شعار قسم مدونات

هل يحولنا الإعلام من أصحاب حق لعنصريين؟

Blogs- فلسطين
عمّت مسيرات ووقفات الأرجاء الأوروبية خلال الأيام القليلة الماضية، منددةً بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب اعتبار مدينة القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، متغاضياً عن المكانة الكبيرة التي تشغلها مدينة القدس عند المسلمين والمسيحيين والعرب والفلسطينيين وأحرار العالم أجمع.
 
تفاعل كبير شهدته المدن والعواصم الأوروبية من مختلف أطياف وفئات مجتمعاتها، خصوصاً الجاليات العربية والإسلامية ومناصري حقوق الإنسان في تلك البلدان، جعله محط تركيز واهتمام كبيرين وضع مشاركيه وصانعيه تحت المجهر، خصوصاً من قبل مناصري اللوبي الصهيوني في أوروبا وبعض الأحزاب الأوروبية التي تتبنى خطاباً متشدداً ضد المهاجرين والأجانب، والتي تسعى إلى استغلال أي خطأ يبدر من المهاجرين لصالح حملاتها الانتخابية.
 
وسأتناول في هذه المادة بعض النقاط والملاحظات والنصائح المتعلقة بالجانبين الإعلامي والعام للفعاليات المناصرة للحق الفلسطيني والتي تقام في أوروبا. وأتمنى أن تشكل هذه النقاط ومضات للعاملين في الشأن الفلسطيني في أوروبا خلال إعدادهم للفعاليات المتعلقة بالقضايا العربية والفلسطينية في الساحة الأوروبية، حتى لا يحولنا الإعلام الغربي من "أصحاب حق" إلى "دعاة إلى العنصرية".
 
التركيز على البعد الحقوقي وعالمية القضية الفلسطينية
تشكل القضية الفلسطينيةأكثر القضايا التي يتحقق حولها إجماع المنظمات الحقوقية الدولية، التي تتفق على أن شعبها يعاني من كثير من الانتهاكات الإنسانية التي يمارسها عليه محتله، من قصف واستيطان واعتقال للأطفال وانتهاكات لدور العبادة وحصار لاإنساني. يضاف إلى ذلك اعتبار العديد من الناشطين والمؤسسات الأوروبية أن القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية يجب التضامن والتفاعل معها، وأن التفاعل معها ليس محصوراً في المسلمين أو العرب. وما سبق يفرض على العاملين لمناصرة الشعب الفلسطيني أن يتبنوا خطاباً إنسانياً واسعاً يتناسب مع التنوع العرقي والثقافي والديني للشعوب الأوروبية، إذ يجب العمل على إيصال الرسائل بطريقة حضارية يفهمها الشارع الأوروبي.

يجب تفعيل الدور التوعوي للمؤسسات الأهلية الأوروبية المساندة لفلسطين تجاه أبناء الجاليات خصوصاً في ما يتعلق بالقوانين الخاصة بكل دولة
يجب تفعيل الدور التوعوي للمؤسسات الأهلية الأوروبية المساندة لفلسطين تجاه أبناء الجاليات خصوصاً في ما يتعلق بالقوانين الخاصة بكل دولة
 

اعتماد اللغات المحلية الأوروبية

من الأهمية بمكان أن نفهم الشريحة المستهدفة، والغرض الذي نريده من خلال فعالياتنا، والتي يكاد يُجمع معظم المنظمين لها على أن الهدف الرئيس منها هو التأثير بالرأي العام الأوروبي وإيصال الصوت الفلسطيني إلى أكبر شريحة من المجتمعات الأوروبية، وهنا يجدر بنا التركيز على اللغات المحلية للدول الأوروبية، فكيف يفهم الشارع الأوروبي رسائل المؤسسات وهي ترددها باللغة العربية؟ كما يجب الانتباه إلى أن عدم استخدام اللغات المحلية في الفعاليات يفسح المجال واسعاً للتشويش بالترجمة، إذ من الممكن أن يسأل بعض الصحافيين أحد المشاركين عن ترجمة شعار ما ويخطئ المشارك في تلك الترجمة، ما قد يوقع المنظمين في مشاكل كبيرة.

