شعار قسم مدونات

المعادلة لهيغل والمتغيرات نحن

blogs- مسلمون

يتخبط المرء أحيانا في اتخاذ سبيل واضح يشق فيه الطريق للإجابة عن ما يختلج في عقله من أسئلة، مستعينا بذلك بعقيدته التي يسلم بأنها لا تشوبها شائبة، لكنه قد يقع في الشرك ويعلق في شباك ينصبها لنفسه قد لا يخرج منها بل وربما ستقيد حركته فيرسب في القاع.

الخلط بين ما يشتغل به العقل وبين ما تشتغل به الروح قد يوحي بالتناقض ويتردد على خاطره أن سبيل خلاصه بيد هيغل ونظريته "وحدة الأضداد" لينتج من تطبيقها مسلم جديد، أي في تعبير هيغل ستكون المعادلة كالتالي الإيمان/العقل سيكون أحدهما أروحة والآخر طباق حسب ما يقدمه الفرد عند نفسه ونتيجة لجمعهما سينتج عنده "التركيب" الذي ينتج عن اجتماعهما، وهنا سيراه الفرد تناقضا أو انحرافا، ولكنه قد نسي أن معادلة هيغل تقوم على فرضية أن الأضداد هما مرآة الروح نظرا لتقلبها فهما واحد في المصدر ومختلفين في الظاهر، وفي ذلك تفصيل في كتاب "ظاهريات الروح" أو "فيمينولوجيا الروح".
 

أردت أن أقدم لدياليكتيك "جدلية" هيغل لأضع التغيرات بنفسي فهي معادلة تسبح في ذهن كل إنسان وسيحار فيها، فبعضنا يؤمن من منطلق أن التعاليم تنسجم مع منطقه وتناسب ذوقه والبعض الآخر سيبحث في الأمر بحثا علميا ليرى مدى صحة النصوص التي تتعلق في الطبيعيات ومنطقية النصوص التي تتعلق في الإلهيات، والتعلق كثيرا في أحدهما سينتج إما درويشا وإما صاحب قلب أجوف وأحدهما سيوأد العلم والعقل ويتعلق بالسمعيات والآخر سيكتفي بالتكاليف الأساسية فقط، لكن الأصل الاعتدال.
 

الأضداد في ذاتها واحد لكنها تعود "لتركب" ذاتها بصور مختلفة، ما يركب هو ظاهرها الذي قد يزعزع البعض وسيجد فيه التضداد لكن الحكيم من أفلح في الدمج بينهما.

كيف أكون معتدلا في الإيمان وكيف يتجلى ذلك؟
يقول الحديث الشريف "المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.." والآية الكريمة تقول "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" فالمؤمن القوي عليه معرفة أصل الإيمان بالله المتجرد الكامل الضروري ولذلك سبل شتى من دلائل علمية ودلائل عقلية ومن ثم يتدرج ليجد "الشريعة" المناسبة، فالشرائع معروضة والآلهة كذلك، فأيها تختار؟! وبناء على ماذا؟!

لا يمكن اختيار الشريعة قبل اختيار الإله أو الآلهة -عند الهندوس عدة آله- وبعدها تنظر في الشرائع، فصحة الاستدلال على وجود الإله المجرد من أي دين سيحدد اختياراتك بين الشرائع وبناء عليه ستختار الشريعة التي تتناسب مع المنطق والقدرة والتي تراعي الحاجات الروحية والجسدية وليس فيها أي تناقض فيما بينها أو مع العلم أو العصر وما يستوجبه من حمولة فكرية ثقيلة لضمان الملجأ والمنأى، عند التسليم ستتجلى الإيمانيات الحية والروحية التي تتغذى على آية أو موعظة والتي تشنف أسماعها لقصص الصالحين والمعجزات وخوارق الطبيعة وتقع فوق العقل والحس.

الأزمة في الشبهة، فالشبهة العقلية ستربك الدرويش والطعن في الرياضة الروحية سيربك المتعقل، رغم أن جمعهما بسيط لكن المستوى مختلف، وفي هذه الحال يحار المرء فهو ضعيف الحجة وإن رسب في القاع سيفقد كإيمانه أو بالأحرى سيتخلى عنه لضعفه وجهله التمييز بين المطلق والنسبي والثابت والمتغير هو السبيل للخلاص.

