شعار قسم مدونات

الإسلاميون في بيئة الصراع الدولي.. معالم أساسية

blogs - syria 1 May, 2014Rebel fighters demonstrate their skills during their graduation from the Al-Itihad Al-Islami li Ijnad Al-Sham (Islamic Union of training forces of the Levant) combat school in Eastern Ghouta May 10, 2014. Picture taken May 10, 2014. REUTERS/Diaa Al-Din (SYRIA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST CONFLICT)

بعد المقدمة التي استغرقت ثلاث تدوينات سابقة نستطيع الآن المضي في الحديث عن موضع الإسلاميين في بيئة الصراع الدولي الحالي، والفرص التي أمامهم ويمكنهم المضي بها وإشكالية وضعهم الحالي، وسنبدأ من الإستراتيجيات الغائبة إلى الرؤية الإقليمية والدولية المطلوبة والغائبة أيضا، ونحن نتحدث هنا عن الإسلاميين العرب الموجودين في الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي خصيصا

 

أول تلك الإشكاليات هي غياب الاستقلالية في أي فعل للإسلاميين عن الفاعلين الإقليميين الرئيسين مثل تركيا والخليج، سواء كان هذا الخليج هو السعودية أو قطر، وهم مرتهنون بأحد هؤلاء الفاعلين في قرارهم، كما أن خصمهم كذلك مرتهن إما بإيران أو بالإمارات أو بالسعودية كذلك!

 

هذا الارتهان بالرغم من أنه مبني على ضرورة من وجهة نظر متخذي القرار في بيئة الإسلاميين فإنه العائق الأساسي والبديهي إزاء بناء إستراتيجية فاعلة أو التشبيك في تحالفات مصالح مشتركة مع أطراف أخرى.

 

ولنأخذ عدة أمثلة بسيطة وموضحة:

في (فبراير/شباط) من عام 2015 جمعتني مناسبة مع دبلوماسي من أحد الدول الصاعدة في البيئة العالمية والتي تتهيأ الآن لدخول فراغ القوة في منطقة الشرق الأوسط وتحاول أن تجد لها موضع قدم ونفوذا في بيئة الصراع العربي الحالي، وهذا الشخص تجمعني به معرفة قديمة، فتجاذبنا أطراف الحديث حول اليمن، ففجأة قال لي: أنت تجمعك صلات جيدة ببعض قيادات التجمع اليمني للإصلاح -إخوان اليمن- أليس كذلك؟ فقلت له: إلى حد ما، ولكن ما مناسبة السؤال؟ قال لي: أريدك أن تنقل رسالة مهمة إلى من يكون معنيا بها في الإصلاح، وهي أن عليهم أن يتوقعوا أن السعودية ستتدخل بشكل مباشر خلال الفترة القادمة في اليمن ضد الحوثي، ونحن في تقديرنا أن الإصلاح هم من لديهم الإمكانية ليخرجوا منتصرين من هذا الصراع الذي بدأ في اليمن، وفي نفس الوقت نحن نرى أن سياسة الحكم الجديد في السعودية رعناء وغير مسؤولة ويجب تحجيم السعودية ومغامرتها! لهذا فنحن مستعدون وجاهزون لدعم الإصلاح في هذا الصراع الحالي ولكن شريطة أن يكونوا طرفا مستقلا بشكل كامل عن السعودية، وألا يكون موضعهم في هذا الصراع أنهم مجرد أداة من أدوات إدارة السعودية لصراعها الإقليمي ضد إيران في رقعة الشطرنج العربية، إذا أثبت الإصلاح أنهم جديون في استقلال سياستهم عن السعودية وأنهم ليسوا مرتزقة يعملون لصالحها فحينها سيجدون "صداقتنا" ودعمنا حاضرين لهم!

