شعار قسم مدونات

القدس كاملة.. على كامل التراب الفلسطيني

Blogs- فلسطين

من جديد، تعود البوصلة إلى مكانها الأساسي، حيث الثورة الأولى والطلقة الأولى والحرب الأولى، في ظل هذا المنعطف السياسي الذي دوما يوصف "بالخطر"، تعود من جديد القدس تحتل قمة الخراب العربي الحاضر، بعدما جنّت البوصلة التي أصبح مؤشرها يتوه في المسافات والأبعاد العربية التي لم يعد أحد يعرف ملامحها.
 
اجتماعات طارئة، واعتصامات منددة، ووقفات في كل أنحاء الكرة الأرضية ما عدا العربي الرسمي منها، والعنوان واحد "القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية!" من أعطاهم حق إضافة الكلام على جمل التاريخ؟ من قال لهم أن يلعبوا بمفردات الوطن؟ من منح لهم شرف الكلمات فوق السطور الممزوجة بالدم؟ شرقية! من تنازل عن الغربية ليقول لهم فاوضوا على ما تبقى من شوارع القدس العتيقة!

فلسطين هي فلسطين، على كامل التراب الفلسطيني، من رأس الناقورة شمالاً وحتى قرية أم الرشراش جنوباً، ومن نهر الأردن شرقاً إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً، بكل أشكال المسافات ستمر فوق القدس، القدس كامل القدس، بمساجدها وكنائسها، بجدرانها وترابها، بخرابها ومستقبلها، بعطرها ووجعها، القدس كامل القدس دون تقسيم.

 
القدس غير قابلة للتفاوض، إن كنتم تعتقدون أن الاحتلال مكث هنا كثيرا فأنتم لا تعرفون القدس أبدا، لأنها تعرضت للتدمير مرتين، وحوصرت 23 مرة، وهوجمت 52 مرة، وتمّ غزوها وفقدانها مجددًا 44 مرة، فهل سيقف التاريخ عندكم هذه المرة! هذه الأرض عصية على الوجع، عصية على الألم، هذه الأرض لا تعرف الليل كثيرا، القدس حضارة حرة لا يمكن أن تختزل في مائة عام، لا يمكن أن ترتبط باسم ترمب ومن قبله بلفور، أسوار القدس لا تعرف إلا أسماء الفاتحين؛ فاقرأ على مفاتيحها اسم عمر بن الخطاب، وبالكردي اسم صلاح الدين، ورتِّل على حيطانها بالعربي سور القرآن الكريم، وتعمّد بماء قدسيتها وتعلم من محبة وسلام المسيح الذي لم يمر من هنا فقط، بل كان هنا وحاربوه هنا وبقي كما أرض فلسطين، عصيا على الجلادين، مقاوما للطغيان.
 

من راهن بالأمس على
من راهن بالأمس على "النسيان" أو "التراجع" فهو أيضا لا يفقه حرفا واحدا من حروف التاريخ، ولم يسمع يوما أي قصة من قصص الأولين
 

يقولون إن قرارات السيد ترمب تعارض القانون الدولي، عن أي قانون يتحدثون! أرض سلبت من أصحابها وأصبح المحتل القادم من بولونبيا وألمانيا وأمريكا، جار الفلاح اليبوسي الكنعاني الذي يسكن هنا من خمسة آلاف عام قبل الميلاد، وتقولون قانون دولي!، لا قانون يرتبط بالقدس سوى قانون البندقية، سوى عدالة الرصاص، سوى محاكم الثوار وأصوات المحاربين، فالأرض الفلسطينية لا تعترف بمن باعها وتخلى عنها، لا تعترف بمن تركها وحدها بين آلاف السكاكين، لا تعترف بمن أغلق بابه في وجهها وتركها وحدها في مهب الريح والعدم.
 
فلسطين التاريخية، لا يوجد قرار آخر يرسم حدودها، فحرب النكبة عام 1948 لا تختلف أبدا عن حرب النكسة عام 1967، كل المعطيات تؤدي إلى مسرب واحد، احتلال فلسطين التي تنتظر حرب "الصحوة" التي ستأتي ولو بعد حين، راهَنوا كثيرا على تعدد الأجيال، ولكن ها هو الواقع يقف بوجههم عريضا وصلبا، ها هم أطفال فلسطين "فلسطينيون" أكثر من أجدادهم، تعني لهم القدس أكثر مما كانت تعني لمن سبقوهم، الألم هو كما الطفل يكبر كل يوم وتتشكل تفاصيله، وهم تعاطوا الألم من يومهم الأول، عرفوا القدس من أول الضوء، وأقسموا على الوعد القائم وعلى العهد المأخوذ، فلسطين ولا شيء سوى فلسطين، ومن راهن بالأمس على "النسيان" أو "التراجع" فهو أيضا لا يفقه حرفا واحدا من حروف التاريخ، ولم يسمع يوما أي قصة من قصص الأولين.
 
اخفضوا أصواتكم السياسية واسمعونا صوت مدافعكم، اخفضوا أقلامكم وارفعوا بندقياتكم، اسحبوا سفراءكم وأرسلوا الجنود، وارفعوا أيديكم بالدعاء والتضرع ولكن ليس من فوق مكاتبكم، كونوا هناك وارفعوا أيديكم تحت الصخرة المشرفة، فالله هناك أقرب، والسماء أقرب والأرض أطيب، والأنبياء هناك سيصلون خلفكم ويدعون دعواتكم وينادون بصوتكم، يا الله يا الله أعطيتنا ما هو كثير علينا فسرق، ونحن اليوم نرد بضاعتنا إلينا ونعدك أن نبقى على العهد والوعد.. محافظين على نعمك علينا وأولها وآخرها فلسطين.. على كامل التراب الفلسطيني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.