شعار قسم مدونات

ما شربتش من موسكفا؟

blogs- روسيا
يا نائح الطلح أشباه عوادينا *** نشجى لواديك أم نأسى لوادينا؟ 1
لم يعد المسلمون تجمعهم كلمة التوحيد فهي في نظر بعضهم غير كافية أن تجمع أحدا مع الآخر، مؤتمر الشيشان الذي رعاه الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف يحصر أهل السنة والجماعة في الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه وأهل التصوف الصافي علما وأخلاقا وتزكيةً وإخراج كل من خالفهم من دائرة السنة والجماعة. مؤتمر الشيشان الذي استبعد بعضا من أهل السنة والجماعة رغم أن البعض ظن لزمن طويل أنه وحده من أهل السنة وأهل العقيدة الصافية من شوائب وبدع الآخرين وخرافتهم وغلوهم.
 

والغريب أيضا أن الذين تم الانقلاب عليهم وتصنيفهم جماعة إرهابية مؤخرا "الإخوان المسلمون" هم أيضا أصبحوا يشاركون البعض ذات الإقصاء وأخرجوا من أهل السنة والجماعة، ولا أنسى حزب العثمانيين الجدد وغيرهم من السلفيين الذين تم إقصائهم وهم مختلفون ولا يجمعهم مصير أو مصلحة على أقل تقدير. ليس من الضروري أن الذين تم إقصاؤهم سلفيون، وكما قال أحمد شوقي:
فإن يك الجنس يا ابن الطلح فرقنا *** إن المصائب يجمعن المصابينـا. 2
 

الولايات المتحدة غير سعيدة بتجربة العثمانيين الجدد والإخوان المسلمين السياسية وتحاول القضاء عليهم، لأنهم بنظرها أصحاب عقيدة تمثل خطرا على المشروع الامبريالي الأمريكي.

أما الحكومة المصرية فهي من جهتها أرسلت وباركت مشاركة شيخ الأزهر، ليس فقط لتأكيد أن الإخوان المسلمين ليسوا من أهل السنة والجماعة مما يدعم انقلابها عليهم؛ بل لإثبات الولاء للحليف الجديد حتى لو كان ذلك على حساب أصدقائها وداعميها، فهي في النهاية تشعر بالخزي والعار، وتحاول أن تجد الأدلة تلو الأدلة والبراهين ليس لها بل لتقنع الجميع داخل أراضيها أن الإخوان المسلمين ليسوا على شيء والانقلاب عليهم مطلب شعبي وشرعي يثاب فاعله ويثاب مؤيده، وهذا هو مؤتمر الشيشان يثبت ذلك، وأما ما أصاب الداعمين لها من الخارج فلم يعد بمثابة نيران صديقة وهل ما زال بالإمكان تدارك الموقف معهم؟
 

ولا شك أن الذي سوف يتصدر المشهد السني العالمي القادم هم الذين ما زالت مقاعدهم في المؤتمر دافئة برغم البرد غير القارس في الشيشان ذلك الوقت، من الواضح التوجه العالمي الجديد والذي تقوده القوى العظمى بلا استثناء، فالروسي عراب المؤتمر بلا أدنى شك يعلم أنه ليس باستطاعته خوض مواجهات مباشرة أو لم تحن الفرصة بعد لأخذ الثأر ممن كبده أعظم الخسائر في ميادين المعارك بين أفغانستان والشيشان، وكان سببا من أسباب انهيار اتحاده.
 

لكن الأوضاع قد تغيرت واستراتيجية السيطرة والاستحواذ والتوسع قد تغيرت أيضا، وكما يعلم الجميع أن الروس وإيران الشيعية حلفاء، واليوم أهل السنة والجماعة باتوا بين أحضان الروس أيضا بشكل مباشر أو غير مباشر. كما أن الولايات المتحدة قد اتجهت بنظرتها البراغماتية الثاقبة صوب أهل السنة والجماعة الذين أشار إليهم المؤتمر الشيشاني، والمسلمون الشيعة منذ زمن ليس ببعيد أيضا بشكل مباشر أو غير مباشر لأنهم في نظرها غير رعاة للفكر التكفيري -كما يتم التسويق لهم وكما هم يزعمون أيضا-.

يؤيد ذلك أيضا الولايات المتحدة التي وجدت ضالتها في الإسلام الشيعي وأهل السنة والجماعة أصحاب المقاعد الدافئة، فهي من جهتها غير سعيدة بتجربة العثمانيين الجدد والإخوان المسلمين السياسية وتحاول القضاء عليهم إن أمكن ذلك وابتزازهم على أقل تقدير، لا لشيء سوى أنهم بنظرها أصحاب عقيدة سلفيه تمثل خطرا على المشروع الامبريالي الأمريكي.
 

الأسد المصري "السيسي" قد اتضحت له الصورة كاملة، فهو يبحث عن الفيتو الروسي المنقذ لعرشة في قادم الأيام، لأنه يعلم أن أمريكا لن تكترث لرحيله إن قام الشعب المصري بثورة لخلعه.

أعتقد أن النتيجة المحتملة لكل ما يحدث هي عملية تصنيف وفرز دقيقة تأتي من داخل الأمة الإسلامية نفسها ويقصى كل من لم يلتحق بالركب إما الشيعي أو السني الجديد، وهل تصنيف جماعة الإخوان جماعة إرهابية كان صائبا أم أنه سيصبح خطأ تاريخيا؟ رغم أن الولايات المتحدة وبريطانيا اتخذتا موقفا مغايرا لحد الآن، لكن ذلك لن يدوم طويلا، فهم بانتظار أن يأتي التقسيم من الداخل ورد فعل الأطراف التي تم إقصاؤها، وعليه أتوقع أن السلفية سوف تتكيف مع الأوضاع القادمة، فهي تتعرض لكثير من الضغط والابتزاز السياسي والمعنوي والمادي. فهل قد ضاعت فرصها للتوحد والتكتل والمواجهة؟
 

ومن جديد روسيا التي استخدمت حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار فرنسي حول حلب في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف القتال والغارات الجوية على المدينة، ويدعو إلى هدنة تسهم في وصول المساعدات الإنسانية إلى مختلف المناطق في سوريا، ثم طرحت مشروع قرار لم يصوت عليه إلا أربعة دول.

وبالطبع مصر السيسي كانت من الدول الأربعة، وليس بمستغرب، لأن الأسد المصري الجديد قد اتضحت له الصورة كاملة، فهو يبحث عن الفيتو الروسي المنقذ لعرشة في قادم الأيام، لأنه يعلم أن أمريكا لن تكترث لرحيله إن قام الشعب المصري بثورة لخلعه، وذلك لأن الوضع أصبح كارثيا داخل القطر المصري. وهو ينوي بشدة أن لا يفرط في العرش ولو كان ذلك على حساب الشعب ودماء ملايين الأبرياء من المصرين، فهو يعد العدة لحرب إبادة يساعده فيها الروس، وبالطبع فهو سيحتاج للفيتو لوقف أي قرار ضده في مجلس الأمن، وأيضا بحاجه للسلاح وللدعم البشري الإيراني في حال حصل انقسام داخل الجيش المصري. فهل هذا هو العشاء الأخير ويخون السيسي العرب مثل ما خان يهوذا الإسخريوطي المسيح عليه السلام؟
_______________________________________
1ـ قصيدة أندلسية لأمير الشعراء أحمد شوقي.

2 ـ قصيدة أندلسية لأمير الشعراء أحمد شوقي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.