 

فقلت له وأنا أفكر سريعا في مرامي ما يقول: ولكن ما تطلبه في شبه المستحيل تبعا لتطورات ميدان القتال الآن، فتحالف علي عبد الله صالح مع الحوثيين يكتسح حاليا كل اليمن، وبالكاد يحاول الإصلاح والجنرال محسن الأحمر أن يدفعوهم عن عدن -المحادثة كما قلنا كانت في (فبراير/شباط) 2015-، فبالتالي مستحيل أن يحتفظ الإصلاح بأي رقعة ينطلقون منها إذا تخلوا عن دعم السعودية العسكري والمالي ولم يكن هناك دعم جاهز حاليا في المقابل، والسعودية أنت أدرى بسياستها مني، إنهم لا يتعاملون مع أي طرف بشكل ندّي، فإما أن يكون تابعا وإما يكون خصما!

  

undefined

  

فقال لي: إذن فأنت لا تفهم حقا إستراتيجية إدارة صراع مثل الذي يجري في اليمن، حتى لو لم يحتفظوا بكيلومتر مربع واحد فهذا ليس مهما، جميع الأطراف الإقليمية والدولية يعلمون أن الإصلاح أهم رقم في معادلة الصراع في الطرف المقابل للحوثي، وأول تلك الأطراف هي السعودية نفسها، وهي تحتاجهم بقدر ما هم يحتاجون إليها، وأنا لا أطلب منك أن يكونوا خصوما للسعودية، ولكن أن يكونوا غير مؤتمرين بأمر الإدارة السياسية السعودية، فإذا حدث هذا وكان الأساس الذي تُبنى عليه علاقتهم بالسعودية وغيرها فحينها سيكسبون أضعاف ما سيسخرونه مرحليا، ومثل هذا حدث مرارا وتكرارا في تاريخ اليمن، أن يتقهقر طرف ويخسر ثم يعود فيكتسح ما خسره، وحينها كما قلت سيجدون يد صداقتنا حاضرة، وأنت تعلم أهمية أن نكون أصدقاء لهم.

 

فقلت له: حسنا، سأنقل تلك الرسالة، ولنر ماذا سيحدث، وفضّلت حينها أن أنقلها عبر عدة أشخاص بشكل غير مباشر، وألا أكون واضحا أو موجودا بشكل مباشر في ذلك الأمر لظروف تخصني، ولم أسأل بعدها عن مسار الرسالة بعد أن تأكدت أنها وصلت إلى المعنيين بها، المهم بعدها بشهر واحد بدأت العملية العسكرية السعودية باليمن والتي سميت بعاصفة الحزم، وحينها كذلك فهمت بشكل كامل ما الذي كان يقصده هذا الدبلوماسي تحديدا في كلامه معي، ولكن للأسف بالرغم من مرور قرابة ثلاث سنوات فعلى ما يبدو لم يستطع التجمع اليمني للإصلاح أن يكون متحررا من الارتهان بالسعودية مثلما حقق ذلك بشكل نسبي في أحد فترات الصراع محسن الأحمر، ولهذا عندما تجمعني أي مناسبة بأحد القياديين في الإصلاح أكرر السؤال كل مرة: هل بإمكانكم أن تكونوا مستقلين عن السعودية؟ فتكون الإجابة للأسف بالنفي، فأقول: إذن سيستمر هذا الصراع عندكم بدون نتيجة! -للموضوعية هناك مؤشرات في الأشهر الماضية على تغير هذا النهج من قبل الإصلاح لكن لم يحقق نتيجة بعد إلى الآن-.

