أحاول أن أفعله الآن هو أن أفعل ما يفعله أهل غزة. فإنني أنتظر الكهرباء لأقوم بغسل ملابسي، وطبعاً تنقطع الكهرباء أثناء الغسيل وإلى أن تعود مرة أخرى فإن ملابسي تبقي مبللة في الغسالة، ولكن على أية حال فإنها تخرج نظيفة في النهاية. أنا أحاول استخدام مصدر الطاقة الذي أملكه بطريقة موفرة بحيث أستخدمه للانترنت وللإضاءة في الليل للدراسة وذلك في غرفة واحدة فقط. أعمل جاهدةً على أن أوفر مياه الشرب بالإضافة إلى مياه النظافة باستخدام الأواني المتوفرة في البيت، وهذا ما تعلمته من أمي والذي ساعدني كثيراً. وفي أشهر الشتاء فألبس الملابس بعدة طبقات، وإن أردت الدراسة في المنزل فإنني إما لا أخرج من تحت البطانية أو أمارس الرياضة لأحصل على الدفئ، فإنها تساعد بشكل جيد.

 

لم أعد أبكي عند رؤية الأيتام أو المحتاجين، ولكن أعمل على اللعب والتمتع معهم لأنه بدا واضحاً لي أنه علينا أن نبكي على "الإنسانية" التي نسيت هؤلاء، لذلك فإنني بدأت ملائمة ظروفي حياتي مع ما تعلمته منهم. لقد قلت لكم؛ كونوا على يقين بأن دراسة الماجستير في غزة تتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد بكثير.

 

في عطلة نصف العام والتي امتدت إلى ثلاثة أسابيع آثرت البقاء في غزة وذلك لتحسين لغتي العربية ولأنه واجب على العمل الكثير من أجل تحقيق الأهداف التي أتيت من أجلها، وحتى لو حاولت السفر فإن معبر رفح لم يتم فتحه هذا الشهر ولا يزال الناس الذين ينتظرون السفر مستمرون في مكابدة الصبر.

 

يظن المحاصِرون أنهم وبحصاهم لغزة أن الدنيا بين أيديهم وأنهم قادرون على قلبها رأساً على عقب كما يرغبون، وبالقول "غزة تحت الحصار" فقد حكموا على شعبها بالموت حسب حساباتهم، أتركوا هنا امتلاك السعادة، يريدون أن يضيقوا الحياة في وجوه هؤلاء الناس الطيبين أليس كذلك…

 

بالطبع ما أرادوه بقي في نحورهم، فإن الحياة والموت كما الكون فقط وفقط بيد الله! وإنني متأكدة من أنهم لا يعرفون لماذا هم تعساء رغم امتلاكم الكثير الكثير، كما أنهم لن يفهموا كيف نعيش هنا في سعادة رغم هذه الصعوبات. أما الرسالة التي أريد أن أيصالها لهم هي رسالة الله والتي طبعاً لن يفهموها أيضاَ.

هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (غافر 68)

 

العيش في غزة، في خضم هذا الجمال وخاصة أن أكون جزء من هذه المقاومة المباركة لا يتوقف عند منحي الشرف، إنما يوسع آفاقي مع كل يوم يمر

وما أريد أن أقوله أخيراً، أنه عندما نقول بأن الحياة جميلة هنا.. فهذا حتماً لا يعني بأن الظلم سيستمر، بل على العكس فإنه كما يتوجب على كل شريف أن يقاوم الظلم بكل قواه فإن عليه أن يرى المساعدة التي يقدمها هي من باب المسؤولية، لأنه وخلال 68 عاماً وفي مدينة القدس المعروفة بقلب جميع الديانات السماوية في الجغرافيا، قد دفع المسلمون فقط فاتورة الإبادة الجماعية وجميع الإنسانية تتفرج.

 

وعليه فإذا ما كان هناك مجموعة واعية، فعليهم أن يعرفوا أننا هنا بسعادة سيدنا يوسف عليه السلام في زنزانته نعد لقيام المملكة. حيث أنه الآن وبحسب التعداد السكاني في العالم فإن الفلسطينيون من أكثر الشعوب تعلماً وحملةً درجة الدكتوراة، وأعتقد أنه لا داعي لذكر النجاح من الناحية العسكرية وطبعاً لا ننسى مقاومة الشعب القوية التي تعد من أجل حريته.

 

العيش في غزة، في خضم هذا الجمال وخاصة أن أكون جزء من هذه المقاومة المباركة لا يتوقف عند منحي الشرف، إنما يوسع آفاقي مع كل يوم يمر.  وفي هذا الوقت هناك العديد من الطلبة الذين يرغبون ويتقدمون لنيل الماجستير والدكتوراة في هذه البلاد، وعلى ما يبدو أن هناك الكثير من أصحاب القلوب الكبيرة الذين يحلمون في التعلم في هذه الأرض الجميلة، وهناك أناس عاشوا الطفولة الجميلة بكل نقاءها، ما شاء الله. فماذا نقول "الله يوفقهم ". 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.