شعار قسم مدونات

لو هُزم يوسف.. لهُزم الأقصى

blogs - الأقصى القدس

عاجل لترمب: قررت أن الوقت قد حان للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ومن يكون ترمب؟! سألت نفسي الغاضبة كـبكماء، لا أقوَ الصراخ. أنا لا أفقه شيء الآن، أنا لست صحافية ولا أبلغ من العمر شيئاً، أنا لم أقرأ، لم أفهم، ولا أريد أن أحلل. أنا فقط أسأل. من هو ترمب؟ أسأل ببراءة، بغضب، بسذاجة. من هو ترمب ليحدد عاصمة بلدي؟! لست فلسطينية لكنّي كذلك رغماً عن ترمب، هل يمنعني ويمنعك أن تكوننا فلسطين ونكونها؟ أو هل أنتظر ورقة دبلوماسية تصدر عن أحمق باع واشترى بأرض المقدس، سقف انجازاته تقديم جوازات دبلوماسية للراقصات؟ 

  
ماذا لو باعوا القدس مرة أخرى؟ "ما هُم باعوا فلسطين قبلها"، واعذروا عامّيتي في بعض الجمل، أنا لا أكتب اليوم لأسطر جملاً مميزة. من نكون أمام بيت المقدس؟ لا شيء. لكن ماذا عن حكوماتنا العربية برمتها؟ تلك الساقطة كأسلافها منذ 1948، واليوم يجددون العمالة، ما الجديد؟ مكاسب جديدة للأمريكي وبني صهيون والعربان. أقسم أن بعض العرب متصهينين أكثر من الصهاينة أنفسهم لا بل غيرتهم على المصالح الإسرائيلية تفوق مصلحتهم الشخصية، وهم الأكثر خسة من الأمريكي، "ما هوي طبيعي الي عملوا الأمريكي" لكن هذه الصهينة السياسية عامة والإعلامية على وجه الخصوص لم تخطر على بال بشر.

  
الصهيوني دخل مكة لزيارة صديق، والتطبيع مع اسرائيل علني، فـ على قناة الراي يعترف الإعلامي المتصهين -عبدالله هدلق- "دولة إسرائيل هي دولة وليست منظمة إرهابية". متي تصهينتهم أيها العرب؟ من لقنكم في الصِغر، من ربّاكم، على ماذا نشأتوا؟. كان التلفظ بكلمة إسرائيل دون إقرانها بالاحتلال يسمى تطبيع، اليوم باتت العمالة تسمى صداقة، اليوم تُبرم اتفاقيات السلام بين الدول العربية-العبرية مع المُحتل، أما معبر رفح فـيغلقه أفعى مصر أمام الفلسطينيين، وأفعى سوريا، المُدلك الشخصي للكيان الصهيوني، الذي باع الجولان سابقا، سيستمر المتاجرة بالقضية لآخر مسمار في كرسيه، حزب الأناكوندا اللبناني المقاوم، صبي إيران في بيروت المستباحة، يلاطف العدو كلما استنشق خطرا يلوح، وهو صاحب أكبر الموقّعين على معاهدات السلام مع إسرائيل، وهو الذي أودى بقلة قليلة من حياة الإسرائيليين "ما هو بالمال ولا بالعيال". بالمقابل تغذى الإسرائيلي على الدماء اللبنانية. "ما هوي نحنا، عرب عرب عرب" استساغ الحكّام إراقة دماءنا، واستغلال عواطفنا، يقول لنا الحاكم: "طوفوا الشوارع، نطوف، عودوا لمنازلكم، نعود".

undefined

 

أول قرار اتخذناه بعروبة وضمير واستقلالية، حين نطقنا كلمة حرية، فغرقت الأرض بدمائنا، واقتُلعت حناجرنا، واستباحوا أعراضنا، وفتتوا تاريخنا، ويجري تقسيم أراضينا، ومزقوا هويتنا العربية ورموا فتاتها في كل أصقاع الأرض.. حتى ذابت لغتنا، ضاعت مصاحفنا، أكتب الآن مثلاً على شبكة معلوماتية يتحكمون بها، عدا أنهم غزوا شاشاتنا، خاطبونا، استمالوا الجهلة منا، جيشونا إلكترونياً على بعضنا البعض، دفعوا بضعاف النفوس منا لمناصرتهم ورفع راياتهم.

