شعار قسم مدونات

الصندوق السيادي السعودي وإدراج أرامكو

Aramco's Chief Executive Amin Nasser speaks during the signing ceremony of four engineering contracts by State oil giant Saudi Aramco to build its Fadhili gas processing project, in Fadhili, Saudi Arabia July 20, 2016. REUTERS/Zuhair Al-Traifi

منذ الربع الأول من ٢٠١٦ أدلى مسئولون رفيعون في المملكة وخاض محللون وخبراء ماليون في موضوع الصندوق السيادي المزمع إنشاؤه -وهو حالياً صندوق الاستثمارات العامة-. لكن ما استوقفني أن تقديرات حجمه تشير إلى أكثر من تريليوني دولار وربما (2.5 أو 3) ترليون دولار! لكن من أين جاءت هذه التقديرات الترليونية؟ أليست مبالغة بعض الشيء؟

لو علمنا أن الأصول الأجنبية التي تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" تقدر حالياً بـ ٥٥٠ مليار دولار -انخفضت بمقدار ٢٠٠ مليار دولار منذ منتصف ٢٠١٤-، وأن حصة صندوق الاستثمارات العامة في السوق المالي السعودي تقدر بـ١٥٠ مليار دولار وفق الأسعار الحالية، فهذا يعني أن الحد الأقصى لحجم الصندوق السيادي المزمع لن يتعدى ٧٠٠ مليار دولار! (بالمقارنة مع صندوق النرويج السيادي والمقدر بـ٨٧٠ مليار دولار). إذن من أين ستأتي الـ ٢ أو ٣ ترليون دولار؟
 

الجواب بسيط:
من خلال نقل ملكية أرامكو إلى الصندوق السيادي، ثم إدراج وطرح نحو ٥٪‏ من أسهم أرامكو في سوق المال الدولي. وهنا قدر بعض المسؤولين في الدولة والخبراء بأن أرامكو ربما تقدر بترليوني دولار. وبالتالي فإن طرح ٥٪‏ مِن أسهم أرامكو سيجلب نحو ١٠٠ مليار دولار نقداً لذات الصندوق لدعم وتنويع استثماراته، وبالتالي رفع القيمة السوقية للصندوق السيادي نظرياً وتقنياً فوق ترليوني دولار!

إذا أصرت الدولة على إدراج أرامكو، فلم لا ينظر في إمكانية طرح ١٪‏ فقط من أسهمها في أسواق المملكة ودول الخليج؟ ومن هنا نبدأ رحلة التدرج في الشفافية.

أي أن أغلب حجم الصندوق العملاق ليس فعلياً إلا من القيمة السوقية المفترضة لأرامكو، مع أن السيولة الفعلية قد تكون في نطاق ٧٠٠ إلى ٨٠٠ مليار دولار كحد أقصى. هذا إذا باعت الدولة ما قيمته ١٠٠ مليار دولار من أسهم أرامكو.

صحيح أن لا مانع نظرياً من وضع بعض أو كل أصول وأسهم شركات الدولة وإدارتها من خلال صناديق سيادية محلية أو دولية بهدف زيادة الشفافية والحوكـمة وتحسين أدائها التشغيلي. إلا أني لا أجد مبررا كافيا أو مقنعا لإدراج أسهم أرامكو عالميا وضمن الصندوق السيادي المفترض، على الأقل في المدى المتوسط. الموضوع باختصار سابق لأوانه ويستوجب بعض التريث. لماذا؟
 

١- لأن الأصل في الصناديق السيادة الدولية المماثلة والتي أساسها عوائد نفطية "صندوق النرويج النفطي مثالا" هو فقط تجنيب أو ترحيل أرباح شركات النفط أو الفوائض المالية للدولة إلى استثمارات في الأوراق المالية الدولية، بغية تنميتها وادخارها للأجيال القادمة، وتوليد دخلٍ موازٍ يستمر في المستقبل بعد نضوب النفط. ويحظر الصندوق النرويجي الآنف الذكر السحب، على سبيل المثال -في أي سنة- ما يزيد عن ٤٪‏ من قيمته لضرورات الموازنة العامة الطارئة، علما أن معدل أرباحه التراكمية بلغ 5.7٪‏ سنويا طيلة ١٩ عاما.

