شعار قسم مدونات

متفقون.. علينا

إيران روسيا

بدافع من التفاؤل والأمل والرغبة الدفينة، يحاول بعض مؤيدي الثورة السورية أن يبحث عن شبهة اختلاف بين الدولتين الداعمتين للنظام: روسيا وإيران، وبخاصة بعد موقفهما من اتفاقية خروج المجاهدين من حلب الشرقية، ثم ما أعقب ذلك من تمايز في المواقف في مؤتمر الأستانة، متذرعين بوجود مشروعين مختلفين سياسياً وعقائدياً لهاتين الدولتين تجاه المشهد السوري، ومستدلين بما بدأ يبرز من تباين في المواقف في تطبيق بنود اتفاق الهدنة، سواء في وادي بردى، أو في الغوطة الشرقية، أو حتى في إدلب.

والمتمعّن في حجم هذا الاختلاف لا يكاد يتلمس منه إلا تبايناً في وجهات نظر عامة، ومسارات بسيطة، لا تصل إلى عمق المواقف، ولا تكاد تشكّل فارقاً أو شرخاً، يمكن أن يؤسس لمستقبل متباين على المدى القريب أو البعيد، والدليل على ذلك أن ما سعت إليه إيران والنظام في وادي بردى هو الذي تمّ رغم الهدنة، وأن ما يحدث في جنوب دمشق هو ما خططت له إيران والنظام، وبغضِّ طرْفٍ متعمد من جانب الروس، وأن ما تمارسه إيران والنظام في الغوطة الشرقية يجري على قدم وساق رغم أن ذلك مخالف صراحة لبنود الاتفاقية.

التأسيس للنصر على الدول العميقة يحتاج إلى تضافر جهود المعنيين، والعمل على اتجاهات متعددة، والتعاون مع كل الجهات، وتجريب كل الوسائل والسبل المتاحة

هل يعقل أن كل هذا الذي يحدث هو تحدٍّ سافر تمارسه إيران والنظام والمليشيات الداعمة لهما ضد الروس؟ أو هو مسرحية يمثّلها علينا هذا التحالف الشيطاني؟ أعتقد – وأرجو أن أكون مخطئا – أن الاختلاف بين أجندتي روسيا وإيران في سوريا لا يعدو أن يكون:إما الإجهاز على المعارضة بالضربة القاضية على الطريقة الفارسية. أو إلحاق الهزيمة بالمعارضة عبر جولات مصارعة على الطريقة الروسية. وفي كلتا الحالتين، نحن خاسرون، فهل يتنبّه لذلك المفاوضون المدعوون دائما إلى موائد الأستانة، أو فنادق جنيف؟

مما لا مراء فيه أن إيديولوجيا الدولتين مختلفة، وربما متباينة على الساحة الدولية العامة، ولكنها بلا شك متقاطعة حتى الآن في الشأن السوري على مستوى المصالح بحدٍّ أدنى. ومن ثم فإن المراهنة -حتى الآن- على حدوث مثل هذا الشرخ، وابتناء مواقف واستنتاجات هو ضرب من الأحلام والأماني المستنبتة في بحيرة الخيال. أعلم أن هذا الزواج المصلحي بين روسيا وإيران لن يستمر إلى الأبد، وأعلم أن احتلالين في دولة واحدة لن يتّسقا على الدوام، وأعلم أن الخلافات لا بد هي ناشبة بينهما، ولكن لا أقبل مطلقاً أن يستكين الثائرون إلى هذه الفرضيات، أو أن ينتظر المفاوضون – بسلبية – ذوبان هذا الجبل الجليدي.

يمكن للمعارضة السياسية أن تكل إلى فريق منها العمل على هذا الجانب، تكون مهمته، وبمساعدة الأصدقاء، تجسيرَ العلاقات مع روسيا، وفتَّ جبل المصالح المشتركة الإيرانية الروسية، وفتحَ قنوات جديدة مع الجانب الروسي، والانفتاحَ على كل الدول التي تقدّم بصيص أمل بعون ومساعدة. فقد أثبتت السنوات الست – وبموضوعية تامة – فشل المعارضة السياسية في التجييش لقضيتها، واستقطاب الدول الحرة للانحياز لها، رغم عدالة ثورتها وتهافت موقف الطرف الآخر.

إن التأسيس للنصر على الدول العميقة يحتاج إلى تضافر جهود المعنيين، والعمل على اتجاهات متعددة، والتعاون مع كل الجهات، وتجريب كل الوسائل والسبل المتاحة. أما الاتكاء على أخطاء الآخرين، وانتظار خطواتهم القادمة، فلن يصنع نصرا، ولن يبني أمة، ولن يقيم دولة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.