شعار قسم مدونات

وقُتل علي عبد الله صالح

مدونات - علي عبد الله صالح اليمن

قتل علي عبد الله صالح وانتهت حكايته كفاعل رئيسي في الساحة اليمنية، وكمناور بارز ظل يمتلك القدرة لسنوات كثيرة على تحريك الوضع، وعقد تحالفات وإنهاء أخرى، وحشد القبائل حوله أو ضده، واستقطاب الأضواء وفرض نفسه كخيار سياسي يمني على الداخل والخارج، ولكن نهايته هذه من المؤكد ستسيل كثير من الحبر، وستدفع لكم هائل من الكلام عن موته، وعن أسبابه وخلفياته وحيثياته؟

لقد مات بطريقة استدعت للتو مشهد مقتل الرئيس الليبي السابق معمر القذّافي، واستدعت معه ذلك الشك الذي حام حول طريقة موته وعن المستفيد منها؟ والسؤال عن الذي سعى ليتخلص منه؟ بوصفه الصندوق الأسود لليبيا، الذي يحوي في جعبته كثير من الأسرار الداخلية والخارجية، والذي كان القبض عليه من الثوار أو من غيرهم، سيكون مصدرا لتسريب يضر كثير من الأطراف، فأنهي في اللحظة التي توفر فيها مشجب جاهز يستطيع أن يبؤ بإثم مقتله.

كان صالح الرجل الأمثل الذي يستطيع أن يحكم اليمن ويخدم مصالح القوى العظمى في آن واحد بكفاءة منتهية النظير، فبادلته القوى العظمى الحماية والعناية، ودام ذلك حتى جاءت ثورة الشعب اليمني في خضم انبعاث الربيع العربي، فحاول أن يقاوم السيل الشعبي الجارف، وناور كثيرا وحاولت السعودية أن تحميه لأخر رمق، لكن مصالح من يديرون العالم، رأت أنه آن الأوان لينسحب من المشهد حتى يعطي فرصة للنظام القائم للاستمرار.

جاءت دعوة صالح للثورة في وجه الحوثيين لتبين عن انقلاب كبير بموقفه، وتغيير جديد ببوصلته وعن عقده تحالفا جديدا، مع الجهة التي كانت تقصفه وتحاربه، وخلع لحلفه التكتيكي القريب من جماعة الحوثي
جاءت دعوة صالح للثورة في وجه الحوثيين لتبين عن انقلاب كبير بموقفه، وتغيير جديد ببوصلته وعن عقده تحالفا جديدا، مع الجهة التي كانت تقصفه وتحاربه، وخلع لحلفه التكتيكي القريب من جماعة الحوثي
 

فتنحى مكرها فاسحاً المجال لنائبه ليشغل منصبه، لكنه لم يبتلع تلك الغصة ولم يستطع أن ينزوي بعيدا، فذهب لألد خصومه السابقين؛ جماعة الحوثي ليعقد معها حلفا ملغوما ساما، نكاية في السعودية وفيمن تخلوا عنه واستبدلوه، وفي نيته أن يثبت أهميته، وأن لا شيء ينعقد في اليمن من دون رضاه ومساهمته، ويجبر من رعوا عملية الانتقال على العودة إليه مرغمين.

وبالفعل تمكن من استعادة السيطرة على جزء كبير من اليمن، واستولى على صنعاء وطرد منها حكومة منصور المسنودة دوليا، ومرت ثلاث سنوات وهو تحت القصف الكثيف لطائرات التحالف الذي قادته السعودية والإمارات، ودكت اليمن ودمرت، ولم يتمكنوا من التأثير عليه بشيء، بل ظهر منذ أشهر يستعرض قواته المسلحة، ويخطب في الحشود بغطرسته وعجرفته المعهودة.

