شعار قسم مدونات

القيادة والتسلُط

blogs - mansory
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة." دوام أي أمر في تدبيره وإدارته ونسق الوجود وجماله في نصب كل شيء في مكانه والشيء اليسير ينمو على يد أهله العالمين به وبرعايته، وباليد الجاهلة تسقط الأمم العظيمة والجماعات الشاهقة القوية، فهذا هو مفتاح النجاح: "القيادة"
 

ماذا عسى ألاف الأسود أن تفعل إن قادها أخرق أو جبان، إن قادها أخرق كان سعيها فسادا عليها وعلى الأخرين، وإن قادها جبان كانت قوتها كأن لا شيء، لأن قيمة الشيء لا بمجرد وجوده، إذ وجود الشيء بلا إثارة له كعدمه، ولا في وضعه في الفساد لأن ضرره وقتها هو المحقق لا نفعه، والحياة قائمة على التنوع والتعدد ولا يصلحها إلا الاجتماع والتكامل ولذا لابد من قيادة تدير هذا الاجتماع وتوحد قواه.

تستمد هذه القيادة قوتها من أفرادها واجتماعهم كما أن هذه القوى تتلاءم وتؤدي دورها تحت هذه القيادة وإدارتها، ومن غير هذه القيادة تتشتت القوى أو تتضارب، وحين تولى هذه القيادة ليد أخرق جاهل بما في يده فهذا يدل على جهالة القوى وفسادها، إذ تسلط الجهلة على رقاب الخلق يدل على أمور منها أن هذه الجماعة هي صورة عن قيادتها كما أن هذه القيادة صورة عن الجماعة "و كذلك نولى الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون"- كما في سورة الأنعام، وهذه الآية يدل ما قبلها عليها حين قال سبحانه: "يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس، وقال أولياؤهم من الإنس "ربنا استمتع بعضنا ببعض " فإن الله تعالى عاب على الجن استخدامهم لحمير الإنسان مطايا وجنوداً فصار الجن كثرة باستخدامهم هؤلاء الحمير، ولكن المصيبة كانت في هؤلاء الحمير حين رضوا هذا الذل والاستبعاد وجعلوا في ذلك متعتهم ورغباتهم.
 

وهكذا هي حقيقة الحياة بين المستكبر والذليل، فإنه لا يقبل أحد الذل إلا من هو مستمتع به ملائم لنفسه الخانعة الجاهلة، فالجماعة الجاهلة الخانعة هي التي تقبل هذا النوع من القيادة، ومن الأمور التي تدل على تسلط القيادة الجاهلة على الجماعة هو عجز هذه الجماعة وجبنها، فإن الساعي الجاهل يصل لمقصده الذي يريده، أما العاجز العاقل فهو منكوس على رأسه لا ينفعه عقله ولا علمه، ونعوذ بالله من عجز العاقل كما نعوذ بالله من جلد المنافق، وحين يسند الأمر إلى غير أهله فحينئذ تكون النهاية، فلا علم وعقل ولا قدرة ينفع هذه الأمة أو الجماعة، إذ العبرة بالإدارة لا غير.

إن الجماعة المسلمة المجاهدة في سعيها لإقامة الشهادة على الخلق مدعوة لتوسيد الأمر في داخلها لأهله، ولا يجوز التفريط في هذا القانون تحت أي دعوى، لا المال هو ركن الإمامة ولا العشيرة ولا السابقة ولا مراعاة الخواطر.

والذين يطلبون من هذه الأمة أن تنهض وقد تسلط عليها الفاسدون العملاء والجهلة فهؤلاء يريدون الحياة من رميم العظام، ويطلبون الجمر من الرماد، والأمم والجماعات لم تتحول إلى قوى فاعلة وحاضرة في عين التاريخ إلا من خلال القيادة العالمة العاملة القوية، وإنه من عجائب الأمر أن يرتب الإنسان حياته المالية والأسرية (فيما يظن) ويترك أعظم ما يحتاجه من إحسان وتدبير ويتركه فاسداً وإن أعظم ما يحتاجه هو قيادة مجتمعة التي يتعلق بها الأحكام العامة، فالأحكام العامة هي التي تضبط كل الأمور وتحدد قيم المجتمع والجماعات.

فهل يستطيع المرء أن يأكل الحلال في مجتمع قيمه العامة تسير وفق الجاهلية؟! أم هل يستطيع أن يضبط قيم أسرته وتربيتها في مجتمع محكوم بقيم الجاهلية؟! هذا ما ينبغي على الأمة أن تفهمه، وفي هذا الحديث سمى النبي صلى الله عليه وسلم الأمر والأمانة فقال: " إذا ضيعت الأمانة " ولما سئل عن الأمانة قال صلى الله عليه وسلم: " إذا أسند الأمر إلى غير أهله " فدل على أن هذا الأمر هو الأمانة، فهو أمانة الله للعالم كما أنه أمانة الله لهذه الأمة، وحين نجمع هذا الحديث مع قوله صلى الله عليه وسلم: "تقوم الساعة وليس على وجه الأرض رجل يقول: الله.

نعلم أن نمو التوحيد في العالم إنما هو بقيادة أهل التوحيد للعالم، وانتشار الشرك وغلبته في العالم إنما هو بقيادة الشرك لهذا العالم، فإن جمعنا هذا مع قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ومع قوله: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال" علمنا أن العبودية لله تعالى لا يستقر لها قرار إلا بقيادة العابدين لأمور هذه الحياة، "فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً".

إن الجماعة المسلمة المجاهدة في سعيها لإقامة الشهادة على الخلق مدعوة لتوسيد الأمر في داخلها لأهله، ولا يجوز التفريط في هذا القانون تحت أي دعوى، لا المال هو ركن الإمامة ولا العشيرة ولا السابقة ولا مراعاة الخواطر، كل ذلك دعاوى فارغة أمام الأهلية، وإن أول مطلب إلهي للجماعة إن تحركت، أن تولي الأمر لأهله، فإن الملأ من بني إسرائيل من بعد نبي الله موسى عليه السلام عندما طلبوا الإذن بالجهاد واستجاب الله لطلبهم، طلب الله منهم تولية طالوت، وقد احتجوا بحجج الباطل، فلا مال له ولا تقدمة في عشيرته، وبالتالي لا محبة له سابقة في القلوب ومع ذلك لم يراع الحق لهم هذه الحجج بل قال: " إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم". 

والعجيب أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يقبل مطلب صحابته في تولية غير أسامة رضي الله عنه تحت دعوى صغر السن أو غير ذلك بل نظر إلى أهليته وقال: "إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه (أي زيد) وأيم الله إن كان لخليقاً بالإمارة" هذا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما راعى نفوس أصحابه رضي الله عنهم في أمور كثيرة لكن هذا الباب لخطورته لا مراعاة للنفوس به. إن شئت المال فخذ، وإن شئت الشهرة فخذ، وإن شئت الجلوس في صدور المجالس فخذ أما إذا شئت القيادة فلا لأنها أمانة ولا تعطى إلا لأهلها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.