مراعاة مكانة المدن الأوروبية ومكانة القانون فيها
لا شك أن انطلاق أي فعالية في أي عاصمة أوروبية له رمزيّته التي يستمدها من المدينة ذاتها، خصوصاً أننا لا نتحدث عن مدن وعواصم تتبنى الرواية الفلسطينية،بل على العكس بعضها مشارك في نكبة الشعب الفلسطيني وبعضها حتى اللحظة لا يزال داعماً للاحتلال، وإن اختلف معه في بعض النقاط، وهذا ما يكسب أي حراك لفلسطين رمزية إضافية عن غيره من الفعاليات في باقي دول العالم، نضيف إلى ذلك قوانين تلك الدول التي تضمن حرية التعبير لجميع رعاياها دون تمييز بشرط ألا يشكل تهديداً لأي من مواطنيها.
  

وهنا يكمن الواجب الرئيسي على المؤسسات والمراكز العربية والإسلامية في أوروبا، التي يجب عليها بالدرجة الأولى أن تعي كافة تلك التفاصيل والبنود القانونية المتعلقة بالعمل العام والإعلامي في أوروبا، ونقلها إلى جمهورها من الجاليات حتى لا يقع أي منها في مخالفات قانونية تزيد في معاناة الشعب الفلسطيني، خصوصاً تلك المتعلقة بـ"معاداة السامية" أو التحريض على العنف.

الحراك الشعبي الأوروبي المتضامن مع فلسطين في الأيام الماضية حراك مشرف وفعّال وحتى سبّاق مقارنة ببعض العواصم العربية

الحراك في أوروبا ضد الاحتلال الإسرائيلي وليس ضد أتباع دين معين

لعل أبرز الثغرات التي استغلها معارضو الحراك الأخير ضد قرار ترمب تلك الأخطاء من منظمي بعض المظاهرات والوقفات التي خرجت في بعض المدن الأوروبية والتي هتف بعض المشاركين فيها ضد أتباع دين معين، ما يعدّ مخالفاً أساساً لأخلاق ومبادئ الجاليات العربية والمسلمة وكل المتضامنين مع حقوق الإنسان قبل أن يكون مخالفاً للقوانين الأوروبية، فصراعنا مع الاحتلال وكل محتل في العالم ليس صراعاً على أساس الدين، والدفاع عن حقوق الشعوب هو أمر واجب في كافة المعتقدات الدينية في الشرق وكفلته أيضاً القوانين الدولية. وهذه النقطة في غاية الأهمية، إذ تشكل "معاداة السامية" المدخل الأوسع لمعادي أي حراك ضد الاحتلال الإسرائيلي، لشن هجومهم على أي حراك يتعرض لمصالح اللوبي الصهيوني في أوروبا.

التعامل مع وسائل الإعلام الأوروبية
علينا أن ندرك التعامل مع وسائل الإعلام أمر حساس وغاية بالأهمية، ويحتاج إلى كثير من الدقة الحنكة السياسية بالإجابة عن الأسئلة خصوصاً مع تنوع وسائل الإعلام وكثرتها في أوروبا، والتي يسيطر اللوبي الصهيوني على عدد ليس بالقليل منها. فعلى أي مؤسسة أو مركز من منظمي الفعاليات أن تنتدب شخصاً ملماً باللغة المحلية بالدرجة الأولى، يتمتع بالفهم العميق لأبعاد كلماته ويكون هو متحدثاً في تلك الفعاليات أو ضمن البرامج والأخبار على المحطات الإعلامية، وألا يترك الموضوع مفتوحاً للاجتهادات التي قد تورط المؤسسات بسبب سوء التعبير أو سوء استخدام المصطلحات.

