شعار قسم مدونات

بداية عام جديد "لنفسك عليك حقا"

Blogs- new
"لنفسك عليك حق" ذلك الحق الضائع في زحمة الحياة المتسارعة وكثرة متطلبات الحياة التي ترهق الكاهل في زمن أقل ما يوصف به أنه مضمار سباق للسيارات شروطه أنه لا ينتهي ولا يتوقف إلا بخروج السيارة من مضمار السباق بكامل إرادة سائقها، أو انقلابها وتعثرها دون أن تجد من يعدلها ويضعها على الطريق من جديد، ودون أن يحاول سائقها إيجاد كل السبل الممكنة لإرجاعها، أو بالوصول الى خط النهاية في هذا الطريق الطويل، الذي لا ينتهي إلا بالوصول الى نهايته راضيا بما حققه أو ساخطا، فلا يهم.. فقد وصل إلى النهاية الحتمية لهذا المضمار. إن الحياة كذلك، مضمار سباق، يتسابق فيه الناس إلى حيث يريدون، وحيث يجدون أنفسهم، يتسلح كل واحد منهم بما يراه مناسبا للوصول إلى خط النهاية راضيا بما حققه.
 
نهايةُ حياة الانسان محتومة، فلا أحد مخلّد، وكلنا في هذه الحياة نسعى إلى أن نصل إلى نهاية الحياة وقد نلنا من الرضى والنجاحات ما يجعلنا نقول "رضينا يا الله"، ولكن الطريق طويل! والحياة صعبة!والآلام كثيرة! وقدرة الانسان على التحمل قد تصل الى منتهاها فلا يعود يحتمل المزيد من الضغوط! فما السبيل إلى مواصلة الطريق الذي يراه الإنسان مناسبا له؟ يمكن تلخيص الإجابة عن هذه الأسئلة  في "توافر الزاد" الذي يعين على مواصلة الطريق، كالوقود الذي يزود به السائق سيارته لمواصلة طريقه.
 
ولكن أي زاد؟ ما الأمور التي يمكن أن نستعين بها في طريق تحقيق إنجازاتنا وتجاوز آلامنا ومواصلة السعي بعد الإحباطات المتكررة؟ أي زاد ذلك الذي يمنح الإنسانَ القوة والقدرة على أن يواصل نشر أفكاره ومبادئه في زمن لا يعترف كثيرا بذلك؟ أي زاد ذلك الذي يستعين به الإنسان في دنياه لكي يستطيع أن يرى النور في نهاية طريقه؟ وأن يستطيع من خلاله أن يواصل التفكير في الحاضر والمستقبل دون الالتفات كثيرا إلى الماضي بتفاصيله ولكن بآثاره التي يجب تجاوزها والتعلم منها؟ هذا الزاد قد يكون واحدا من الأمور التالية، وكلها تعتمد على المبدأ الرئيسي "لنفسك عليك حقا!"
 

اجعل في خطتك للعام المقبل فترات للتسلية وفترات للترفيه ليس لها هدف إلا أن تكون مع ذاتك ونفسك لتجدد النشاط والحيوية
اجعل في خطتك للعام المقبل فترات للتسلية وفترات للترفيه ليس لها هدف إلا أن تكون مع ذاتك ونفسك لتجدد النشاط والحيوية
 

لا تمت قبل أوانك

لا تكن مثل سائق السيارة الذي تعب من طول الطريق وعدم تحديد الوجهة التي يريد السير فيها! لا تكن مثل هذا السائق الذي دخل في طريق وعر مليء بالمطبات والعقبات فظن أن ليس لهذا الطريق الوعر نهاية! فاختار أن يخرج من سباق الحياة بكامل إرادته دون أن يلتفت إلى أي شيء. لا تكن مثله! لا تكن مثله تحكم على نفسك بالموت المبكر، وهنا أقصد "موت الروح"، فهي أشد وأعظم على النفس من موت الجسد على الإنسان نفسه، وعلى محيطه، فهو يرى نفسه بلا فائدة، والمحيطون به يرونه ميتا حتى لو كان يتشارك معهم كل شيء في الحياة.
 
افعل كل شيء تستطيعه لتجدد روحك وتسعد نفسك، وتذكر "لنفسك عليك حقا". طريق الإنجاز طويل، والأهداف كثيرة، والعيش في هذه الحياة الصعبة يحتاج إلى طول نفَس وصبر إيجابي، وهذا لا يكون إلا إذا كانت نفسك من الأولويات التي تضعها في خطة عامك المقبل. فما أكثر الخطط المليئة بالطموحات ولكنها خالية من أي شيء يعيد للنفس اتزانها.
 
اجعل في خطتك للعام المقبل فترات للتسلية وفترات للترفيه ليس لها هدف إلا أن تكون مع ذاتك ونفسك لتجدد النشاط والحيوية، فالنفس تتعب وتحتاج إلى من يدللها، فكن لنفسك ذلك. وأهم ما يمكن أن تفعله في هذا الجانب هو ألا تجلد نفسك عند كل إخفاق أو "فشل".. إياك أن تنتقد نفسك لتصل بها الى جلد الذات، فهذا مما يهلك النفس ويُميتها. واياك أن تفقد "شغفك" بالحياة مع طول الطريق فتموت روحك ولا تستطيع بعد ذلك أن تواصل الطريق، فطموحاتك وأحلامك بعد السعي والإصرار عليها هي محققة في الدنيا إن أراد الله لها التحقق، فهو الأعلم بما يناسبك، ولكننا قوم مستعجلون.
    

