شعار قسم مدونات

صراع عربي كردي يقوده المثقفون السوريون

Kurdish civilians gather in the Syrian Kurdish city of Qamishli as they wave Kurdish flags in celebration after it was reported that Kurdish forces took control of the Syrian town of Kobani January 27, 2015. Kurdish forces battled Islamic State fighters outside Kobani on Tuesday, a monitoring group said, a day after Kurds said they had taken full control of the northern Syrian town following a four-month battle. REUTERS/Delil Souleiman (SYRIA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST CONFLICT)

قد لا نختلف على صعوبة وتعقيد الأزمة السورية التي كانت ثورة مرت بعدد من المراحل لتتحول إلى صراع إقليمي بصبغة دينية ورعاية دولية تشابكت فيها المصالح واختلفت الأدوار بعد ستة أعوام من أشد أنواع المعاناة التي عاشها الشعب السوري بدرجات مختلفة بين كل أطيافه لتصبح عبارة عن لوحة تشكيلية لا تكاد تفهم منها سوى اللون الأحمر القاتم.
 

وكان لا بد للمثقف السوري الذي يقع على عاتقه توعية مجتمعه المأساوي من خلال المرحلة الصعبة التي يمر بها في ظل الانتشار الكبير لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دورًا مهمًّا في نقل معاناة الشعوب التي شهدت بلدانها ثورات شعبية، لكن يبدو أن غالبية المثقفين السوريين لم يحسنوا التصرف مع الصراع المعقد، بل كانوا أدوات بيد الأجندات والقوى المتصارعة، أو تأثروا بالصراع القائم -إن صح التعبير-.
 

العلاقة بين العرب والكرد علاقة تاريخية تتخللها محبة ومصاهرة ووئام، ولا بد للعقلاء والمثقفين العرب والكرد من اتخاذ خطوات وطنية ودعم مبادرة حقيقية لإعادة الثقة والألفة بين أبناء الوطن الواحد.

وخاصة التنسيقيات الشبابية التي خرجت بداية الثورة السورية وانقسمت إلى مجموعات حسب الجهة الراعية لها -سواء من المجموعات المعارضة أو من الجهات الخارجية- متخذين من مواقع التواصل الاجتماعي مكانًا لبثّ أحقادهم وللرد على الانتقادات والاتهامات المتبادلة بين الأطراف السياسية بعد دخول الصراع الكردي التركي في الأزمة السورية عن طريق الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني (pyd) في المناطق الكردية، وظهور الجماعات الإسلامية -داعش وأخواتها- في المناطق العربية، ودور تركيا في دعم بعض الفصائل السورية المعارضة لمواجهة الوحدات الكردية خشية توسعها مع الشريط الحدودي لها كونها بداية مشروع كردي يهدد أمن تركيا القومي حسب تصريحات القيادات التركية. ومن جهة أخرى غياب صوت المثقف الحر في المناطق التي سيطرت عليها القوى المتصارعة بسبب الرقابة والتخوين عند التنديد بممارساتها مع المواطنين، هذا إذ لم يتم تصفيته.
 

قد يكون كل ما ذكر أهم الأسباب الرئيسة في هذا الصراع الثقافي بين أبناء الوطن الواحد الذي يخدم النظام السوري، وطالما حاول هذا النظام مرارًا دس السموم بين مكونات الشعب السوري لجرّه إلى صراع أهلي لتغيير مسار الثورة السورية، وهذا ما نجح فيه؛ لأن والده الراحل حافظ الأسد زرع تلك الأحقاد والكراهية منذ عقود ليثمر بعد عام من الثورة السورية ويبرهن للعالم أنه حامٍ للأقليات وأنه يحارب الإرهاب -الكذبة التي روجها في بداية الثورة السورية-.
 

تصريحات بعض السياسيين والمثقفين العرب -الذين يوصفون بتلاميذ البعث- ركبوا الثورة وأساءوا إلى القومية الكردية بدل انتقاد سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي"pyd" فكانت بداية الشرخ بين المثقفين الكرد والعرب حسب آراء بعض المضطلعين بهذا الشأن، حيث وصف البعض الشعب الكردي بالغجر والبويجيين والملاحدة، ليبدأ الطرف الكردي بالرد بعبارات متشابهة بوصف العرب بالغباء والتخلف والإجرام والدعشنة، وهنا كان لا بد لأصحاب الأقلام احتواء هذه المشاحنات وعدم السماح لها بالانتشار. وعلى العكس تمامًا أخذ كل طرف بالتشجيع حتى وصل الأمر إلى بعض المثقفين ممن جعلوا صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي مكانًا لبثّ السموم لتزيد من معاناة الشعب السوري أكثر، بل وتهدد التعايش السلمي بين أطياف المجتمع السوري.
 

ورغم ظهور عدة مؤتمرات ولقاءات لفئة من المثقفين السوريين في أماكن ومدن مختلفة فإن جميعها فشل كما هي الحال في الصراع القائم بين القوى السورية المتصارعة لعدة أسباب، أهمها: الصراع الطائفي الكبير للنخبة الثقافية الكردية والعربية وفقدانها للثقة المتبادلة، وربطها للأحداث السياسية والصراعات على حساب الولاء والانتماء للوطن؛ لأنهم أصبحوا توابع متأثرين غير مؤثرين، وهذا ما قد يدفع السوريون ثمنه غاليًا؛ لأن مسؤولية المثقف في مثل هذه الأزمات هي التغلب على العقبات ومواجهة الواقع الأليم، وخير مثال على ذلك الكاتب جان جاك روسو إبان الثورة الفرنسية ولو أنها تختلف عن الأزمة السورية.
 

فالعلاقة بين العرب والكرد علاقة تاريخية تتخللها محبة ومصاهرة ووئام، ولا بد للعقلاء والمثقفين العرب والكرد من اتخاذ خطوات وطنية ودعم مبادرة حقيقية لإعادة الثقة والألفة بين أبناء الوطن الواحد إذا ما أرادوا الحفاظ على النسيج الاجتماعي السوري.
 

وليكن مؤتمر الأستانة -بغض النظر عن نتائجه- بداية طريق لتصحيح مسار الأخطاء التي ركبت الثورة أو الأزمة السورية التي أبعدت بين مكونات المجتمع السوري وجعلتهم حطبًا في نيرانها وليبدأ المثقفون السوريون بإبعاد كل من يحاول الشرخ بين مكونات الشعب من خلال الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي بمحاولات حقيقية وجدية للتغلب على التبعية ونشر التوعية والإخاء بين أبناء الوطن الذي مزقه الحرب؛ لأن الخاسر الوحيد هو الشعب السوري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.