شعار قسم مدونات

هل سيستردُّ العرب القدس بالدعاء؟

blogs ترمب

دخل السيد دونالد ترمب، الرئيس الأمريكي الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية، التاريخ الحديث من أبوابه المشرعة والواسعة، إن لم يكن بالنسبة للعالم بأسره، فعلى الأقل بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي، وذلك بعدما وقّع يوم الأربعاء 6 ديسمبر 2017، قرارا تاريخيا بشأن القدس؛ حيث اعتبرها عاصمة الكيان الإسرائيلي، وترتّب عن قراره أمر وزارة الخارجية الأمريكية الشروع بإجراءات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. إنه أول قرار مؤثر في وضع القدس، وفي ملف القضية الفلسطينية عامة بعد وعد بلفور الشهير، والذي قُدِّم يوم (2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917)، من لدن وزير خارجية بريطانيا لليهود، لإنشاء وطن قومي لهم على أرض فلسطين.. والذي يصادف هذه السنة (2017)، مرور مائة سنة على إصداره.

هذا القرار لا يعتبر جديدا البتّة بالنسبة للقضية الفلسطينية، وللقدس بشكل خاص، لماذا؟ لأن الرؤساء الأمريكيين، في الحملات الانتخابية، عادة ما يقدمون هذا الوعد لاستمالة اللوبي اليهودي، الكتلة المصوتة منه في الانتخابات الأمريكية..، لاسيما لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، والتي تسمى اختصاراً "إيباك". لكن الجديد في هذا القرار الذي وقعه دونالد ترمب عشية الأربعاء (6 ديسمبر 2017)، يتمثّل في جرأته الكبيرة، حيث نقل الخطاب من سياق الوعود الانتخابية التي طالما لم يفِ بها المرشحون للانتخابات، بعد فوزهم ودخولهم البيت الأبيض، إلى طور التنفيذ على أرض الواقع، ممّا اعتبر خرقا لجميع التفاهمات التي أشرفت عليها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها؛ باعتبارها راعيا للسلام الفلسطيني الإسرائيلي منذ بدء مفاوضات مدريد بعد حرب الخليج الثانية (30 أكتوبر إلى 1 نوفمبر 1991)، في عهد الرئيس الأمريكي الجمهوري جورج بوش الأب، وخلال ولاية الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون.

ردود الفعل الأولى على قرار ترمب بشأن القدس أتت من الأراضي الفلسطينية، حيث دعت حركة حماس صراحة إلى استئناف المقاومة الفلسطينية
ردود الفعل الأولى على قرار ترمب بشأن القدس أتت من الأراضي الفلسطينية، حيث دعت حركة حماس صراحة إلى استئناف المقاومة الفلسطينية
 

كما يعدّ قرار دونالد ترمب مسّا بتوصيات الشرعية الدولية، وهيئة الأمم المتحدة خاصة، التي اعتبرت مسألة القدس من قضايا الحل النهائي التي يجب الحسم فيها في إطار التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واعتبار القدس عاصمة للدولتين..، غير أن ما يُهمّنا كثيرا في هذا السياق، هو رد فعل الدول العربية والإسلامية بعد قرار الإدارة الأمريكية الجمهورية؛ هل تناسب رد الفعل العربي والإسلامي مع حجم الفعل الأمريكي الذي اعتبر منحازا للطرف الإسرائيلي وغير مسبوق؟ هل اقتصر رد الفعل العربي والإسلامي على الانفعال اللفظي من خلال استحضار معجم الشجب والإدانة والاحتجاج والتنديد وهلم جرا؟

تبلور أول موقف عربي مع القرار الأمريكي في اجتماع وزراء الخارجية العرب بجامعة الدول العربية بالقاهرة بعد مرور أربعة أيام فقط؛ حيث انعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب في (10 ديسمبر 2017)، بدعوة من المملكة العربية السعودية. وقد تجسد الموقف الثاني في اجتماع القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي بتركيا، في (13 ديسمبر 2017). أما الموقف الثالث الرسمي، فتمثل في أعمال الدورة الاستثنائية لرؤساء البرلمانات العربية بالرباط، (المملكة المغربية يوم الخميس 14 ديسمبر 2017).

