شعار قسم مدونات

حارب سنوات ومات في يوم

Blogs- علي عبدالله

علي عبد الله صالح، هذا الرئيس الذي حارب ملوك الخليج وتحدى جبروت سطوتهم وجاههم، هذا الرئيس الذي رفض مغادرة كرسي الحكم وأبى إلا أن يضطهد شعبه بالرغم من تزامن ثورة اليمنيين مع ثورة المصريين والليبيين وشعوب العالم العربي، علي عبد الله صالح لم يكن ذكيا ليستوعب نتائج ما نال رؤساء العالم العربي جراء ثورات الربيع العربي وأبى ألا أن يظل جالسا على كرسي الرئاسة اليمنية وهو يتهالك من تحته.

 

وبالرغم من وصول الأمور إلى محاولة اغتياله في تفجير مسجد الرئاسة واصابته بجروح اجبرته على البقاء في سرير الفراش للعلاج ببلاد الحرمين عندما فر لها مثلما فر زين العابدين التونسي وقيل ما قيل حينها من أنهما يتسامرا معا وهما الرئيسين اللذان فرا من غضب شعوبهما الثائرة، إلا أن عبد الله صالح لم يستسلم وعاد بعد شهور إلى صنعاء بعد أن أرسل في المدائن أنه عائد لكرسي الرئاسة الذي ناله دود الانقسام وتلطخ بدماء شهداء ثورة اليمن العريق، عاد وقد منى نفسه الأماني بأن يبقى هو الاله الأوحد لبلاد اليمن السعيد.

 

اليمن الذي ناله ما ناله من ويلات منذ سنة 1978 تحت الحكم الراشد لعلي عبد الله صالح الذي ظل يعد الجيوش لغزو مدن اليمن واثبات جبروته من أجل الإبقاء على ركيزة حكمه. تعاقبت العقود وانتهى القرن القديم وجاء القرن الجديد وتوالت معه العقود وصالح لا زال جالسا على كرسي الملك الأوحد لليمن الموحد ظاهرا، توحد ظل يظهر انقسامه في كل انتكاسة اجتماعية أو اقتصادية تعصف بأرض النبي هود وجنة عدن ومملكة الملكة بلقيس، والخاسر دائم هو اليمني الذي كان ولا زال يبتسم في وجه العدسة ويبكي بحرقة عندما يأتي ظلام الليل ومعه تأتي غمائم الذل والهوان.

 
صالح الذي لم يقتنع بفكرة انتهاء عهده ووجوب التخلي عن شخصه وظل يمني نفسه الأماني واستغل الفرصة وتحالف مع الشيطان الأكبر في اليمن المسلم، الحوثي وصالح يجلسان جنبا إلى جنب من أجل اسقاط الشرعية اليمنية وتكميم صوت الشعب اليمني، صالح الذي قاتل وقتل وشرد الحوثيين في صعدة قبل عدة سنوات، يقف إلى جانبهم ويسميهم بكل مسميات الشرف والعزة والوطنية، وانقلب صالح على من أواه عندما تشوه وجهه واسودت ملامحه من سوء صنيعه مع شعبه، لم يؤمن صالح بشيء يوما إلا بأنه هو الصالح لرئاسة اليمن وأن سواه طالح لا يصلح لكرسي الملك.

  

بقي صالح مؤمنا أن قصره الشامخ سيكون حصنه المنيع في حالة الخسارة، كيف لا وهو القصر الذي ما طالته رادارات طائرات التحالف وما وصلت له قذائف كتائب الشرعية
بقي صالح مؤمنا أن قصره الشامخ سيكون حصنه المنيع في حالة الخسارة، كيف لا وهو القصر الذي ما طالته رادارات طائرات التحالف وما وصلت له قذائف كتائب الشرعية
 

