شعار قسم مدونات

"يا بنلبس متل حكياتنا.. يا بنحكي متل لبساتنا"

blogs فتاة

أذكر أنني كنت ابنة ثلاثة عشر عاماً عندما جلست أمام والداي وأخبرتهم بقراري أنني أود أن ألبس الحجاب، وكانت علامات الصدمة على وجههم واضحة في ذلك الوقت فطريقة لبسي وحياتي متناقضة تماماً مع فكرة الحجاب.

 

– بابا: أأنتِ متأكدة من هذا القرار!

– أنا: نعم أنا متأكدة، فأغلب بنات صفي يغطين رؤوسهن.

– ماما: من المفترض أن نفعل ما يناسبنا وليس ما يفعله الأخرون، ولكن لكِ أن تختاري، على أن تعلمي أن في الوقت الذي سترتدي به الحجاب ستمنعين عن إزالته فهذا قراركِ.

– بابا: لك القرار ولكن أنت صغيرة.

– أنا متأكدة.

 

أسبوع على تغطية شعري الخروبي الطويل كانت كافية لأن أعلم أن هذا القرار لم يكن في مكانه، فأنا لا أشعر بأي مشاعر تجاه قطعة القماش التي أغطي بها رأسي

وعليه ذهبت للمدرسة وأنا أرتدي الحجاب بعد هذا القرار، الذي لم يكن سببي للبسه القناعة وإنما كان السبب الرئيسي في هذا القرار هو معلمة الدين، حيث أعلمتنا أن "الله" سيعلقنا من شعرنا إن لم نرتده، هذا السبب الذي غالباً يجعل أغلب البنات في ذلك العمر يأخذن على عاتقهن قرار الحجاب دون وعي أو تفكير لإن كُنَّ سيتخذن هذا الحجاب كعادة أو كعبادة، وهنا يكمن مربط الفرس.

 

أسبوع على تغطية شعري الخروبي الطويل كانت كافية لأن أعلم أن هذا القرار لم يكن في مكانه، فأنا لا أشعر بأي مشاعر تجاه قطعة القماش التي أغطي بها رأسي، وعندها أعملت أمي أنني أود في أن أتراجع وأزيل هذا الحجاب، وهنا كانت الصدمة، فبالرغم من أن والداي منفتحين، إلا أنها رفضت وبشدة وأصررت أن هذا القرار كان قراري "قرار ابنة ١٣ عاماً" وهنا علمت أنني وقعت بالفخ!

 

بدأت الأيام تمر وأنا أرتدي هذا الحجاب كلما أخرج من البيت، ولكنني حال وصولي للمدرسة كنت أنزعه -لم تكن مدرستي مختلطة- وحال وصولي لمنزل جدي أو أقاربي أنزعه أيضاً فلا أذكر يوماً أني وضعت المنديل على رأسي عندما كان يزورنا قريب أو صديق أو ما إلى ذلك، لعلي دائماً أرى أن وجوده لا يعني شيء فأنا حاضره به وبدونه، ولم يكن لدى والداي أي إشكاليات في هذا، عدا عن كوني لا أضعه في حديقة المنزل وساحته، كما أنني قد اضطر دائماً إلى فكه وإعادة لبسه في أي مكان وزمان.

 

وهنا كانت المشكلة، أنه أصبح عادة في أماكن محددة، بالإضافة لكون طريقتي في اللبس هي طريقة عفوية وعصرية، ألبس ما يناسبني وما أحب دونما الاكتراث إلى أي تفاصيل قد يعنى بها المختصين بالشؤون الدينية، وبعد هذا، بدأت مرحلة الله يهديكي وتلبسي جلباب من معلمة المدرسة الثانوية، لم أدرك في حينها كيف للمجتمع أن يتدخل في كل هذه التفاصيل، إلا أنني كنت أرفض وأصر على أن طريقتي باللبس هي شأن شخصي، فيكفي أنني أيقنت أن قرار الحجاب لم يكن في مكانه.

