شعار قسم مدونات

من الذي يهين القضاء؟

blogs ماهينور المصري

لا أذكر متى ولماذا حكت لي الجميلة ماهينور هذه الحكاية، أظن ذلك بعد خروجها من الحبسة الثانية، في أغسطس 2016. الأرجح أننا كنا نتحدث عن تضحية الأمهات، فحكت لي أنها لم تقض ليلة رأس السنة مع والدتها منذ سنين. حين سألتها عن السبب، ذكرت أسبابا مختلفة تراوحت بين كونها في السجن، أو انشغالها بمتابعة معتقلين في الأقسام، أو قضايا في محاكم القاهرة. على ما أذكر، حكت لي عن مصادفة غريبة منعتها بشكل عجيب من قضاء ليلة رأس السنة مع أسرتها، أظن بسبب ملابسات عودتها من جلسات محكمة بالقاهرة. تمنيت لها أن تعوض ذلك في رأس السنة القادمة، لكنها سوف تقضيها هذه المرة في السجن.

 

حكمت المحكمة على ماهينور المصري ومعتصم مدحت بالحبس سنتين يوم السبت 30 ديسمبر، وحكمت على وليد العماري وأسماء نعيم وزياد أبو الفضل بثلاث سنوات غيابيا، لماذا إذن؟ لأنهم متهمون بهذه التهم: التظاهر بدون تصريح، التجمهر، البلطجة، إهانة رئيس الجمهورية. طبقا لمحضر التحريات الذي قدمته الشرطة، اشترك المتهمون في تظاهرة مؤلفة من أكثر من عشرة أشخاص بدائرة قسم شرطة المنشية، غير أن محضر ضبط المتهمين أفاد بأن التظاهرة وقعت في دائرة قسم المنتزه. هي تظاهرة واحدة فكيف اطمأنت المحكمة إلى وقوعها في وقت واحد بموقعين متباعدين؟

 

كما اتهمتهم النيابة بالبلطجة عن طريق اتهامهم بحمل السلاح، مع أن ضابط المباحث شهد بعدم وجود سلاح مع المتظاهرين، كما لم تقدم أوراق القضية أي أشخاص أو جهات باعتبارهم مجنيا عليهم أو على ممتلكاتهم، أو تم ترويعهم، أو منعهم من أداء عملهم. معنى ذلك أن ماهينور ورفاقها مارسوا بلطجة في الفراغ، بلطجة على كائنات غير مرئية.

 

لا أدري حقيقة كيف نطقت هيئة المحكمة
لا أدري حقيقة كيف نطقت هيئة المحكمة "بما وقر في ضميرها" وهي تحكم على ماهينور ورفاقها بضياع سنوات كاملة من أعمارهم في قضية كهذه
 

ويستمر العبث.. زعم الضابط أن المتظاهرين قطعوا الطريق وعطلوا المواصلات، فوجهت النيابة سؤالا لهيئة النقل العام عن ورود أية بلاغات بتعطيل حركة المرور في يوم الواقعة، وأجابت الهيئة بعدم حدوث أي تعطيل لطريق جمال عبد الناصر في هذا التوقيت، أيضا أفاد قسم المنتزه نفسه بأنه لم يتلق أي بلاغ عن تعطيل شارع جمال عبد الناصر، محل الواقعة. وحين سألت النيابة الضابط نفسه بعد أقل من 12 ساعة من حدوثها أجاب بأنه لا يتذكر، وطلب الاطلاع على المحضر الذي كتبه بنفسه في الليلة السابقة مباشرة، هذا الضابط هو الشاهد الوحيد على الواقعة!

 

في جلسات المحاكمات التي حضرتها، كنت أسمع دائما جملا بليغة تحرص هيئات المحاكم المصرية على النطق بها أثناء الحكم على متهمين، من قبيل: "وقر في ضمير المحكمة أن المتهم قد اقترف جريمة كذا.."، أو "ثبت للمحكمة بالدليل القاطع أن المتهمين..". هذه الجمل عريقة لدى القضاء المصري، لكني لا أدري حقيقة كيف نطقت هيئة المحكمة بشيء منها وهي تحكم على ماهينور ورفاقها بضياع سنوات كاملة من أعمارهم في قضية كهذه.

 

الأغرب من ذلك أنه حُكم في اليوم ذاته على مجموعة كبيرة من المتهمين في قضية مشهورة باسم إهانة القضاء، تراوحت أحكامها بين غرامات بالملايين والسجن ثلاث سنوات لكهل كالمستشار الخضيري، الذي سُجن ثلاث سنوات في قضية عبثية اتهم فيها بتعذيب محام في ميدان التحرير، وهو القاضي المسن الذي يرى بصعوبة بالغة. حين قضى السنوات الثلاث، لم يُفرج عنه، بل اعتبره القضاء المصري محبوسا على ذمة قضية إهانة القضاء، فنال عنها ثلاث سنوات أخرى والرجل في أمس الحاجة للخروج من السجن حتى يحافظ على البقية الباقية من صحته..

 

حُكم على هؤلاء بهذه الأحكام بتهمة "إهانة القضاء"! سنة أخرى ستبدأ دون أن تجتمع ماهينور مع والدتها، ودون أن يحضن الخضيري أبناءه وأحفاده، ودون أن يرى عشرات الآلاف من السجناء أحبابهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

روابط:

لمزيد من التفاصيل عن قضية ماهينور المصري ورفاقها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.