شعار قسم مدونات

لماذا لم تكن ثوراتنا مجدية!؟

Blogs- syria flag

دعونا نتفق بدايةً على أن أي نظام حاكم في العالم سيدافع عن وجوده في الحكم ما إن شعر بأن بساط الملك سيسحب من تحته، ومن الطبيعي أن يتبع أذكى الطرق لمحاولة بقائه في الحكم، وتختلف هذه الطرق من دولة لدولة ومن نظامٍ لأخر، ففي الدول الديمقراطية التي تحترم نفسها، حين تنتهي ولاية رئيس أو حزب حاكم، يحاول أن يبقى في الحكم بطريقة شرعية من خلال إعادة ترشحه لدورة جديدة، فإذ فاز في الانتخابات بقي في الحكم، وإذا خسر ترك الحكم لغيره ليتابع مسيرته التي بدأها في خدمة شعبه.

 
أما في الدول الدكتاتورية فإن الحاكم إذا شعر بأي تهديد فإنه يتبع كل الوسائل المتاحة لإخماد هذا التهديد وإبقاء مقاليد الحكم بين يديه، وغالباً ما تكون هذه التهديدات على شكل انقلابات عسكرية أو حركات تغيير أو ثورات شعبية وهذا ما حصل في البلدان العربية من ثورات شعبية ضد الأنظمة الجاثمة على صدور الشعب منذ عشرات السنين. وما لاحظناه خلال هذه الثورات أنها سرعان ما تنحرف عن مسارها التي بدأت لأجله تحت أدنى ضغط لتدخل في متاهات لا تستطيع أن تخرج منها.
إنَّ السلاح الفتاك الذي يهدد أي ثورة شعبية ليس طيران الميغ وصواريخ السكود، إنما ذكاء النظام الحاكم، وهشاشة قوام الجماهير، ومن خلال هذا السلاح يستطيع النظام الحاكم أن يقلب أي ثورة شعبية إلى جحيم مقيم.
 
الثورة الشعبية عملية جراحية خطيرة تحتاج لفريق طبي خبير يشرف عليها، فإن تمت هذه العملية وفق الخطة المُعدَّة لها وتحت العناية الفائقة والدقيقة وتمت متابعة مراحل العمل الجراحي خطوة بخطوة، فسوف تكون النتائج المتوقعة جيدة، وما إن تصرَّف أي طبيب خارج الخطة المعدة وبدون تنسيق مع باقي الأطباء فإن العمل يصبح أصعب ويبدأ العمل الجراحي ينحرف عن مساره ليأخذ منحى خطير قد يودي بحياة صاحبه.

 
الثورة الشعبية تحتاج لتنظيم فائق كي تستطيع أن تخترق العقبات التي تحيط بها وتصل إلى الهدف البعيد الذي انطلقت لأجله، إن الانظمة الحاكمة التسلطية التي تتربع على كرسي الحكم منذ عشرات السنين من السهل عليها أن تفشل الثورات الشعبية لأنها تضع نظام طوارئ لمثل هذه الحركات الاحتجاجية أو الثورات الشعبية، لقد عمل نظام الأسد منذ أن استلم الحكم في سوريا على بناء نظام عسكري وأمني متين ليس لمحاربة اسرائيل كما يدعي بل لمحاربة ووأد أي حركة تغيير يقوم بها الشعب، فالسلاح المكدس منذ أربعين سنة لم تكون فوهاته موجهة نحو الجولان إنما كانت موجهة نحو كل شبر أرض من الأراضي السورية التي لم تسلم من نيران المدافع الصديقة.
 

