شعار قسم مدونات

الساعي الذي أصبح وزيرا

blogs- النعيمي

كثيرا ما تعطيك قراءة السير الذاتية لأشخاص ناجحين دروسا وتجارب يستفيد منها الإنسان في حياته فهي جزء من التاريخ، وما أكثر ما نردد أقوال شخصيات عالمية حققت نجاحا في مجالاتها فتكون هذه الكلمات بلسما يقينا شر إحباطات هذه الحياة أو الخرائط التي تعيدك إلى الطريق الصحيح.
 

ونحن اليوم أمام سيرة ذاتية لشخصية بسيطة ورائعة مازالت تعيش بيننا، هو علي النعيمي الوزير السابق للنفط في السعودية في كتاب "من البادية إلى عالم النفط"، قصة كفاح ونجاح هذا الرجل معتزا بماضيه ومفتخرا بحاضره، ولست بصدد كتابة مراجعة لكتاب النعيمي ولا ذكر المآخذ على الكتاب فهو كتاب بشري قد لا يخلو من ذلك، ولكن ما لفت نظري أسلوبه المميز في سرد تفاصيل حياته مع النفط وشركة أرامكو السعودية بصيغة جميلة وسلسة فيها من البساطة الشيء الكثير، خصوصا إذا علمنا أن النعيمي ترعرع في مجال النفط منذ أن كان ساعيا فيها وهو طفل بلا حذاء في عمر اثنتي عشرة سنة! إلى أن اعتلى هرم الشركة، وتعدى ذلك بتقلد منصب وزير النفط.
 

ومستذكرا في هذه السيرة أيام الفقر وصعوبة العيش وسعيه وراء الأغنام عندما كان راعيا في طفولته ومتنقلا بين منزل والدته إلى بيت والده بعد طلاقهما وتعطل والده عن العمل بعدما كان يعمل في صيد اللؤلؤ، عندما انهارت تجارته، وهو حال الكثير من تجار اللؤلؤ في الخليج آنذاك بعد اجتياح اللؤلؤ المزروع في اليابان الأسواق العالمية!
 

ويذكر النعيمي كيف طرد من أربع وظائف في أقل من سنة، حتى اعتبر نفسه عنوانا للفشل حينها! فكيف يتعلم الإنسان من هذه المواقف وكيف يزيد إصراره في الوصول لمبتغاه.

وكيف انتقل الكثير منهم إلى صناعة النفط فهم، الذين تعودوا على العمل الشاق على ظهور مراكب الصيد، فأصبحوا ضمن باكورة عمال شركة النفط، فلا تعجب عندما تعرف أن عبد الله جمعة رئيس شركة أرامكو فيما بعد والذي خلف النعيمي حينذاك هم في الأصل أبناء صيادي لؤلؤ!
 

فيروي النعيمي في كتابه الكثير من المواقف والقصص التي أثرت في حياته، ففي معرض حديثه عن نشأة صناعة النفط في المملكة يذكر كيف اكتسب المواطن السعودي ثقة شركة النفط للعمل فيها جنبا إلى جنب مع الأجانب متمثلا في خميس بن رمثان الرجل الأسطورة الذي أبهر المهندسين والجيولوجيين بذكائه ومهارته.

ويذكر الكاتب أيضا كيف طرد من أربع وظائف في أقل من سنة، حتى اعتبر نفسه عنوانا للفشل حينها! فكيف يتعلم الإنسان من هذه المواقف وكيف يزيد إصراره في الوصول لمبتغاه ولكن بالعمل وليس بالاستسلام، فقد كان حلما للنعيمي في دراسته الابتدائية عندما سأله أستاذه عن حلمه أجابه برغبته أن يصبح رئيسا لشركة أرامكوا!
 

ويتحدث النعيمي في أجزاء من الكتاب عن تفاصيل صناعة النفط وعن الصراعات المتعمدة التي واجهتها المملكة من دول منظمة أوبك المصدرة للنفط وكيف تتأثر البلاد اقتصاديا بأسعار النفط، وحتى يفهم المواطن العادي غموض هذه السوق وكيف تتم بعض الأمور الصعبة فيها والتنافس بين المصدرين لها، فهي سلعة كباقي السلع تتغير أسعارها ارتفاعا وانخفاضا ويلقي ذلك بظلاله على مشاريع البلاد فهي المورد الأساسي للميزانية، وهي نقطة مهمة أعتقد أن المسؤولين في المملكة استفادوا من الدروس المتتالية في سوق النفط؛ وبدأوا بالالتفات فعليا لمصادر الطاقة الأخرى وعلى رأسها الطاقة الشمسية بالمملكة، وهذا ما تمثل ولله الحمد في بعض الخطط لرؤية المملكة 2030.
 

الكتاب في أجزاء كثيرة منه توثيق تاريخي لتلك الفترة التي مرت بها المملكة عند بداية عهد النفط وكيف استفادت من هذا الرافد الرئيسي وواجهت بعضا من الأطماع آنذاك، وخصوصا وقت الحرب العالمية الثانية، مرورا بحرب الخليج وما صاحب ذلك من أحداث عصيبة، وواصلت تطورها ونهضتها بعد ذلك على جميع المستويات.

إذن هي ليست سيرة علي النعيمي وحده وإنما مسيرة وطن واستعراض لأحداث عظيمة أثرت في منطقة الخليج بأكملها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.