ومنذ فترة بدأ الحديث عن تجنب السعودية قتله عمدا؟ رغم أنها كانت وحلفائها يعلمون موقعه الذي يقيم فيه، وذهب البعض يحلل الأمر بأن الحاجة ما زالت قائمة لدوره في اليمن؟ وتحدث آخرون عن تواصل الإمارات معه، وترجم هذا أحيانا في شقاقات ميدانية بين أتباعه وبين الحوثيين، لكن كان الأمر يحتوى سريعا ويتدارك واستمرت علاقته معهم.

وكل ذلك في ظل غياب بديل حقيقي لصالح وحزبه في اليمن تتكئ عليه السعودية ومن وراءها، فهناك ثلاثة أطراف فاعلة في الساحة السياسية اليمنية، هي المؤتمر الشعبي بقيادة صالح، والتجمع اليمني للإصلاح الإخواني، وجماعة الحوثي، وبين هؤلاء يبقى صالح رغم كل ما فعله وما بدر منه أفضل حليف وأقرب جهة تستطيع السعودية أن تستسيغ علاقتها ودعمها.

لاحظ الجميع أن صالح خلال دعوته للمهادنة مع جيرانه العرب والانتفاضة ضد الحوثيين لم يتوقف عن توجيه الكلام المشين ضد نائبه السابق الرئيس منصور المنصب من قبل السعودية، ولم يتوقف عن وصف ما يقوم به التحالف العربي باليمن بالعدوان

ومنذ أيام تعالت حدة خطابه ضد دول التحالف التي تهاجم اليمن، ووصل به الأمر ليسرب وثيقة لا يعلم مدى مصداقيتها؟ عن رسالة من الملك السعودي السابق فيصل إلى أمريكا سنة 1966 يحرضها على دفع إسرائيل لتوجه ضربة لمصر عبد الناصر ولسوريا، وعلى احتلال الضفة وغزة، من أجل إبعاد عبد الناصر وجيشه من اليمن، التي يجعلها موقعها الجغرافي غاية في الأهمية لأمريكا ولكثير من القوى العظمى، وللسعودية باعتبارها خاصرتها الجنوبية وتشرف على مضيق هام تمر منه نسبة غالبة من تجارة العالم.

وبعد أيام من هذا ظهر صالح يوجه الاتهامات لحلفائه الحوثيين، ويصف ما يقومون به بالعدوان، والإرهاب وقطع الطريق، ويتحدث عن تجنيدهم للأطفال وعن تصرفاتهم الحمقاء، التي كانت أحد أسباب العدوان، ويوجه الدعوة لكل الشعب اليمني العظيم كما قال في كل المحافظات والمديريات والأحياء، ليهب هبة رجل واحد للدفاع عن الجمهورية والثورة والحرية، ضد هذه العناصر التي قامت بهذا العمل غير المسؤول، والتي عبثت بمقدرات الشعب منذ ثلاث سنوات وهدفت للانتقام من الثورة؟

فجاءت دعوته للثورة في وجه الحوثيين لتبين عن انقلاب كبير في موقفه، وتغيير جديد في بوصلته وعن عقده تحالفا جديدا، مع الجهة التي كانت تقصفه وتحاربه، وخلع لحلفه التكتيكي القريب من جماعة الحوثي، عندما وصف قيادة التحالف العربي، بالأشقاء، ودعاهم لقلب الصفحة، ووقف القصف وإنهاء الحصار وفتح المطارات والموانئ، ووعد بمعاملة قائمة بعد ذلك على حسن الجوار والحوار، وأكثر من ذلك وعد أن يترك الفرصة للشعب اليمني ليختار ممثليه، وأن يخرج من المشهد السياسي؟