انجاح الثورة لا يقاس أبداً بأعداد المتظاهرين وحجم المليونيات التي تخرج فهذا كله بدون ذكاء وبُعد نظر وتوجُّه صحيح كزبد البحر يذهب مع هبوب الريح
انجاح الثورة لا يقاس أبداً بأعداد المتظاهرين وحجم المليونيات التي تخرج فهذا كله بدون ذكاء وبُعد نظر وتوجُّه صحيح كزبد البحر يذهب مع هبوب الريح
 

إذاً ما ينبغي علينا أن نضعه بالحسبان أن ثورات التغيير التي تقام ضد هذه الأنظمة هي عمل لا يمكن أن يكون سهل، والإقدام علية دون وعي عميق وتجهيز دقيق يكاد يكون لعبٌ بالنار ومع أي خطأ تحرق صاحبها، وأهم ما في الثورات الشعبية هو إعداد العدة ونشر الوعي بين الناس وتجهيز نخبة منهم لقيادة الثورة حين انطلاقها، وهذه الترتيبات تكون بشكل سري قبل أن تنطلق الثورة، ونحن نعلم ما مدى صعوبة مثل هذا العمل في ظل نظام شمولي قمعي، لكن كما يقول المثل الشهير "قبل البداية خطط بعناية" فالتخطيط ووضع خارطة طريق وأهداف واضحة للثورة جزء أساسي لا يتجزأ عن الثورة بحد ذاتها.

 

لكن ما يحصل غالبا ً أن الثورات الشعبية تخرج كردة فعل على الضغط والظلم الكبيرين المطبقين على الشعوب وغالباَ ما تكون ردة الفعل هذه عشوائية وغير منظمة لذلك يتم استغلالها من قبل الأنظمة القمعية والدول الرديفة لتقاد بسهولة نحو الفخ، فلو لاحظنا خطاب بشار الأسد الأول بعد اندلاع الثورة للمسنا أنه قد أعلن بشكل صريح عن خطته التي اتبعها لمحاربة الثورة، لقد قال بصريح العبارة إذا أردتُّموها حرب فنحن لها، وفي ذلك الوقت كانت المظاهرات سلمية ولا يوجد شيء يدعوا لاستخدام كلمة حرب، إن استخدام هذه العبارة كان مدروساً بعناية لأنَّ جر الثورة للتسلح وحرفها عن مسارها كان من أولويات الإجراءات لمواجهة الثورة، لأنهم يعلمون جيداً أن السلاح يحتاج لدعم كبير ولن يقوى الثوار على تحمل أعباءه الثقيلة بعد أن ينفد السلاح الذي تم اغتنامه من النظام، وحينها ستمد القوى الدولية يد المساعدة للثوار لتسيطر عليهم وتسلب إرادتهم الحرة.

  
وفي نفس الخطاب اتهم المتظاهرين بأنهم جماعات إرهابية، وهذا الكلام حينها لم يكن مقنعاً لأحد حتى للنظام نفسه لكنه كان يكذب عن قصد وهذا الكذب الذي كنا نستهزئ به كان منهج عمل فهو يعلم جيداً أنه سيعمل على خلق هذه الجماعات بالمستقبل، بمثابة عدو حقيقي له وللعالم، ليشوه واقع الثورة ويضربها بيدٍ من حديد.
 
إذاً فالموضوع لا يقاس أبداً بأعداد المتظاهرين وحجم المليونيات التي تخرج فهذا كله بدون ذكاء وبُعد نظر وتوجُّه صحيح كزبد البحر يذهب مع هبوب الريح، إنَّ القائد له الدور الأساسي في التفكير والتخطيط وقيادة الجماهير نحو الأفعال المجدية لأنَّ وظيفة الجماهير الأساسية في الثورات ليست التفكير والتخطيط إنما هي الضغط، وما لم يكن هذا الضغط موجه في المكان الصحيح سيضيع هباءً منثوراً.
 
الثورة المجدية التي تحقق ما بدأت لأجله يجب أن تكون ثورة لها قيادة موحدة وبرنامج عمل ولها أهداف ثابتة لا تتغير من يوم لأخر مع تغير المرحلة كي لا تغرق في التفاصيل، الثورة المجدية تحتاج لقائد ذي خبرة أكثر من حاجتها إلى المليونيات، القائد النافع للثورات هو القائد ذو النظرة البعيدة المتروية الحكيمة، الذي يتمتع بفن مخاطبة الجماهير والتأثير بهم للسيطرة على تصرفاتهم وضبطها كي تبقى على الخط الصحيح المرسوم بعناية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.