شعار قسم مدونات

شطرنج الأقطاب.. والساحة دماء الشعوب

Blogs- روسيا
استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قمة ثلاثية مع رئيسيي إيران وتركيا في مدينة سوتشي الساحلية الواقعة على البحر الأسود في روسيا. قمة لم يمكن سابقاً توقع حدوثها قبل بضع سنين. سبق هذه القمة استقبال بوتين لبشار الأسد بالأحضان واعتراف بشار الأسد (اعترافاً مُذلّاً أمام ضباط الجيش الروسي) بفضل روسيا والجيش الروسي عليه وعلى طائفته ونظامه المجرم. دارت الأحاديث في القمة كما تم التصريح عنه حول مستقبل سوريا والمنطقة بعد القضاء على داعش. وعلى حسب الوقائع على الأرض فمستقبل سوريا يتم تحديده بدون مساهمة كبيرة من واشنطن (القوة العظمى الوحيدة في العالم إلى لحظة قيام الثورات العربي) هذا دليل كبير على ضعف القوة الأمريكية في الشرق الأوسط.
 
خطوات قام بها الرئيس الأمريكي ترمب قضى فيها على الدبلوماسية الأمريكية وأطاح بوزارة الخارجية الأمريكية وقلل من شأن العلاقات مع بعض أصدقاء أمريكا في حين أثنى ثناءً كبيراً على ألد خصوم أمريكا، خطوات خرقاء أدت لسطوع نجم بلدان أخرى على الساحة الدولية. ريكس تيليرسون وزير خارجية ترمب يقوم بحملة لتخفيض الميزانية وإلقاء أعداد كبيرة من الدبلوماسيين ذوي الخبرة في حين دول وقوى كبرى وأخرى متوسطة القوة تتحرك في كل مكان إلى الحيز الذي أخلته الولايات المتحدة.
 
القوة العسكرية وحدها لا تكفي اليوم للسيطرة على العالم، فأمريكا لديها أكبر جيش في العالم. ضعف أمريكا وضح جلياً في سوريا، فروسيا وإيران يسيطران على مساحة أكبر من التي يسيطر عليها مندوبو أمريكا. وخصوم أمريكا يعملون بجد من أجل إقامة تحالفات جديدة وإدارة ترمب تعمل على تفكيك الدبلوماسية الأمريكية. ونتيجة لهذا فإن أمريكا أقل تأثيراً وأقل قدرة على قيادة الأحداث والسيطرة على النتائج.
 
قمة سوتشي باتت أكثر وضوحاً اليوم، حيث أنها تجمع بين بلدان لم يُعرف عنها التحالف مع بعضها في الفترة السابقة وحدثت شروخ في العلاقات فيما بينها في السنوات الماضية، لكن في هذه اللحظة الحاسمة جداً في تاريخ الشرق الأوسط يقفز هؤلاء المتحالفون الجدد وينتهزون الفرصة لتهميش الولايات المتحدة سعياً وراء مصالحهم الخاصة التي تتعارض مع مصالح أمريكا وكلها على دماء الشعوب وأكثرهم الشعب السوري.

دعونا نراقب هذا الحلف الثلاثي والقطب الجديد الذي يتشكل على جثث ودماء الشعوب العربية لتحقيق مصالح وغايات دنيئة، ما عدا أنه يحقق الهدف الأكبر له وهو تقليص نفوذ الولايات المتحدة تدريجياً
دعونا نراقب هذا الحلف الثلاثي والقطب الجديد الذي يتشكل على جثث ودماء الشعوب العربية لتحقيق مصالح وغايات دنيئة، ما عدا أنه يحقق الهدف الأكبر له وهو تقليص نفوذ الولايات المتحدة تدريجياً
 

كانت سياسة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما هزيلة جداً، لكن سياسة ترمب في سوريا غير واضحة إلى الآن على الرغم من عزمه مواصلة القضاء على بقايا داعش. روسيا لم تقف مكتوفة اليدين وقامت بتعبئة الفراغ الذي تركته إدارة أوباما ولتصبح مرة أخرى لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط وليتوافد إليها القادة الإقليميون لينالوا رضاها.
 
قبل سنتين كانت الحرب على وشك الاندلاع بين روسيا وتركيا بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية. لكن كل ذلك تم نسيانه والآن العلاقة بين بوتين وأردوغان قوية جداً واجتماع سوتشي هو السادس بين الرئيسين قبل أسبوعين تقريباً سافر أردوغان إلى روسيا واجتمع مع بوتين لمدة أربع ساعات. تركيا عضو في حلف الناتو أي أنها يجب أن تكون أقرب إلى أمريكا، وأردوغان يرفض بقاء بشار الأسد في السلطة وروسيا تريد بقاءه، لكن نرى أن بوتين وأردوغان يعملان مع بعض. أيضاً تركيا لديها علاقات ودية مع إيران التي تعتبر أكبر خصوم أمريكا، لكن تركيا وإيران يعارضان وجود الميلشيات الكردية الانفصالية، وأردوغان يهاجم باستمرار الولايات المتحدة ويتهمها بخلق داعش وتنظيم القاعدة. هذه الدول الثلاث لها مصالح مشتركة في سوريا وتعادي مصالح أمريكا هناك أيضاً.
 
تعمل أمريكا الآن لتقليص سلطة إيران في المنطقة لكن روسيا تعمل بعكس ذلك، حيث قال وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" أن "وجود القوات الإيرانية في سوريا هو وجود شرعي". وإيران تكتسب النفوذ والسلطة بخطوات مدروسة تهدف إلى وجود عسكري دائم في سوريا وتعمل على ربط طهران بالعراق وسوريا ولبنان "الهلال الشيعي"، هذا دليل على فقدان أمريكا شيئاً فشيئاً وجودها في سوريا.
 
دعونا نراقب هذا الحلف الثلاثي والقطب الجديد الذي يتشكل على جثث ودماء الشعوب العربية لتحقيق مصالح وغايات دنيئة، ما عدا أنه يحقق الهدف الأكبر له وهو تقليص نفوذ الولايات المتحدة تدريجياً، وكما تحدّث ترمب أنه أمام لعبة صعبة ولكنها تحت مراقبته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.