شعار قسم مدونات

هل يتعظ الرئيس الموريتاني من مصير صالح؟

blogs - علي عبد الله صالح رئيس اليمن السابق

بالعودة إلى سيرة حياة الرئيس اليمني على عبد الله صالح المقتول في يوم 04 ـ 12 ـ 2017 فسنجد بأن هذا الرئيس كان قد أعلن في العام 2005 وبمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لتوليه السلطة بأنه لن يترشح للرئاسة في العام 2006، وهو الشيء الذي أكده في يوم 21 يونيو 2006 خلال المؤتمر الاستثنائي لحزب المؤتمر الشعبي العام، وقال في ذلك اليوم بأنه جاد في عدم الترشح، وبأنه على الحزب أن يبحث عن مرشح بديل. بعد ذلك بثلاثة أيام، أي في يوم 24 يونيو 2006 تراجع الرئيس على عبد الله صالح عن تعهده، وأعلن بأنه قد اضطر لأن يرضخ للضغوط الشعبية، وأن يترشح للرئاسة في انتخابات 2006.

إعلان الرئيس اليمني عن عدم ترشحه للرئاسة قوبل حينها بفرح عارم في اليمن وخارج اليمن، ولو أن الرئيس اليمنى وفى بوعده، وما كان له أن يفي بوعده فقد كتب له أن يقتل شر قتلة، فلو أنه وفى بوعده، لكان اليوم بطلا ورمزا في عالمنا العربي، ولو أنه وفى بوعده لكان اليوم يستضاف في الفضائيات ويلقي المحاضرات في المؤتمرات الدولية عن الديمقراطية وعن التناوب السلمي على السلطة، وذلك بوصفه يمثل حالة نادرة في عالمنا العربي. ولو أن الرئيس اليمني وفى بوعده، وما كان له أن يفي بوعده، لرفعت الشعوب العربية صوره أثناء خروجها في ثوراتها على أنظمتها الحاكمة، ولطالبت من رؤسائها أن يفعلوا مثل ما فعل الرئيس اليمني الذي تنحى طواعية عن السلطة، ونظم انتخابات شفافة في بلده دون أن يترشح فيها. كان بإمكان الرئيس اليمني على عبد الله صالح أن يتحول إلى بطل وإلى رمز بعد أن قضى ما يقارب ثلاثة عقود في الرئاسة، لو أنه وفى بوعد التنحي الطوعي في العام 2006، ولكن لم تكن تلك الخاتمة الحسنة لتكتب لمثل ذلك الدكتاتور.

 

فرصة أخرى أتيحت للرئيس اليمني بعد اندلاع الثورة اليمنية، وبعد أن أصيب في هجوم شرس استهدف مسجد القصر الرئاسي في الثالث من يونيو 2011. لقد أتيح لهذا الرئيس أن يحمي نفسه وأركان نظامه من الملاحقة القانونية من خلال المبادرة الخليجية، والتي تتيح أيضا لحزبه المشاركة في الحكومة الانتقالية. فرصة أخرى أتيحت للرئيس اليمني علي عبد الله صالح للخروج الآمن من السلطة، ولكن ما كان لهذا الدكتاتور أن يحظى بنهاية آمنة كهذه، ولذلك فقد ظل متشبثا بالسلطة وظل قلبه معلقا بها، الشيء الذي جعله يقف ضد الحكومة الشرعية، ويتحالف مع الحوثيين الذين سيقتلوه فيما بعد شر قتلة.

أتمنى ألا يتخذ الرئيس الموريتاني قرار الترشح لمأمورية ثالثة والذي تشير كل الدلائل على أنه يفكر فيه بجد، وأن يأخذ العبرة من سيرة حياة الرئيس اليمني
أتمنى ألا يتخذ الرئيس الموريتاني قرار الترشح لمأمورية ثالثة والذي تشير كل الدلائل على أنه يفكر فيه بجد، وأن يأخذ العبرة من سيرة حياة الرئيس اليمني
 

كان بإمكان علي عبد الله صالح أن يأخذ العبرة من خاتمة القذافي الذي قتل هو الآخر شر قتلة، ولكن الطغاة العرب لا يتعظون ولا يأخذ بعضهم العبرة من بعض. في أغلب بلدان العالم هناك رؤساء سابقون، أحياء يرزقون، يعيشون حياة آمنة وعادية، ولكن في بلاد العرب يصعب أن تجد رئيسا سابقا وهو حي يرزق، فإما أن تجده طاغية على استعداد لأن يحرق بلدا بكامله من أجل البقاء في السلطة حتى آخر رمق، أو تراه في مشهد مأساوي يقتل شر قتلة كما حدث مع القذافي ومع على عبد الله صالح، وكما سيحدث مع رؤساء آخرين قرروا أن يسلكوا نفس الطريق الذي سلكه القذافي وعلى عبد الله صالح.

في سيرة حياة الرئيس اليمني المقتول على عبد الله صالح الكثير من العبر، ولكن هناك لقطة من سيرة حياته هي التي أردت أن أتوقف معها، وأن أعيد التذكير بها، فمن يدري، فربما يأخذ منها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز عبرة. في يوم 21 أكتوبر 2016 أعلن الرئيس الموريتاني في خطاب له من داخل قصر المؤتمرات بأنه لن يترشح لمأمورية ثالثة، وبأنه لن يغير الدستور الموريتاني من أجل الترشح لمأمورية ثالثة. هذا التعهد قوبل بفرح عارم من الشعب الموريتاني، ولكن ما حصل من بعد ذلك كان مقلقا، وخاصة عندما قرر الرئيس الموريتاني أن يفرض تعديلات دستورية ألغى من خلالها مجلس الشيوخ، وهو ما يرى البعض بأنه تمهيد لتعديلات دستورية أخرى.

 

كما أن تكرار الدعوات من طرف بعض أركان نظام ولد عبد العزيز لمأمورية ثالثة قد زادت من القلق، وخاصة ما جاء منها على لسان الوزير الأول ورئيس الحزب الحاكم، ولقد كان آخر هذه الدعوات ما جاء في خطاب عمدة إحدى البلديات، وكان ذلك في مطلع هذا الشهر خلال افتتاح الرئيس الموريتاني للنسخة السابعة من مهرجان المدن القديمة.

لقد أصبح من المحتمل جدا ـ وهذا مما يقلق الكثير من الموريتانيين ـ أن يتم تعديل الدستور الموريتاني من جديد، وأن يعلن الرئيس الموريتاني بأن الضغط الشعبي قد أجبره على أن يترشح لمأمورية رئاسية جديدة كما أجبر من قبله الرئيس اليمني المقتول على أن يترشح لمأمورية رئاسية جديدة. أتمنى ألا يتخذ الرئيس الموريتاني مثل ذلك القرار والذي تشير كل الدلائل على أنه يفكر فيه بجد، وأتمنى لهذا الرئيس أن يأخذ العبرة من سيرة حياة الرئيس اليمني، فمثل ذلك سيتيح له خروجا آمنا من السلطة، وسيتيح لموريتانيا أن تتجنب مصير اليمن ومصير دول عربية أخرى تحولت إلى دول فاشلة لا تحكمها سلطة ولا قانون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.