وتوالت الأيام والتحالف العربي يدمر أرض اليمن من السماء وصالح والحوثي يعيثان فسادا في البر والبحر والعالم الدولي يتفرج على الطفل اليمني وهو يموت جوعا وعلى المرأة اليمنية وهي تغتصب جورا وعلى الشاب اليمني وهو يقتل زورا وبهتانا، وصالح لا زال يخرج في كل يوم إلى أنصاره وهو يشدوا بكل عبارات النصر ويؤكد أن تكنولوجيا وتقنية آل سعود ونهيان لن تصلا له ولو بعد عشر سنين وهو ما زاد من عنفوان أنصاره الذين شاهدوا جحيم طائرات التحالف تأكل كل بيوت صنعاء وتقصفها وتدمرها وتخطأ أهدافها في قصر ربهم الأعلى، الذي ظل شامخا وكأنه مسجد ظل واقفا بين ركام مدينة هدها زلزال غاضب.

 
وقبل أيام سئم صالح من تحالفه مع الحوثي الذي امتلك عشرين فتا يصولون ويجولون في أزقة صنعاء يستبيحون الدماء والأعراض، فقام الملك العظيم وسحب سيف غضبه وأعلن النفير ضد حليف الأمس، كيف لا وهو الذي لن تستطيع قوة السلاح السعودي والإماراتي وحلفائهما من النيل منه فكيف سينال منه غر مثل الحوثي الذي كان قبل مدة يختبأ في كهوف صعدة، ولكن هيهات هيهات فقد مر أقل من أسبوع فقط حتى وجد صالح نفسه هو الذي يفر وجنوده من همجية الحوثي وفتيانه حديثي السن، وجد صالح نفسه وهو الشيخ الذي أعيته السنوات في مواجهة فتى أخذته العزة بالاثم.

 
وبقي صالح مؤمنا أن قصره الشامخ سيكون حصنه المنيع في حالة الخسارة، كيف لا وهو القصر الذي ما طالته رادارات طائرات التحالف وما وصلت له قذائف كتائب الشرعية فكيف برعاع الحوثي أن تدنو منه. ولكن واقع الحال قال عكس ذلك ولم يستدعي الأمر سوى أن يرسل الحوثي فرقة من بضع فتيان فجاسوا بالقصر والديار ليهدونه فوق رأس صالح الذي فج وبان مخه وهو جثة تتلاعب بها أيادي الذي يكبرون ويصدحون بعبارة "الموت لإسرائيل" وما هم بقاتليها أنما يقتلون أنفسهم بسيوفهم ويقتلون إسرائيل بألسنتهم.

  
صالح الذي حارب ملوك الخليج العرب سنوات وقتله إيران في يوم، وهو الذي حارب لسنوات ومات في فجر يوم، ترى فيما فكر وهو يفارق الحياة! أتراه كان لا زال يمني نفسه بكرسي يجلس عليه وميكروفون يضعه في فمه وخطبة يلقيها أمام أنصاره، أم تراه ظن أن انهيار سقف القصر لا يعدو أن يكون تجربة ثانية لسقوط سقف مسجد الرئاسة قبل سنوات، وأن كان فكر بذلك فهل فكر إلى أين سيذهب ليعالج إصابته هذه المرة! هل إلى السعودية التي أعلنت الحرب عليه وما استطاعت النيل منه!

  

أم إلى إيران التي خانها! ام تراه يفر إلى دول الغرب الكافر الذي كان ينادي في كل مرة أنه هو قاتله وهل علم صالح أن من قتله هو حليف الأمس وليس عدو اليوم، غريبة هذه الحياة وغريبة حياة الرؤساء والأغرب نهايتهم، قبل سنوات كان القذافي الذي نكل به حيا وميتا واليوم صالح الذي لعب به حيا وميتا، حيا عندما تحالف مع الشيطان وميتا عندما لعبت به أطفال الشيطان، ألا يا يمن من يوم نراك فيه سعيدا… فقد طال حزنك وغاب حزمك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.