 

مررت بإحدى عشر عاماً من ارتدائي للحجاب ولم أشعر يوماً أنه عبادة بل كان شعور العادة مسيطر دائما، وعليه كنت بين فترة وأخرى أستشعر نبض والدتي حول فكرة خلع الحجاب، ولكنها كانت ترفض ذلك بشدة، لم أكن أعلم والدي بذلك، فانا أعلم أن ذلك من شأنه خلق نزاع عائلي بين والدتي ووالدي نحن في غنى عنه، استمريت على هذا الحال لنهاية شهر سبتمبر ٢٠١٦ وقررت في ذلك الحين أنني سأتخذ قراراً بغض النظر عن رأي والدتي به، أعلمت أخي الذي يصغرني بعام -وهو أكبر إخوتي- بما أفكر، وحقيقة أنني تفاجأت من ردة فعله، فأنا أعلم أنه أخي ليبرالي بفكره ولكني كنت أظنه كباقي أقرانه في هذا المجتمع سيفشل أمام أول اختبار يخص شقيقته!

 

القليل من الشتائم وبعض المنشورات الهجومية التي انتشرت هنا وهناك رأيتها واستغفلت عنها كأنني لا أراها، ولكني لم أستطيع أن أخفي أنني حذفت من شتم! لأني أتفهم النقد ولا أتفهم الشتم
القليل من الشتائم وبعض المنشورات الهجومية التي انتشرت هنا وهناك رأيتها واستغفلت عنها كأنني لا أراها، ولكني لم أستطيع أن أخفي أنني حذفت من شتم! لأني أتفهم النقد ولا أتفهم الشتم
 

وفي الحقيقة كان رده بكل بساطة "لو فعلا رح تكوني مرتاحة لما تبطلي تلبسي ورح تكوني بحريتك أكثر فما في داعي إله، القرار إلك" وهنا كان المفصل، أخذت القرار وحسمت أمري، أخبرت أمي بقراري وكانت لوهلة تظن أني لن أفعلها فأنا مراراً كنت أخبرها أن هذا الأسبوع هو أخر أسبوع أرتدي به الحجاب ولم أفعلها يوماً بأن أخلعه فعلا، ولكن هذه المرة اختلفت الأمور، وأخبرتها أنني عادة إنسانة ذات وجه واحد، ولا أستطيع أن أتخذ موقف رمادي، فإما الأبيض وإما الأسود وخاصة في مثل هذه الأمور، وفي خضم الحديث أخبرتها أنني أؤمن  بهذه الجملة "يا بنلبس متل حكياتنا، يا بنحكي متل لبساتنا" فقط!

 

هذه الجملة التي من شأنها حسم الموقف، إلا أنها فعلا لم تتوقع أني سأفعلها، خصوصاً أن مجتمعاً كمجتمعنا لن يرحم خاصة أنني أصبحت أعيش في كنف والدتي بعد انفصال والداي وكانت هذه عقبة أخرى تذكرها أمي دائما عندما نتحدث في هذا الموضوع عدا عن شعوري دائما بأن نقاش والدتي يدور حول كلام المجتمع وموقفه كذلك صديقاتي المقربات ولم يكن يوما نقاش ديني أبدا لهذا السياق، ولكنني كنت دوماً أخبرها أني لا أهتم لكل المجتمع لأن القرار قراراي.

 

في المساء أمي كانت لا تزال في الصدمة وذهبت للنوم مبكراً، عاد أخي للمنزل، جلسنا وتحدثنا حول ردود الفعل المتوقعة، بلوك فيسبوك! شتائم من المجتمع الذكوري! نظرة دونية من فئة عنصرية لفترة قصيرة! قطع بعض العلاقات المرتبطة بكوني فتاة محترمة "لأنني أرتدي المنديل وهذه نظرة مجتمعية تقليدية سائدة"! لا بأس بكل هذا أمام حريتي وخياري، "مضى ١١ عاماً على ارتدائه لنحتمل أسبوعين أو شهر على الأكثر وسينسى الكل هذا الحدث ولكنك ستفرحين بقرارك هذه المرة" حماده قال.

 

"يلا حناخذ سيلفي بالمظهر الجديد ونوحد صورنا على الفيسبوك" حماده قال، وفعلناها! كانت الصدمة أن بعض الأصدقاء أرسلو لي رسائل على التطبيقات الأخرى حينما رأوا صورتي وأخي على الفيسبوك قائلين: منى، يبدو أن حسابك على الفيسبوك قد سرق! وأنا كنت أؤكد أنني أتجول في حسابي الآن وقد غيرت صورتي الشخصية وحسابي ليس مسروقاَ، القليل من الشتائم وبعض المنشورات الهجومية التي انتشرت هنا وهناك رأيتها واستغفلت عنها كأنني لا أراها، ولكني لم أستطيع أن أخفي أنني حذفت من شتم! لأني أتفهم النقد ولا أتفهم الشتم مع أنني في كل الأحوال أقول هذا أمر شخصي ليس من المفترض أن يخضع لنقاش جمعي.

