شعار قسم مدونات

رسالة إلى أخي المعتقل

Blogs- prison

رسالة إلى أخي المعتقل.. كيف حالك يا أخي الغالي؟ هل ما زلت تذكرنا؟ هل ما زال لديك ذكريات عن بيتنا؟

عن وجه أمي الحزين، وعيناها اللتان لم تنشف دموعهما إلى اليوم، عن وجه أبي الشاحب، ولحيته البيضاء، التي تتحدث عن قهر سبع سنوات مضيت أنت فيها.عن إخوانك الشباب والبنات، يااااااه كم هو مؤلم غيابك. وعن ابنتك التي أتت لهذه الحياة بعد اعتقالك بشهور. وعن أخيك الذي زهد من بعدك الحياة، أخي هل تتذكر شي مما مضى؟!

 
سأقول لك ما الذي تغير، أنت الآن مغيب، معتقل أو ربما شهيد، لكن أمل أمي برجعتك ينفي أنك شهيد، لا يهم ما يتداوله الناس من أخبار بالنسبة لأمك، ففي قلوب الامهات ليس هناك مفهوم يوازي مفاهيم الأمل بعودتك ولو انتهى كل شي وتحررت أو احتلت سوريا، ونسي المسؤولين المطالبة بحقوقك أنت ومن معك، لا تحزن وقل للرفاق أمهاتنا مازلن ينتظرن قدومنا. أخي كل شيء أصبح باهت في غيابكم، لكن هل تعلم مازال الكثيرين يعملون ويكسبون ويترزقون، لا تقلق لم يتغير شيء بالنسبة لهم كل مرحلة ولها قطار وركاب. أخيرا يا أخي إن عدت وأنت فاقدٌ للذاكرة لا تحزن لم يفتك الكثير.

 

لكن إياك أن تنس وجه أمي ودموعها وسهرها ليال طويلة تنتظرك لتفتح الباب وتقبل قدميك وتراك بعد كل هذا الغياب القسري التعسفي، وترى في عينيك الشاحبتين كل ألم تجرعته وكل رعب عشته وترى في جسدك الهزيل معاناتك منذ بدايتها إلى الأن أخي لم تغب عن ذاكرتنا ولو للحظه، فأنت يا أخي تأكل معنا وتشرب معنا وتعيش معنا في ذاكرتنا وفي قلوبنا نعم يا أخي أنت الشهيد الحي الذي نفتخر به وننتظر عودته بفارغ الصبر، الأمل الوحيد الذي نحيا به هو أملنا بأن نراك ونسمع صوتك العذب يتعالا بأرجاء منزلنا وتتعالى معه ضحكات امي وفرحة ابنتك هل أحدثك عن ابنتك الجميلة يا أخي نعم إنها جميلة ورقيقة إنها تشبهك في شكلها وتصرفاتها عدا عن ذلك إنها تتحدث معك في نومها لتصحو وتحدثنا عن أحلامها الطفولية البريئة وهي أنك عائد إليها وتحمل لها الكثير من الهدايا والشكولاتة.

 

كان الله بعونكم على ما تعيشونه من قلق وخوف وترقب وكل منكم ألمه أكبر من الآخر. ولكن إن كان للمعتقل آلام جسدية فذويه لهم آلامهم النفسية
كان الله بعونكم على ما تعيشونه من قلق وخوف وترقب وكل منكم ألمه أكبر من الآخر. ولكن إن كان للمعتقل آلام جسدية فذويه لهم آلامهم النفسية
  

نبتسم ونفرح لسماع ذلك منها لأن طفولتها تجعلها لا تعلم ما الحال الذي انت به الأن في كل يوم تقول كلمة بابا ما يزيد عن عدد انفاسها أنا أعلم انها لم ترك ولا لمرة واحدة ولكن هذا دليل أنك بيننا وذكراك لا تفارقنا حتى تشتاق ابنتك إليك كل هذا الاشتياق، أخي الحبيب كتبت لك هذه الحرف بحرقة في قلبي وألم يعتري صدري وعندما ازور احد المعتقلين الذين من الله عليهم بخروجهم من هذا الظلم الكبير ويروي لي ما يحدث هناك تتصور في مخيلتي أنت ويرهقني التفكير بأنك تتألم وتضرب، وأود لو أنني أستطيع أن أقف جانبك لأخفف عنك مآسي الاعتقال وأخفف عنك وحشتك في هذه الزنازين الحاقدة الفاسدة نعم أخي أعلم الكثير مما تمرون به وأعلم أنكم تعانون الأمرين في كل يوم تقضونه.

 

أعلم وأسمع عن الأساليب الوحشية التي يقوم بها طغمة من المخلوقات اللاإنسانية وأساليب التعذيب الذي يقومون بها من الشبح إلى الضرب ثم الحرق والسلخ ولكل منها آلام لا تنتهي. ماذا سيكون شعور رجل أو امرأة معلقين من أيديهم إلى الأسقف مشبوحين فترات طويلة قد تصل إلى أسابيع ناهيك عن الضرب المبرح الذي يتقطع قلبي ألما عندما يخطر في بالي أنك تتذوق ألمه كل يوم. كان الله بعونكم على ما تعيشونه من قلق وخوف وترقب وكل منكم ألمه أكبر من الآخر. ولكن إن كان للمعتقل آلام جسدية فذويه لهم آلامهم النفسية والتي قد تكون بدورها يعادل ألف الم جسدي .

 
تدور الأيام والليالي وأنتم لا تعملون ما يجري خارج هذه القضبان ولا تعرفون الليل من النهار يمنع عليكم الكلام ويمنع عليكم النوم والراحة طعامكم لا يسمن ولا يغني من جوع يقرصكم برد الشتاء بثيابكم الرقيقة البالية وتنهمر عليكم امطار السماء لتتسلل إلى أحلامكم وتيقظكم وهي الأحلام الوحيدة التي تستطيعون العيش فيها بحرية داخل هذه الزنازين. أخي الغالي ستبقى دوما شعلة لا تنطفئ للعطاء والمحبة وستبقى انت وجميع المعتقلين والمغيبين قسريا المنسيين منارة تضيء دربنا المعتم وستبقى دعوات أمي في آخر الليل سكينة وضياء لك ولنا فأدعو الله ان يفك أسر كل اسير ويعود إلى أهله سالما وتعود ضحكات الحب لأمهاتهم وأهلهم وان تعود لنا يا أخي لأننا والله اشتقنا لك وننتظر لحظة لقائنا بك بفارغ الصبر. لك من أمنا دعوة ومن أبينا دمعة ومن أبنتك قبلة تزرعها على خدك لتشعر بوجودها دائما معك وأنك معها

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.