التسليم مطلق وبناء عليه تقوم بالشعيرة وتؤمن بما سلمت به وما يصر عنه وبعد ذلك ليس هناك مشاحة طالما أن الاستدلال على الموجود المطلق سليم وأن ما نسبته إليه فهو صادر عنه، وأن الموجود الضروري الوحيد هو الله والمتقوم بذاته الوحيد هو الله وما يصدر عنه فهو مقيد بما قيده به وقيد الله "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، وقوة المؤمن تتجلى في قوة إيمانه وقناعته بما أملاه عليه دينه، وهنا تتجلى حكمة الله في أنه قد جعل العقول متفاوتة والسبيل إلى القلوب مختلف كل بحسب قلبه وقدراته وبذلك يدعو من تطرب روحه على تلقي ما عنده من ملكات ومكتسبات إيمانية أو عقلية بحسب ما آتاه ربه.

إذا أساس معادلة هيغل صحيح وهي أن الأضداد في ذاتها واحد لكنها تعود "لتركب" ذاتها بصور مختلفة، ما يركب هو ظاهرها الذي قد يزعزع البعض وسيجد فيه التضداد لكن الحكيم من أفلح في الدمج بينهما، من يجمع بين هداية العقل والقلب. وما قلته سابقا هو مثال على نمط تفكير منتشر سأسقطه على ما هو أبسط من ذلك وسأخرج من حيز الروح والعقل إلى الوقائع والأحداث وقد يكون ذلك نقلة من جدلية هيغل الروحانية والفكرية إلى جدلية ماركس المادية.

جدلية التعددية والشمول قد تتعدى حد الميوعة أو حد التسلط، والقاعدة هي وحدة الثوابت أو المصالح التي تضمن الاتحاد ورسم السبيل الواحد الذي سيجمع الجميع ولو على أقل تقدير.

وفي هذه النقلة سأشي لكم بما تعلمون سابقا، "أزمة عقل" وانحراف في منهجية التفكير وهي الثنائيات والنتائج الحتمية، "إن لم تكن مع المعارضة فأنت مع النظام" والعكس صحيح، "أن تؤمن في عصر العلم فأنت جاهل" -كلمة مؤمن هنا بمعناها المطلق-، على الصعيد السياسي تتناحر الأطراف في إبراز النقص في الخصم والعجز وعدم الواقعية ولكنها تغفل عن التشابه الذي بينها في نمط تفكير مزدوج الاتجاه رغم أن كلاهما يدعو للتعددية! مفارقة!
 

وفي الثورة السورية ينسى المتعصبون في رأيهم أن هناك طريق ثالث بحسب تعبير علي عزت بيغوفيتش وهو الشعب، أم أنهما يعلقان مصلحة الشعب في أحد الطرفين ظانين بأنهم كالغالي في نظريته للسببية! وهنا تنتقل حرية التعبير والنقد إلى مكارثية وديماغوغية بالضرورة كذلك الأمر في جدلية العلم والجهل والتي يغفل العالم في سياقنا هذا أنه يؤمن بأمر مطلق وهو العلم والتجربة وفي ذلك رسم إلهه وعلمه الخاص.
 

جدلية التعددية والشمول قد تتعدى حد الميوعة أو حد التسلط، والقاعدة هي وحدة الثوابت أو المصالح التي تضمن الاتحاد ورسم السبيل الواحد الذي سيجمع الجميع ولو على أقل تقدير، وفي ذلك تطبيق لقاعدة أخف ضرر ممكن والذي من المفروض أن يكون مفهوما ضمنا لمن يرتجي الصعود بأمته وشعبه بدلا عن تفرقتها في السفاسف وعلى أقل شبهة.

رسم الخريطة الفكرية هو أمر ضروري لضمان السير في خط واضح قبل وضع التحركات العملية التي ستجلب المصالح المادية أو الملموسة التي ترتجى وإلا انحصرت في الفئة والجهة والطرف عدا عن ما تبقى من الأمة أو المجتمع أو البشرية، وهل تكون مصلحة الجميع إلا بتوحيدها تحت لواء ما؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.