شعار قسم مدونات

حفلات البكاء والعويل بدأت

Blogs- فلسطين

لا تستغرب كثيراً من العنوان، ففي عالمنا العربي والإسلامي حفلات للبكاء والعويل لا تنتهي ولا تتوقف ليلاَ أو نهاراً، وهذه الحفلات تقام في كافة فئات ومستويات عالمنا العربي والإسلامي، وحتى كاتب هذا المقال أحد محبي هذه الحفلات ومرتاديه وكلما سنحت له فرصة شارك فيها بكل جهد وهو يحسب أنه يفعل شيء جيداً يفيد هذه الأمة ولكن كل ما يفعله هو الكلام فقط والمشاركة في هذه الحفلات التي لا تنقطع.

  

وهذه الحفلات تبدأ عندما تتعرض الأمة للمصائب والمشاكل، حيث يصدر أصحاب القرار السياسي ببيانات الشجب والتنديد والاستنكار وأن أصبحوا في هذه الأيام يضنوا علينا بها وأصبحوا يبحثون عن حفلات أخرى غير حفلات البكاء والعويل هذه فمتعة البكاء والعويل أصبحت لا تستهويه، ومن ثم تنتقل هذه الحفلات إلى المستويات الشعبية عبر فعاليات شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع وبدون تحقيق أي فائدة ويبدو أن الشعوب أصبحت أيضاً لا تستهويها هذه الحفلات فهي على دين حكامها أمزجتهم.

  
وفي الوقت نفسه تقام حملات إعلامية كبيرة لحفلات البكاء والعويل، ويخرج علينا المحليين السياسيين والناطقين باسم الحكومات ليبكوا وليصرخوا وليرعدوا وليزبدوا وليتوعدوا ثم ماذا بعد ذلك لا شيء ابداً؟؟ فقط تنفيس عن شعورهم وعن شعور شعوبهم كما يعتقدون وبدون أي منفعة حقيقة، ومن ثم يأتي حدث أخر ليحل محل الحدث القديم فينسى ولا يذكر من قبل أحد ولتبدأ حفلة أخرى من حفلات البكاء والعويل وهكذا دواليك.

  
ولا ننسى أن نشير إلى دور خطباء المساجد في هذه الحفلات البكائية فهم يبدأوا بالبكاء على أطلال الماضي وكيف كنا سادة العالم؟ وماذا فعل أسلافنا الأبطال؟ وكيف أنشأنا حضارة عظيمة؟ وكيف كان خالد بن الوليد بطلاً مغواراً؟ وكيف حرر صلاح الدين القدس؟ وكيف هزم قطز التتار؟ ومن ثم تنتهي الخطبة وماذا حدث؟ لا شيء إطلاقاً إلا تذكير الناس بشيء حدث وانتهى وهم يعرفونه جيداً.

 

بدل من حفلات البكاء والعويل علينا بتوحيد صفنا نحن الفلسطينيين قبل أي شيء، والانطلاق لوقف هذه الصفقة من موقف موحد وليس موقف منقسم على نفسه أدى إلى تدمير هذه القضية
بدل من حفلات البكاء والعويل علينا بتوحيد صفنا نحن الفلسطينيين قبل أي شيء، والانطلاق لوقف هذه الصفقة من موقف موحد وليس موقف منقسم على نفسه أدى إلى تدمير هذه القضية
 

وحفلات اليوم تقام على أثر قرار ترمب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس وليعترف رسمياً بأن القدس عاصمة إسرائيل، وماذا بعد هذه الحفلات الطويلة من البكاء والعويل؟ هل سنغير شيء بهذا البكاء؟ أم سيشفق الأمريكان على بكائنا؟ أم ستتراجع إسرائيل عن مخططاتها بعد سماعها لهذه الحفلات؟ قولوا لي بالله عليكم ماذا نفعل نحن غير هذه الحفلات وغير الكلمات التي لا تجدي نفعاً ولا تفيق نائماً ولا تعيد حقاً.

 
وهل سينجح المخطط الأمريكي الإسرائيلي في تصفية القضية بمساعدة بعض الحكومات العربية التي مردت على الخيانة والذل والهوان من أجل المحافظة على عروشها وكراسيها الزائلة؟ وهل ستتحقق صفقة القرن التي أصبحنا نسمع فيها منذ فترة ليست بالقليلة؟ واليوم بدأت أولى بشائرها بهذا الاعتراف الأمريكي بأن القدس عاصمة إسرائيل عبر نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.

    
إن أي إنسان متابع لحال الأمة العربية والإسلامية يدرك أن هذه الصفقة ستمر إذا لم يكن هناك تحرك حقيقي وفعال على أرض الواقع لوقف هذه الصفقة المشبوهة التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بالكلية وبدأ مرحلة من تطبيع العلاقات مع الشعوب العربية وليس الحكومات فقط، وبدل من حفلات البكاء والعويل علينا بتوحيد صفنا نحن الفلسطينيين قبل أي شيء، والانطلاق لوقف هذه الصفقة من موقف موحد وليس موقف منقسم على نفسه أدى إلى تدمير هذه القضية وإرجاعها إلى الخلف سنين ضوئية، والمصالحة الفلسطينية الآن هي الفرصة المواتية لتوحيد الصفوف ويجب عدم إضاعة هذه الفرصة بأي حال من الأحوال.

 
كما وعلينا أن ننسى أي اعتماد على هذه الحكومات العربية الخائنة والمتواطئة مع الكيان الصهيوني، ولم يكن ترمب ليقوم بخطوته هذه دون موافقة الدول العربية التي لا تكف عن إفساد كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية من أجل مصالحهم الخاصة والمحافظة على عروشهم وكراسيهم، ولنحاول أن نعمل على تحريك الشعوب العربية الخاملة بفعاليات حقيقة تؤثر على صانعي القرار وتمنعهم من تنفيذ مخططاتهم هذه، ولن يتم ذلك عبر الكلمات الرنانة وحفلات البكاء والعويل التي لا تنتهي بل عبر حراك منظم وفعال على أرض الواقع وإلا ستكون العواقب وخيمة علينا جميعاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.