 

إذا انتقلنا إلى مثال آخر في سوريا، ففي (سبتمبر/أيلول) من العام الماضي كنت أقوم بكتابة بحث عن أثر محاولة الانقلاب في تركيا على إستراتجيتها في سوريا، وأثناء كتابتي للبحث دشّنت تركيا تدخلها العسكري بسوريا عبر عملية درع الفرات، وفي سياق ذلك البحث التقيت مع مسؤولين سياسيين بالجيش الحر لأسألهم عن رؤيتهم لهذا التدخل العسكري التركي وغيره، وكل من قابلتهم كان أحد أسئلتي هو ما إمكانية أن يفضي هذا التدخل العسكري إلى توحيد الفصائل والميليشيات سواء التي في ريف حلب الشمالي أو في مدينة حلب نفسها في إطار واحد؟ -وهو الذي حققته تركيا جزئيا مؤخرا في إدلب حاليا-، فكل من سألتهم أعازوني إلى تجربة جيش المجاهدين ثم الجبهة الإسلامية في حلب عام 2014، والتي كانت في تقييمي الشخصي أنجح تجارب التوحد الذاتية التي سعت إليها فصائل المعارضة بشمال سوريا
  
واختصارا كما قيل لي من بعض من قابلتهم فتلك التجربة أُجهضت لأن كل طرف داعم وممول ظن أن طرفا آخر منافسا له هو وراء تكوين تلك الجبهة، بمعنى أن السعوديين ظنوا أن تركيا هي من كونت تلك الجبهة، والأتراك ظنوا العكس، ولم يدر بذهن أي طرف إقليمي أنه كانت هناك دافعية ذاتية لذلك من السوريين أنفسهم! فلهذا سعى كل طرف لإجهاض تلك التجربة، فحينها قلت لمن أحدثهم: وهذه للأسف النتيجة المتوقعة لأن ترتهن بذلك الطرف الإقليمي أو ذاك ولا تسعى أن تتعامل معهم من موقع التساوي والندية، فحينها رد عليّ أحدهم -وهو قيادي بالجيش الحر- مستخفا بقولي: حسنا، تعال إذن لتكون موقعنا وتفعل ما تقول في الوقت الذي ستكون مسؤوليتك وهمك الذي تبدأ به صباح كل يوم هل بإمكانك توفير الذخيرة لمعاركك ضد نظام الأسد في هذا اليوم أو لا؟ وأنا لا أقول لك ذلك مجازا، إنما حدث فعليا أن بعض الأطراف منعت عنا حتى الذخيرة وحتى المال لشرائها حتى تم تفكيك تلك التجربة لتوحد الفصائل! فقلت له: إذن فالتدخل العسكري التركي الحالي لن يسير لصالحكم في حلب، فهم لم يأتوا على كل حال لينقذوكم من رغبة الروس والإيرانيين اجتياح حلب أو تسويتها بالأرض وإنما أتوا لمصلحتهم الذاتية!

  undefined

 

وبعد اجتياح حلب المأساوي المرير الذي نتج عنه انسحاب الفصائل التي كانت تسيطر على المدينة إلى إدلب جمعتني مناسبة كذلك مع صحفي تركي قريب بشكل كبير من دوائر الحكم في تركيا، بل ويمكن وصفه أنه مشارك في بعض مستويات الحكم، فدار الحديث حول اجتياح حلب ولماذا لم يساعد الأتراك الفصائل التي كانت بداخل المدينة، فأبدى الرجل ضيقا شديدا وقال لي نصا: هؤلاء الذين تتحدث عنهم هم مجرد مراهقين يحملون سلاحا وليس عندهم أدنى معرفة بأي نوع من السياسة تدير استخدام ذلك السلاح، فقط يطلقون الرصاص ويخوضون المعارك من أجل المعارك، ولا أدري ماذا يظنون؟ هل أنهم سينتصرون عسكريا حتى يحتلوا قصر قاسيون -يقصد القصر الجمهوري أو قصر الشعب كما يعرف-؟! نحن قلنا لهم بشكل واضح لا لبس فيه إن الروس عازمون على اجتياح المدينة ولا نستطيع عمل شيء لكم، وفي كل الأحوال ستخرجون إلى إدلب، فيمكنكم الانسحاب الآن وفق شروط أفضل أنتم الذين تفرضونها ثم تبدأون جولة أخرى بعد تسوية تلك المعركة، ولكنهم لم يستجيبوا لنا، فماذا نصنع لهم؟!

