شعار قسم مدونات

أنا بخير لكن ليس الكل كذلك..

blogs - poor
لا يكفي أن أكون بخير لوحدي، أملك مسكنا، عملا، مأكلا، ملبسا، وسيارة.. وفوق كل ذلك صحة وشبابا، بينما غيري يعاني العوز، بعضهم يعاني من الجوع، البعض يعاني من البرد ولا يجد ما يلبس، بعضهم يعيش متشردا، بعضهم يعاني من المرض.. أو قد يعانون كل هذه الآفات مجتمعة. كيف أحس بأن حياتي مثالية وأني بخير تماما وأنا أعرف أنني بينما أنا آكل أشهى الطعام، لا يجد كثيرون غيري ما يأكلون، بينما أنام في فراش مريح، دافئ، لا يجدون هم ما يفترشون، أو ربما يعيشون في الشارع، عرضة للبرد، بينما أنا يتوفر لي كل هذا، فغيري يعانون..
 
ربما لست غنية، وأعتبر نفسي من الطبقة المتوسطة، لكنْ يتوفر لي الضروري وبعض الكماليات التي تحقق لي حياة كريمة. رغم ذلك، تأتي لحظات في حياتي، أو ربما الكثير منها، أفكر كيف أن بعض الناس لا يجدون ولو القليل من هذا. وأنا أتمشى في الشارع، قد أرى الكثير من المتسولين، لا أجزم بصحة حاجتهم، لكن خلال الوقت الذي يمضونه يتسولون هذا وذاك فهم يقضون فعلا أوقاتا بائسة.. أرى آخرين متشردين، منهم أطفال، تزيد معاناتهم في هذا الفصل..

كل هذا من الواقع الذي أصبحنا نمر عليه مرور الكرام وأصبح من المعتاد
.. زد على ذلك ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي من حالات مرض وحاجة ترجو المساعدة. كل هذا يجعل حياتي ناقصة، كيف لي أن أكون بخير وأنا أرى كل هذه المعاناة من حولي؟.. فعلا، ذلك يدعوني أن أحمد الله وأقول إن أحوالي وأحوال آخرين من الطبقة المتوسطة مثلي أحسن من الكثيرين.. في الوقت نفسه أحس ببعض الذنب، فما نراه ليس من العدل في شيء، وبالتالي لكي يتحقق عدل الله في الأرض يجب مساعدتهم من قبَل الدولة والأشخاص.. ليس بالصدقات المقبولة مؤقتا، لكن لضمان الاستمرارية، يجب التفكير في حلول دائمة تضمن العيش الكريم لكل إنسان وتجعله في غنى عن الاتكال. 

 لو أن كل إنسان في مجتمعنا يتوفر على الأقل على ما هو ضروري وأساسي للحياة ولو على بساطته، سنكون فعلا كلنا بخير.

ليس عدلا أن أكون بخير أو أحس كذلك وأنت بخير وآخرون مثلك، إذ غدت الكماليات بالنسبة إليهم أساسيات من كثرة الثراء، بينما الكثيرون في مجتمعاتنا يعانون، سواء داخل بيوتهم أو خارجها، نراهم في يومنا دون أن يحركوا فينا شعرة، لأننا لا نملك وقتا، فالعمل ينتظر والحياة تنتظر.. ليس من العادي أن تصبح تلك المناظر والصور عادية بالنسبة إلينا لأنها ليست كذلك.

  

لا بأس أن يختلف المستوى المعيشي، ربما لن تكون طبقة مجتمعية واحدة ولو كانت سائدة، لكنْ أن تجد من لا يجد الخبز أو من يبيت في العراء، أو من يموت من البرد، أو طفولة مشردة، ممزقة، مغتصبة ومعوزة.. فهذا ليس عاديا أبدا ويبين انعدام توازن خطيرا في مجتمعات لا يقوم أحد فيها بدوره كما ينبغي، سواء المؤسسات -بأنواعها- أو الأشخاص.
 
لا نريد مجتمعا من الأثرياء، أو حتى من الطبقة المتوسطة،  لكن لا نريد طبقة معوزة تعيش تحت عتبة الفقر.. تصوروا معي لو أن كل إنسان في مجتمعنا يتوفر على الأقل على ما هو ضروري وأساسي للحياة، ولو على بساطته، مسكن بسيط، مأكل، ملبس، فرصة في التعليم وحق في الصحة.. سنكون فعلا كلنا بخير.
 
هذا ليس مستحيلا، وهنا نأتي إلى الحلول، ما نستطيع القيام به، يجب أن تكون هذه أولوية، أن يعيش كل شخص حياة كريمة، لأن لكل شخص حياة واحدة في هذه الدنيا، من حقه أن يعيشها بكيفية جيدة.. فتقوم المؤسسات الحكومية بدورها في القطاعات الحيوية، التعليم والصحة بتدبير أفضل للميزانية.. وتقوم الجمعيات المدنية بدورها والأشخاص أيضا، الكل يساهم.. وفي انتظار أن تقوم الدولة بما يجب في القطاعات التي تعود إليها، سيكون من الجيد لو بإمكاننا كمجتمع (أشخاصا وجماعات وجمعيات) من ميسورين أو بسطاء أن نساعد، فتقلّ حظوظ مصادفتنا ورؤيتنا لمشاهد أشخاص، بل وأطفال، يبيتون في الشارع العام، وآخرين يموتون بردا وجوعا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.