شعار قسم مدونات

أن تودع ديسمبر في فلسطين..

Blogs- فلسطين
ساعات قليلة تفصلنا عن توديع ديسمبر الحزين، أي توديع عام كامل مليء بالأحداث و التغيرات، عام حفر سطوة الأيام وغضب اللحظات ويأس الدقائق المتوقفة عن الدوران في قلوبنا المهترئة.. ديسمبر المعروف بشهر جرد الذكريات ومراجعة حساباتنا الذاتية والوقوف على العثرات والتجارب التي خضنا عُباب غمارها والتعلم من أحداثها.
  
من يطوي صفحات عام كامل في أجندة الحياة من أعمارنا؟ من يرحل بضجيج يسمع صداه من صمت أذانه. نعم، إنه عنفوان الذكريات واللحظات والآلام التي اجتمعت في اثني عشر شهراً. قد تختلف نظرتنا إلى هذا الشهر وهذا العام، لكننا متفقون على أنه الشهر الذي تتساقط فيه أوراق عام كامل ويمهد لصفحة ناصعة البياض من الحياة الجديدة.
  
أن تودع ديسمبر في فلسطين يعني أنه وداع مختلف عن كل السنين، أن تقف على أطلال القدس وتودع حجارتها ومآذنها وزيتونها وطيورها وكل ما تبقى منها؛ أن تودع عاماً نزف فيه قلبك ألما على من خذلوا مسرى رسول الله، أن تكره من قدّم القدس على طبق من ذهب هدية لنيل رضى رجل مجنون كترامب.. لكننا لن نهزم، فرجال ونساء وأطفال فلسطين ما زالوا على مساطب المسجد الأقصى وفي باحاته يتصدون بصدورهم العارية ودمائهم الطاهرة دفاعاً عن شرف أمة رضوا الذل والخنوع، وأدخلوا كل زناة الليل إلى حجرة القدس الطاهرة.
  
فليس توديع ديسمبر كتوديع كل الذكريات، فمن منا كفلسطينيين ستودع ذاكرته شجاعة الطفلة عهد التميمي؟ منا منا يمكن أن تغيب عن ناظريه صورة الطفل الشجاع فوزي الجنيدي، الذي قهر أسطورة "الجيش الذي لا يقهر"؟ طفل لم يتجاوز 14 عاما أرعب الجنود فاعتقلوه وأحاط به اكثر من عشرين جندياً وهو مكبل اليدين ومعصوب العينين .سنودع ديسمبر وقد رحل أسطورة العزيمة والثبات، سيبقى منتصف ديسمبر شاهداً على رحيل رجل الحياة والشجاعة الشاب المقعد وثائر غزة الشهيد إبراهيم أبو ثريا.. من ستغيب عن أذنيه كلمات أم الأسير الذي دافعت عن فلسطين وأبناء فلسطين وعن وطنها في وجه عضو الكنيست، أورن حزان، ولقنته درساً لن ينساه؟ من سينسى في نهاية هذا الشهر وهذا العام من بكوا حرقة وناموا على أبواب المسجد الأقصى، من انتصروا في معركة البوابات الإلكترونية، من تحدوا جيشا لوحدهم؟
  

لن نحزن على قدسنا ووطننا وتاريخ أجدادنا، فهناك جيل عرف معنى الحرية وحفظ التاريخ الذي ورثناه عن آبائنا وأجدادنا، وبات همه الأول تحرير فلسطين بكامل ترابها
لن نحزن على قدسنا ووطننا وتاريخ أجدادنا، فهناك جيل عرف معنى الحرية وحفظ التاريخ الذي ورثناه عن آبائنا وأجدادنا، وبات همه الأول تحرير فلسطين بكامل ترابها
 

صفحات طوتها الأيام، وتاريخ كتب بالدماء والتضحيات، ووداع مختلف لن ينسى ويمحى من الذاكرة، وقدس ستبقى فلسطينية عربية وستبقى عاصمتنا الأبدية، رغم كل الألاعيب التي تحاك في المنطقة لتهويد وطمس الهوية الفلسطينية، لكننا هنا وجذورنا باقية متأصلة وعهدنا كعهد التميمي، ألا نرضى بالذل والخنوع ونقاوم بحروفنا وأقلامنا، وليسمع العالم صوتنا بأننا أهل الحق.

  
الملف للنظر في نهاية هذا العام أن السياسات والأحداث المتسارعة والمتعاقبة التي تدور حول قضية القدس وفلسطين وبعض المخططات التي تُرسَم لفلسطين، وفي مقدمتها قضية نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس وتصويت 128 دولة لصالح فلسطين في الأمم المتحدة، وإقدام غواتيمالا على نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، دليل على أن الأموال هي التي تُحرّك أصحاب القرار، وأن المحرك الأساسي لـ"صفقة القرن" هو المصالح بين الدول والتقارب، المعتمدة على العطاءات المالية من أمريكيا وإسرائيل.
  
سنودع هذا العام ونحن نعرف مَن معنا ومن ضدنا في هذه اللعبة الكبيرة، مَن الصديق ومن العدو، من باعنا مقابل المال ومن تخلى عن المال مقابل عروبته.. وكما قال شاعر الثورة والوطن محمود درويش سقط القناع: عرب وأطاعوا رومهم، عربٌ وباعوا روحهم، عرب ٌوضاعوا.
 
ولكنْ لن نحزن على قدسنا ووطننا وتاريخ أجدادنا، فهناك جيل عرف معنى الحرية وحفظ التاريخ الذي ورثناه عن آبائنا وأجدادنا، وبات همه الأول تحرير فلسطين بكامل ترابها. بالرغم من كل العثرات والحجارة المتناثرة في الطرقات، فإننا سنزيلها ونصنع منها جسر العبور إلى الحرية، وسنواصل مسيرنا، فالتحرير قادم لا محالة ووعد الأخرة الوعد الصادق بات على مقربة منا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.