 

ما يعنينا هنا أن ذلك هو أوضح نموذج إلى أن ارتهان الإسلاميين بغيرهم في بيئة الصراع الإقليمي المستعر هو السبب الرئيس في عدم خطو أي خطوة إلى الأمام

في كل الأحوال لم أقتنع ولا أوافق على رد ذلك الصحفي لي، ولكن عندما استخدم تعبير "مراهقون يحملون سلاحا" استدعى إلى ذاكرتي قول ذلك القيادي في الجيش الحر: ماذا أصنع إذا أنا وصلت إلى مرحلة أني يجب أن أقلق صباح كل يوم كيف أستطيع تدبير الذخيرة لمعارك اليوم! وتبسمت بالرغم من المأساة الراهنة وقتها، لأن ذلك القيادي لم يدرك ما قاله لي قبلها بسنتين ذلك الدبلوماسي إن تلك الصراعات لا يتم حسمها عن طريق حساب كم كيلومتر مربع تسيطر عليه أو كم من المعارك الحربية تنتصر بها، فبالنهاية بيئة مثل سوريا استخدم فيها تقريبا كل أنواع سلاح ممكن استخدامه في بيئة صراع مسلح أهلي وميليشياتي، بل وهي نقلت منطق حرب العصابات والأسلحة المستخدمة خلالها إلى مدى لم يحدث بأي حرب عصابات على مدار التاريخ! ولكن مع ذلك فهي تدخل الآن في عامها السابع دون أي حسم مرتقب، ولعلها ستكمل عشرية أخرى بدون ذلك الحسم!

 

وعلى كل ما زالت تلك الأزمة مستمرة، فمؤخرا، وبحسب معلومات شخصية مرتبطة بعمل كنت مشارك به، فإن من رفضوا المشاركة في سوتشي وشاركوا بمؤتمر الرياض هم قبلها حاولوا الاتصال بروسيا بشكل مباشر، وليس سبب رفضهم المشاركة بسوتشي أنه كان يؤشر بتقسيم سوريا أو أي شيء مماثل بغض النظر عن نتائجه وجدول أعماله، وإنما ببساطة لأن الفصائل المدعومة سعوديا لا يمكن لها أن تلتقي مع أي أطراف إيرانية، وهذا الخط الأحمر الذي وضعته أمامهم السعودية، فعوضا عن ذلك تريد السعودية في تلك المرحلة تعاملا مباشرا مع روسيا يقفز على إيران -أو هكذا يظن السعوديون أن هذا ممكن!-، فبالتالي استخدمت الفصائل السورية التي تدعمها في تلك المناورة، فجعلتهم يتصلون بموسكو ثم يرفضون حضور سوتشي، وتزامنا مع ذلك يحضرون مؤتمر الرياض الذي ضمت إليه منصة القاهرة، لإيصال رسالة للروس أنهم ما زالوا قادرين على الحل بسوريا حتى بمقتضى حل يضمن بقاء بشار، لكن شريطة ألا تكون إيران ضمن هذا الحل وهو اللامعقول والمستحيل على كل حال، لكن ذلك كان عموما جزءا من أجزاء المغامرة الفاشلة في إجبار سعد الحريري على الاستقالة وتوسعة رقعة النار بسوريا لتنتقل إلى لبنان.

 

المهم وما يعنينا هنا أن ذلك هو أوضح نموذج إلى أن ارتهان الإسلاميين بغيرهم في بيئة الصراع الإقليمي المستعر هو السبب الرئيس في عدم خطو أي خطوة إلى الأمام واستمرار الأزمة التي هم أهم فاعل فيها، ولكنهم أصبحوا كذلك أهم جزء فيها!

 

إذن ما الحل إزاء ذلك؟ هذا سنكمله في التدوينة القادمة

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.