 

اعذروني كنت أتحدث عن الحكام العرب فوجدت نفسي أتحدث عن الإسرائيلي، طبيعي جداً، وجهين لسفالة واحدة، انظروا إلى قتلتنا، إنهم عرب. انظروا إلى كَم الحصار الذي نحن فيه، الخراب من كل صوب وحدب، حوصرنا في عولمتهم، نأكل على هذه الشبكة ونشرب ونتقيأ الشتائم، نتظاهر، وشوارعنا خالية إلا من الدمار والدم، تُهنا بحالنا حد المرض، يحاربونا بصحتنا، علمنا وعلمائنا، لباسنا، ديننا الذي تفقهوا تفاصيله لينصبوا للعالم فخا اسمه "الإسلام" طافوا به العالم، جعلوا الجاهل من المسلمين يعتلي المنابر ليقذف الإسلام بجهالته، حتى جعلوا من الإسلام مادة للاستهزاء على القنوات التلفزيونية ومنصات التواصل، فهوينا إلى الدرك الأسفل من الأمم. سرقوا القدس؟ الأمر ليس بهذه الأهمية لتقوم قناة دبي مثلاً بإلغاء مهرجان دبي السينمائي، "عادي، بدهاش هلقد، العاصمة بتروح وبتجي". الحقيقة أنهم سرقونا من أنفسنا، مبادئنا، أخلاقنا، ضمائرنا وديننا، سقفنا رقصة دبكة، وتلويح بـكوفية أمست "ستايل ."
   

من نحن؟ ما هو إعرابنا في جملة الذل هذه التي ركبتنا، ماذا فعلت بنا الحكومات العربية؟ ومتى اعتادت أحفاد صلاح الدين هذا الهوان؟ يعلن ترمب القدس عاصمة لإسرائيل، تغلي منصاتنا، نحزن فتغفل أعيننا، ثم نستيقظ ليكتمل المشهد، فيزيدونا عجزاً. تطلق غوغل تصويتاً "هل تسمونها فلسطين أم إسرائيل؟ " يستهزؤون بنا عبره، يضعونه متنفساً لغضب الناس، ليموضعوا الغضب في المنصات لنتبادل الشتائم ونصعّد الشتيمة فنشعر بلذة الانتصار فـنكتفي، وهم يجلسون خلف الشاشات يقهقهون على انفعالاتنا الإلكترونية، فيزيدوننا. كتب رجل أعمال فلسطيني- أميركي يعبر عن غضبه من القرار الأمريكي، فعلّق له أحد الإسرائيليين "أعتذر منك عزيزي، القدس الآن عاصمتنا". لم تُحبطني جملته بل زادتني إيماناً، فليحاولوا أخذها، فلن يزدنا جوعهم لمدننا إلا التصاقا بأرضنا المسلوبة، للقدس مرابطين ومرابطات يضيئون قناديل صمودها، القدس عقيدة، فلسطين ليست مجرد قضية، للأقصى عشاق رهنوا أنفسهم وأموالهم وفلذات أكبادهم لها، فهل أستسلم أنا وأنت؟ في الأقصى من يدافع عن شرف الأمة، يدعوننا للثبات كما لم نفعل معهم سوى ببعض خطب الجمعة، أمة القدس لا تشبه أمتنا العربية، لا تتخاذل، لا تنام، بل تسهر أمام الأقصى باكية على تخاذلنا، لتجمع نفسها مع آذان فجر الأقصى مجددة العهد والبيعة. 

   undefined

 
مر على احتلال فلسطين عشرات السنين، نحن الشعوب لم نقر ونعترف بإسرائيل كـدولة، تربينا على أن فلسطين ستعود لنا يوماً، ولا سلم أو سلام بيننا، وبأنها ليست أسطورة نقرأها قبل النوم، بل هي التي ستوقظنا من غفلتنا لنستقيم، لذا، جعلناها بوصلة تهدينا للطريق إليها، وجعلناها ميزان حق يعرّي العميل من زي المقاوم. 

  
لو هُزم يوسف لهُزم الأقصى. ومهما تآمروا على هويته، يوماً سينتصر، لكن ليس عبر حكوماتنا، بل بعزيمة البارّين به. "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ". تعلموا لغاتهم وتسلحوا بالمعرفة، لندحر الجهل عن هذه الأمة ما استطعنا، ازرعوا في الأجيال القادمة بذور القدس واسقوها لتشتد وتنمو، أمة اقرأ لا تُقهر ولا تُهزم، عمر الاحتلال بضع عشرات من السنين ووجودنا بالقدس فاق الألف وأربعمائة سنة.

  
قاوموهم بحسب أماكنكم ومواقعكم، بأرضكم وجوّكم، بحناجركم، أقلامكم، صفوفكم، في المدارس والجامعات، في الشوارع، على المنصات وفي الإعلام، قاوموا بالمعرفة، أخلصوا لعقيدتكم، وادعموا المقاومة الأولى والأشقى في الداخل الفلسطيني، التي تقاوم بـروحها وسلاحها الحي، وبابتسامة أسير بـ وجه عدوه، بثبات الشيخ رائد صلاح وخديجة خويص، هنادي حلواني، سحر النتشة والقائمة تطول. شبّان المقدس لا يهابون المحتل، نَدَرتهم أمهاتهم للأقصى، وهو ما لن يفعله العدو مهما طال عمره واستماد في أرضنا. إنها عقيدة الأرض، لن يفقهها المحتل يوما. القدس كانت وستظل عاصمة فلسطين من النهر إلى البحر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.