شعار قسم مدونات

في فلسفة الترك والتركمان

blogs - العلم التركي
عمد اللغويون في القرن التاسع عشر إلى تقسيم اللغات إلى مجموعات أو أسر كبرى، يتفرع أسفل كلّ منها لغات أخرى، وأهم هذه المجموعات الكبرى، هي المجموعة الهندية الأوروبية، ومن أمثلتها؛ اللغة الكردية، وكذلك المجموعة الساميّة الحاميّة، ومن أمثلتها؛ العربية.

وأمّا المجموعة الثالثة، فهي المجموعة الطورانية، ويمكن أن نعتبر تقسيم المجموعة الطورانية، قد تم بناءًا على الجغرافيا، وليس على الروابط اللغوية، مما يعني أن هذه المجموعة، قد تربط أكثر من لغة، في منطقة واحدة، ولا يشترط في هذه اللغات أن تحوي تشابهًا، وهذه المجموعة تختص بالأقوام المقيمة في إقليم آسيا الوسطى، بشكل عام، و(الترك أو التركمان) من الأقوام الطورانية Turan.

وسوف نستعرض ثلاثة مناهج لبيان الكلام حول المصطلحين، الأول هو اللفظي، والثاني هو الهجرة، والثالث هو الواقعي.

فوِفق النهج اللفظي يمكن استعراض أهم الآراء التي توضح لنا الإختلاف بين المصطلحين، مع العلم أنّه لا يمكن الوصول إلى آيٍّ منها باليقين القاطع؛ بسبب منطقية كل منها، ووجود العديد من الأدلة كذلك على أيّ منها. أولها؛ أن الكلمة الأصل هي )الترك أو الأتراك)Türks، وأن التركمان Türkmenهي تابعة لها، فنسب البعض الثانية لمن أسلم من الترك، والثاني أن لفظ التركمان متعلق بإحدى جماعات الترك عمومًا، والتي تنقّلت إلى مواطن أخرى قبل غيرها؛ فكان من تنقّل من الترك أطلق عليهم التركمان.

والثالث يعني أن الزائدة ((men_man تتعلق بإحدى اللهجات التركية فتعني ضميرًا للمتكلم "أنا التركي"، أو أنها لاحقة تتعلق بإحدى لغات الأقوام المحيطة بالترك، وهم الفرس الذين أطلقوا هذا اللفظ بلغتهم على غيرهم من جاورهم من القبائل التركية لقب "أشباه الأتراك"، أي التركي الشبيه بالفارسي، وليس التركي الكامل، فهو يحوي تعددًا في خصاله، وهي بالفارسية Türkmanand، وتم تصحيفها فيما بعد إلى Türkman.

وكما ترون فإن الإختلاف بقي في إطار اللفظ، ولم يتعداه إلى المعنى، فلا اختلاف جوهري بين المصطلحين، وكلاهما تابع لعرق واحد وملتصق به.

وأمّا النهج المتعلق بالهجرة، فنقول إن ثمة قبائل من هذه الأقوام قد أخذت على عاتقها التوجه إلى هضبة الأناضول وأوروبا (خط الهجرة الأول)، وهذه الهجرة لا تتعلق بعصر من العصور بل هي ممتدة إلى ما قبل الإسلام، بعدّة قرون، وحتى بعده إلى القرن الثالث عشر الميلادي بعد توطينهم في الأناضول والبلقان، فالقبائل التي هاجرت إلى هذا الخط تحديدًا هي من القبائل التي تسمت بالأتراك أو الترك، وهذا الخط العام الذي رسم أغلب التوجهات القديمة لهذه الأقوام.

وأمّا خط الهجرة الثاني، فهو الذي توجهت به إلى العالم العربي، من نواحي إيران وحتى العراق وسوريا، ولبنان، وفلسطين -بالدرجة الاولى عن سائر العالم العربي-، وهؤلاء قد ارتبط اسمهم بالعالم الإسلامي، وهم التركمان.

الفرق بين مصطلحي التركي والتركماني، يمكن الوقوف عليه وفق بداية ونهاية تاريخ الدولة العثمانية، أي أنّ كل من كان عمره 7 قرون فما فوق، هو مواطن قديم سبق وجوده في الشرق الأوسط وجود العثمانيين.

أي أننا نستطيع أن نقول ضمن هذا الإطار الزماني، أن الترك هم أقوام تنقلت قبل الإسلام وبعده، إلى خط الهجرة الأول الأناضول_أوروبا، والتركمان هم الذي شاركوا بالحملات الإسلامية المختلفة في العراق وما حولها من الأراضي، امتدادًا لفلسطين، عبر خط الهجرة الثاني.

وأمّا من لم يهاجر وبقي منهم في موطنه، في أواسط آسيا، فهم الترك، ويمكن الإعتماد في ذلك على أنّ ما يصل من 90 بالمائة من أراضي آسيا الوسطى، كانت تسمى بالتركستانTürkstan، أي بلاد الترك، الممتدة من غرب الصين وحتى حدود إيران وبحر قزوين شرقًا، ومن شمال كازاخستان وحتى شمال أفغانستان وأجزاء من طاجيكستان جنوبًا، وهذا بالمعنى الواسع.

ولفظ "تركستان" بالمعنى الضيق يطلق أيضًا على الجزء الأقصى من أراضي آسيا الوسطى الذي يمتد من شمال_غرب الصين وحتى أجزاء من قرغيزستان وكازاخستان، وما حولهما، والجزء الشرقي من هذا المنطقة، يسمى بدولة تركستان الشرقية، أو مقاطعة سنجان الصينية، التي أتبعتها الصين لحكمها في أوساط القرن العشرين، والتي يطغى على سكانها أحد القوميات الطورانية المسلمة واسعة الإنتشار، وهم الأويغور Uygur، والجزء الغربي من هذه الجغرافيا قد احتله الإتحاد السوفيتي، وهو الآن يشكل مجموعة من الدول.

وأمّا لفظ تركمنستان Türkmenstan فهو متخصص بالدولة في جنوب غرب الجغرافيا الواسعة لتركستان الكبيرة المحاذية لشمال شرق إيران، ولعل دولة (تركمنستان) سمّيت بهذا الإسم؛ لأنها كانت على خط تَرْكِ أراضي التركستان، هجرةً إلى الأراضي التي تليها، والتي يمكث بها أقوام غير الأقوام الطورانية_الألطائية Turan_Altay، والواقعة على خط الهجرة الثاني نحو إيران فالعالم العربي.

ويمكن أن يأخذ الكلام منحى آخر، فيمكن اعتبار من تمدّن من هذه الأقوام بعد هجرته في الأناضول والبلقان، أنهم الترك، ومن بقي مرتحلًا في جغرافيا محدودة، يكون من التركمان، فيكون من طغى عليه واقع البداوة من التركمان، ومن تحضّر كان من الترك، وكأن الذي تحضّر قد بنى موطنًا جديدًا وقام بقيادته، ومن بقي في تحرك، وغير استقرار، أو من توطّن في مكان غير وطنه الأم، وكان أقلية به، كان تركمانيًّا.

والنهج الواقعي في بيان الفرق بين مصطلحي التركي والتركماني، فيمكن الوقوف عليه وفق بداية ونهاية تاريخ الدولة العثمانية، أي أنّ كل من كان عمره من هذه الأقوام 7 قرون فما فوق، فهو مواطن قديم سبق وجوده في الشرق الأوسط وجود العثمانيين، فهم التركمان Türkmenler، وأمّا من أتى مع العهد العثماني، وبقي في مناطق العثمانيين مع نهاية الحرب العالمية الأولى فهم الأتراك Türkler.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.