ولقد لاحظ الجميع أنه حتى خلال دعوته هذه للمهادنة مع جيرانه العرب والانتفاضة ضد الحوثيين لم يتوقف عن توجيه الكلام المشين ضد نائبه السابق الرئيس منصور المنصب من قبل السعودية وحكومته، ولم يتوقف عن وصف ما يقوم به التحالف العربي في اليمن بالعدوان؟ وعقب دعوته هذه اندلعت حرب خاطفة في اليمن، تقدمت فيها قوات صالح قليلا في صنعاء، وصاحبها كثير من الكلام في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، عن انتفاضة من قوات صالح والمؤتمر الشعبي العام مدعومة بطيران التحالف لاستعادة صنعاء واليمن الشمالي من سيطرة مليشيات الحوثي، وتهاطلت الأخبار والتغريدات عن قرب نهاية الحوثيين ومشروعهم في اليمن، لكن ما هي إلا ساعات حتى استعاد الزيديون المبادرة وسيطروا على صنعاء، وعاد صالح لينقلب على نفسه وعلى تصريحاته، ويقول أن كلامه فهم خطأ؟

بخضم الأخبار المتواترة عن مقتل صالح ببيته، أو بموكبه الهارب صوب مأرب، خرج زعيم جماعة الحوثي، يعلم انتصار الشعب اليمني على المؤامرة التي استهدفت استقراره ووحدته، ويعلن فشل دول الحصار والعدوان
بخضم الأخبار المتواترة عن مقتل صالح ببيته، أو بموكبه الهارب صوب مأرب، خرج زعيم جماعة الحوثي، يعلم انتصار الشعب اليمني على المؤامرة التي استهدفت استقراره ووحدته، ويعلن فشل دول الحصار والعدوان

ومرت ساعات من الضبابية والتداخل والغموض حول من يسيطر على صنعاء، وعن حقيقة ما يجري، وعن تدخل قوات التحالف وطائراته لدعم موقف صالح؟ وتضاربت الأخبار عن طلب صالح من إيران وحزب الله التوسط مع جماعة الحوثي لعودة المياه إلى مجاريها؟

ولم نفهم شيئا مما يدور؟ حتى انزاح ذلك الضباب عن جثة علي عبد الله صالح محمولة في بطانية تتقاذفها أيدي عناصر مليشيا الحوثي! ومرت الدقائق الأولى وكأن الخبر مزحة، أو إشاعة من تلك التي تكثر في مثل هذا الجو، غير أن توارد تلك الصور عبر وسائل الإعلام العالمية أكد الخبر، وجعلنا مباشرة نعود لمشهد قتل القذافي!

من قتل صالح؟ وكيف؟ وفي خضم الأخبار المتواترة عن مقتله في بيته، أو في موكبه الهارب صوب مأرب، خرج زعيم جماعة الحوثي، يعلم انتصار الشعب اليمني على المؤامرة التي استهدفت استقراره ووحدته، ويعلن فشل دول الحصار والعدوان، ويشير لدور الإمارات فيما جرى، وأنها هي من أوصلت صالح لهذه لنهاية؟

وبدأ هذا الكلام وكل ما دار خلال الأيام الأخيرة يبعث بكثير من الأسئلة؟ وينتج الكثير من الكلام؟ هل ورطت السعودية والإمارات صالح في انقلاب فاشل ضد حلفائه؟ هل تعرض لخيانة من مقربيه؟ هل انتقمت السعودية من صالح على ما قام به من تسريب خطير فعقدت معه اتفاقا لدعمه مقابل انسحابه من حلف الحوثي ثم تخلت عنه وتركته يواجه مصيره، ويلقى حتفه على يد حلفائه حتى يبدوا هذا تطورا طبيعيا؟ هل قتل في إطلاق نار عرضي عند هروبه؟ هل أعدم ميدانيا؟ ولماذا بتلك السرعة؟ هل قتل في بيته مدافعا عن نفسه ضد الحوثيين وأخذ لذلك المكان ليظهر وكأنه كان هاربا بجبن؟ كل هذه الأسئلة وأكثر، وستبدي الأيام الأخرى مزيدا من التفاصيل عما حصل، وربما ستنتهي حكاية الصندوق الأسود لليمن كما انتهت حكاية الصندوق الأسود لليبيا بلا إجابات؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.