 

لعل أكثر ردود الفعل صدمة بالنسبة لي كانت ردود فعل الفئة التي أشارت عليّ انتظار بدء مرحلة جديدة في حياتي لأخلع الحجاب؛ فأذكر أن اقتراحاً تكرر مراراً من عدة أشخاص: ماذا لو انتظرت حتى ترتبطي بشريك الحياة وتخلعيه!

التزمتُ الصمت ولم أرد على أي تعليق أو منشور سواء بارك بنزعه أو هاجم أو نقد أو غيره، فأنا لم أفعلها من أجل مديح أو من أجل مواجهة الهجوم، أنا فعلتها لأني أرتاح بهذا الشكل، هذا قرار شخصي في مجتمع لا يحترم القرارات الشخصية بل على العكس يهاجمها، لعل أجمل الردود التي وصلت، كانت قد وصلتني برسالة عبر الفيسبوك، صديقي كامل -بالرغم من أنه يحب الحجاب ويعتبره من علامات الجمال- إلا أنه أرسل لي رسالة محتواها "مش مهم تحطي المنديل أو تشيلي، أنا متأكد أن منى بتضل منى، بروحها وعقلها وقلبها" كانت هذه الرسالة كافية بالنسبة لي، أما والدتي، فكانت ولمدة يومين ملتزمة الصمت، تعلم أنني عنيدة أصمم على ما أريد لأناله وأحققه بالرغم من أنها لا تؤيدني إلا أنها تعلم أني أقدس الحريات!

 

في أول يوم عمل بدون منديل، شعري يطير مع الهواء، شعور أفتقده منذ حوالي أحد عشر عاماً، ولن يدرك هذا الشعور إلا من فقده فعلاً، بعد ساعتين من وصولي للمكتب، زارنا صديق لم نلتقه منذ أكثر من ثمانية أشهر، جلس سامي وتحدثنا لأكثر من ساعة ولم ينتبه أنني بدون منديل! وهنا كانت الصدمة، سامي عادة ما ينتبه للتفاصيل وعليه؛ في بداية الأمر كنت أظن أنه لا يريد أن يحرجني، ولكن بعد دقائق اكتشفت أن سامي لم يلاحظ أنني قد خلعته، وكان جواب سامي شافي وكافي بالنسبة لي حين قال: "منى؛ دائماً ما ألمس عقلا وفكراً غير محجب، وأنسى أنك تضعين المنديل لأنك معتدلة، غير عنصرية في الدين، لأنه منى روح وعقل مش بس شكل مربوط بأنها تتحجب أو تخلع الحجاب، أنتي أخدتِ قرار مرتاحة معه وواعية له".

 

لعل أكثر ردود الفعل صدمة بالنسبة لي كانت ردود فعل الفئة التي أشارت عليّ انتظار بدء مرحلة جديدة في حياتي لأخلع الحجاب؛ فأذكر أن اقتراحاً تكرر مراراً من عدة أشخاص: ماذا لو انتظرت حتى ترتبطي بشريك الحياة وتخلعيه! ولعل ردي كان ثابتاً في كل هذه المرات أنني لم ولن أسمح بذلك، فقراري شخصي وأتحمل مسؤوليته بذاتي بعيداً عن أي ارتباطات ولن أعلق قرارتي على أشخاص أو أشياء.

 

في الحقيقة؛ ردود الفعل المحيطة كانت مصدر تفاؤل بالنسبة لي، جعلت أملي أكبر، في أن تنفك عقدة مجتمعاتنا في الحكم على الأشخاص من لبسهم وشكلهم، أعلم أن هناك نسبة لا بأس بها لا زالت عنصرية وتزيد عنصريتها يوما بعد يوم، فأنا لمست هذه العنصرية، ولكن وجود فئة قليلة تحترم الحريات تجعل الأمل أكبر بواقع أفضل وأكثر حرية، عاماً مضى على اتخاذ هذا القرار ولتاريخ اليوم لا زلت بين الفينة والأخرى أسمع تعليقا على الموضوع ذاته من بعض وكلاء الله في هذا المجتمع، ولكني دائما ما أردد نفس الإجابة؛ "مش شغلك".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.