لا تعتزل الحياة، ولكن اجعل لنفسك في العام المقبل صُحبة مقربة تتشارك معها تطلعاتك المستقبلية
لا تعتزل الحياة، ولكن اجعل لنفسك في العام المقبل صُحبة مقربة تتشارك معها تطلعاتك المستقبلية
 

الصُحبة

لا تلتفت كثيرا إلى أولئك الذين يقولون إن في العزلة عن المحيطين فائدة، قد يكونون على صواب في العزلة لفترة قصيرة لتستعيد فيها روحك كما أشرنا سابقا، ولكنّ استمرار هذه العزلة نوع من أنواع الهروب من مواجهة الحياة، كسائق السيارة الذي يعرف حاجة سيارته إلى الوقود ولكنه لا يملؤها لأنه قرر الهروب من مضمار السباق.
 
لا تعتزل الحياة، بل اجعل لنفسك في العام المقبل صُحبة مقربة تتشارك معها تطلعاتك المستقبلية، وتستنجد بها إذا خنقتك الكلمات فلم تعد تستطيع التحدث. قد تكون هذه الصحبة هم أصدقاؤك، أو أقرباؤك، أو زملاؤك في العمل أو الدراسة، أو حتى ربما أبوك وأمك أو زوجتك أو حتى ابناؤك، وقد يكونون جميعهم، المهم أن يكون لديك من تستطيع مشاركته أحلامك وتطلعاتك وحزنك وفرحك وكلماتك غير المفهومة في لحظات الإحباط واليأس. ولا تقصّر في إيجادهم ان لم يكونوا موجودين في حياتك حتى الآن.
 

إن أكثر الخيبات والإحباطات التي نتعرض لها هي تلك التي تكون بسبب توقع نتيجة معينة نريدها ونحلم بها، فلا نصل إليها لأي سبب كان، فندخل في مرحلة من الإحباط واليأس
إن أكثر الخيبات والإحباطات التي نتعرض لها هي تلك التي تكون بسبب توقع نتيجة معينة نريدها ونحلم بها، فلا نصل إليها لأي سبب كان، فندخل في مرحلة من الإحباط واليأس
 

ركز على الجُهد وليس على النتيجة

لستَ مطالَبا وأنت تسير في حياتك بأن تضمن النتيجة لهذا السير، ولن تستطيع -ولو كنت تمتلك أقوى خطة شخصية لحياتك- أن تثق 100 في المائة بأن النتيجة التي وضعتها ستحصل عليها، وكن على يقين بأنك لن تتعرض في يوم من الأيام للمساءلة على النتيجة التي حققتها، ولكنك حتما مُساءل على الجُهد الذي تبذله في سبيل تحقيق ما تريد.
 

إن أكثر الخيبات والإحباطات التي نتعرض لها هي تلك التي تكون بسبب توقع نتيجة معينة نريدها ونحلم بها، فلا نصل إليها لأي سبب كان، فندخل في مرحلة من الإحباط واليأس بسبب ما لا نملك تغييره، وكان الأولى أن نركز على الجهد الذي بذلناه في الطريق وتحقيق الإنجازات، فهو ما يُبقي لنا الروح المتوهجة للمزيد من الإنجاز في هذه الحياة.. فطالما أن الإنسان يجتهد، فهو بالتأكيد إنسان حيّ سيصل إلى طريق النهاية في حياته راضيا عن الجهد الذي بذله، وليس ساخطا على النتيجة التي كان يحلم بها. لنجعل شعارَنا في العام المقبل "الجهد منا والتوفيق من الله"، فنحن مطالبون بالجهد واستمرار الجهد "وقل اعملوا"، أما النتيجة والأثر فهما تقدير الله لنا بما يناسبنا في هذه الحياة.
 
همسة أخيرة ندخل بها عامنا الجديد لأولئك الذين فقدوا عزيزا في هذه الحياة، وتوقفت حياتهم عن الدوران بسبب "الفقد"، وظنوا أن الحياة من بعدهم لا لون فيها. لأولئك الذين يدخلون العام الجديد وفي مخيلتهم ذكرى الفقد المرير الذي تعرضوا له: هوّنوا على قلوبكم، واسألوا الله الرحمة لمن فقدتموهم، ولو كان مطلوباً منكم الجهد في الماضي لأنفسكم ولأرواحكم، فتأكدوا أن الجهد منكم اليوم مطلوب لكم وللأرواح التي فقدتموها، فقد أطال الله في أعماركم لتسعوا إلى أن يستمر أثر أولئك الذين فارقونا، فلا تجعلوا الفقد مكابح توقفكم عن طريقكم، ولكن اجعلوه وقودا تستمدون منه القوة والعزيمة لكي تواصلوا طريقكم بكل الجهد حتى يقال من بعدكم "مرّوا، وهذا الأثر".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.