وقد تركزت مخرجات هذه الاجتماعات العربية والإسلامية الرسمية للرؤساء، ووزراء الخارجية، والبرلمانيين، على ما يلي:

• اعتبار القرار الأمريكي باطلاً وخرقاً خطيراً للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة، والتي أكدت أن القدس الشرقية أرض محتلة.
• دعوة الدول المختلفة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
• اعتبار قرار الرئيس ترمب بشأن القدس لا يمثل انتهاكاً لقرارات الأمم المتحدة فحسب، بل أيضاً لعراقة القدس الشريف التي تعود إلى قرون من الزمان، وهو بذلك يغفل الحقائق التاريخية والاجتماعية والثقافية وأحكام القانون الدولي.
• رفض قرار الرئيس الأمريكي السيد دونالد ترمب جملةً وتفصيلا، والرفض المطلق للمساس بالمكانة القانونية والسياسية والتاريخية لمدينة القدس الفلسطينية المحتلة، والدفع بالوصاية الهاشمية التاريخية على الأماكن المقدسة لملك الأردن. 
• اعتبار اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمدينة القدس المحتلة كعاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ونقل سفارتها إليها، باطلاً وغيرَ قانوني.
• الإعلان عن سحب الرعاية من الولايات المتحدة الأمريكية كدولة راعية للسلام، وذلك لخروجها الصريح عن الشرعية والقانون الدوليين، واختيارها الواضح أن تكون طرفاً خصماً لا حكماً كما كان ينبغي أن يكون عليه الأمر.

هذا فيما يتعلق برد الفعل الرسمي من الدول والحكومات العربية والإسلامية، إضافة للبرلمانات العربية المجتمعة في العاصمة المغربية الرباط، لكن ماذا عن التفاعل الشعبي العفوي في الوطن العربي والإسلامي بعد القرار المشؤوم المستفز؟ ردود الفعل الأولى أتت من الأراضي الفلسطينية، حيث دعت حركة حماس من خلال خطاب لزعيم مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، الذي دعا صراحة إلى استئناف المقاومة الفلسطينية، مؤكدا أن حركته مع الفصائل والشعب الفلسطيني، سيعملون على إسقاط قرار ترمب "مرة وإلى الأبد"، وقال: إن "أرواحنا ودماءنا وأهلنا وأبناءنا وبيوتنا فداء للقدس والأقصى".

لم يتبق للعرب والمسلمين، سوى شيء واحد يمكن أن يفرج عنهم الكرب ويزيل عنهم الهم الذي ألم بالجسد كله، إنه الدعاء في المساجد، وفي السر والعلن، بأن ينصر الله الفلسطينيين
لم يتبق للعرب والمسلمين، سوى شيء واحد يمكن أن يفرج عنهم الكرب ويزيل عنهم الهم الذي ألم بالجسد كله، إنه الدعاء في المساجد، وفي السر والعلن، بأن ينصر الله الفلسطينيين
 

وقد عمّت المظاهرات الأراضي الفلسطينية، لا سيما القدس، رفضا لقرار ترمب، كما شهدت مجموعة من العواصم العربية مظاهرات حاشدة منددة بالانحياز الأمريكي لصالح إسرائيل. السؤال الهام ههنا، هل ردود الأفعال العربية والإسلامية، الرسمية والشعبية، المادية والرمزية، تعتبر كافية للرد على السلوك/القرار الأمريكي الذي صدر عن الرئيس الجمهوري دونالد ترمب؟ هل غيّرت موجة الغضب الرسمي والشعبي القرار الأمريكي؟ هل أجبرنا الإدارة الأمريكية على مراجعة موقفها؟ هل استعمل العالم العربي والإسلامي الرسمي، ميزان قوته في إطار العلاقات البينية مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل دفعها إلى مراجعة موقفها؟

إلى حدود تخطيط هذه الأسطر، لا يبدو أن دونالد ترمب، وفريق إدارته الرئاسي في البيت الأبيض، قد أبديا ما يفيد الندم على القرار الموقع في يوم (الأربعاء 6 ديسمبر 2017)، أو الاستعداد للمراجعة والتعديل، على الرغم من رفض الدول الأوربية القرار الانفرادي الأمريكي؛ كما عبر عن ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وممثلة الاتحاد الأوروبي فريديريكا موكيريني، الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، خلال استقبالهما رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لم يتبق للعرب والمسلمين، سوى شيء واحد يمكن أن يفرج عنهم الكرب، ويزيل عنهم الهم الذي ألم بالجسد كله، إنه الدعاء في المساجد، وفي السر والعلن، بأن ينصر الله الفلسطينيين، والمقدسيين خاصة، وبأن يخلّص المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين، من يد اليهود الصهاينة الغاصبين، لكن هل ستسترد القدس بالدعاء فقط؟ لا شك أن الاكتفاء بالدعاء فقط لن يغير من الواقع شيئا، مصداقا لقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" الرعد:11.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.