٢- كما أنه يحظر على ذلك الصندوق الاستثمار في الأسهم المحلية ولا يحوي أساساً حصة الدولة في شركات النفط النرويجية. إلا أنه يحوي عوائد الدولة من القطاع النفطي (ضرائب ورسوم على شركات النفط العاملة وحصة الدولة من الأرباح الموزعة من القطاع النفطي ذاته).

٣- وحيث أن الحكومة السعودية تعتمد حالياً اعتماداً كلياً أو شبه كلي على دخل أرامكو لأغراض الميزانية، مما يجعل إدراج أرامكو دوليا غير موضوعي في المدى المتوسط أو ربما الأبعد.
٤- إن تقديرات أسعار النفط الحالية لا تتعدى ٦٠ دولاراً في المدى المتوسط، مما سيخفض من قيمة عوائد الطرح! في حين أن وزير الطاقة أشار لاحتمال إدراج أرامكو عام ٢٠١٨م. لماذا إذن الاستعجال؟
 

٥- لماذا لا يركز الصندوق السيادي على إدارة الـ٥٥٠ مليار دولار التي بجعبة ساما حالياً؟ ليثبت أولا كفاءته، وليقـيم أداءه، ثم لكل حادثٍ حديث. أليس هذا أحوط؟
٦- من يضمن أن بيع أو استبدال بعض أسهم أرامكو بأخرى عالمية سيحسن من مداخيل الدولة ؟
 

حسن إدارة الوفرات النفطية الماضية والمستقبلية -إن وجدت- سيدعم خطة التحول الوطني ورؤية المملكة 2030، لكن نجاح التحوّل- الرؤية موضوع مستقل تماماً.

٧- إن القيمة السوقية لأكبر خمس شركات نفطية غربية يقدر بحوالي ترليون دولار (إكسون موبيل، رويال داتششيل ، بي بي ، توتال وشيڤرون). علماً أن إنتاجها اليومي يعادل 15.5 مليون برميل مكافئ، (أي أكثر من ٢٥٪‏ من الطاقة الانتاجية لأرامكو المقدرة بـ١٢ مليون برميل، وأكثر من ٤٥٪‏ من إنتاج أرامكو الحالي البالغ 10.5 مليون برميل يومياً). وهي شركات متكاملة صناعياً وتكنولوجياً. صحيح أن أرامكو تمتلك احتياطاً نفطياً قد يبلغ ٢٦٠ مليار برميل (٦٠ سنة احتياطي) مقابل ٨٢ مليار برميل (١٦ سنة) للشركات الآنفة الذكر، ناهيك عن أن تكلفة إنتاج النفط السعودي أرخص، إلا أن تقديرات قيمة أرامكو قد تستوجب بعض الحذر.

 

٨- إن حسن إدارة الوفرات النفطية الماضية والمستقبلية -إن وجدت- سيدعم خطة التحول الوطني ورؤية المملكة 2030، لكن نجاح التحوّل- الرؤية موضوع مستقل تماماً. بل إني أزعم أن القائمين على الخطة الوطنية يجب أن يثبتوا نجاحهم في إدارة تلك الرؤية أولا، وأن يدعموا الصندوق السيادي (صندوق الأجيال المستقبلية) من خلال خلق وفرات مالية من جراء جذب الاستثمارات والترشيد، ومن ثم تغذية الصندوق السيادي من تلك الوفرات لصالح الأجيال القادمة. وليس من خلال بيع أرامكو كليا أو جزئيا!
 

٩- إذا أصرت الدولة على إدراج أرامكو، فلم لا ينظر في إمكانية طرح ١٪‏ فقط من أسهمها في أسواق المملكة ودول الخليج؟ ومن هنا نبدأ رحلة التدرج في الشفافية، المزيد من الحوكمة ومراقبة أداء الحكومة ومدى نجاحها في تحقيق طموحات التحول الوطني ورؤية ٢٠٣٠. ويكون معيار أو مدى استغنائنا حقيقةً وفعلياً عن النفط هو الحافز أو المؤشر على مزيد من تخصيص وبيع أسهم أرامكو، وليس بالعكس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.