تنويع الوسائل وعدم إهمال مواقع التواصل الاجتماعي
لا نستطيع الوصول إلى مختلف الشرائح في المجتمع الأوروبي باعتماد المظاهرات والوقفات التضامنية فقط بالرغم من أهميتها، بل علينا التنويع بالوسائل ابتداء من الكتابة في الصحف المحلية مروراً إلى بالمحاضرات الأكاديمية وليس انتهاءً بمواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت فضاء يجمع مئات الملايين من الشباب الأوروبي. وهنا علينا الاهتمام بإنتاج المواد من تصاميم فنية ومقاطع الفيديو القصيرة التي تسلط الضوء على الحق الفلسطيني ومعاناة الفلسطينيين من الاحتلال باستخدام اللغات الأوروبية المحلية، أضف إلى ذلك الاستفادة من الوسوم التي يتم استخدامها في كل بلد حتى يتم تحقيق الوصول إلى أوسع شريحة من الجمهور. وهذا العمل لا يتم بكيفية فردية ولا كردة فعل، بل يجب البناء له وتأسيس فرق عمل مختصة من الناشطين والمتضامنين المتواجدين على امتداد القارة الأوروبية. 

أنسنة القضايا
المتابع للقضايا المثارة في وسائل الإعلام يلاحظ الاهتمام الكبير من قبل الجمهور الأوروبي بالقصص الإنسانية والمعاناة الفردية، على حساب السرد الاحصائي والتاريخي، وهذه نقطة بالغة الأهمية على العاملين في الحقل الإعلامي إدراكها، فربما يكون فيلم قصير تتم ترجمته باللغات المحلية قادراً على إيصال الأفكار وتحريك الرأي العام أكثر من مظاهرة تضم المئات في إحدى المدن، وكم تزخر معاناة شعبنا بمئات القصص التي يجب تناولها.

بعض الأمور التي ترحب بها بعض الحكومات في الشرق الأوسط كإحراق الأعلام قد يعد عملاً تحريضاً بالنسبة لقوانين معظم البلدان الأوروبية
بعض الأمور التي ترحب بها بعض الحكومات في الشرق الأوسط كإحراق الأعلام قد يعد عملاً تحريضاً بالنسبة لقوانين معظم البلدان الأوروبية
 

ومضات حول البيانات الصحفية

كثيرة هي البيانات التي تصدر عن المؤسسات الأوروبية العاملة لفلسطين، لكن قلة منها من يحدث تفاعلاً مع وسائل الإعلام الأوروبية، وهنا سأورد بعض الملاحظات التي من شأنها تعزيز وصول وانتشار البيانات الصحفية:

أن يكون البيان باللغة المحلية الأوروبية أو اللغة الإنجليزية؛
الاختصار والوضوح قدر المستطاع؛
الابتعاد عن الكلام الإنشائي والتركيز على الحقائق؛
الاعتماد على التواصل الشخصي مع وسائل الإعلام وشرح وجهة النظر.
  

الشارع ليس الميدان الوحيد للتعريف بمعاناة الفلسطينية
من الملاحظ أن معظم الجمعيات والمؤسسات والمراكز لا يزال تركيزها محصورا في تحريك الشارع الأوروبي عبر المظاهرات والوقفات، وهنا لا نقلل من أهمية ذلك، إلا أنه على الجميع أن يدرك أن هناك فضاءات واسعة للوصول إلى الجمهور الأوروبي وربما الفضاء الرقمي، والمحاضرات، ومعارض الصور على سبيل المثال أحد أبرز تلك المساحات غير المستغلة جيدا حتى الآن.

  

تفعيل الدور التوعوي للمؤسسات في أوروبا
حتى الآن نرى حقيقة أن دور المؤسسات الأهلية الأوروبية المعنية بالقضية الفلسطينية مقصرة نوعاً ما في توعية أبناء الجاليات بقوانين البلدان التي يعيشون فيها، وتسليط الضوء على نقاط الاتفاق والاختلاف بين تلك البلدان والبلدان الأصلية لأبناء الجاليات، وكيف أن بعض الأمور التي ترحب به بعض الحكومات في الشرق الأوسط كإحراق علم الاحتلال الإسرائيلي قد يعد عملاً تحريضاً بالنسبة لقوانين معظم البلدان الأوروبية.
 

وفي الختام، أشدد على أن الحراك الشعبي الأوروبي المتضامن مع فلسطين في الأيام الماضية حراك مشرف وفعّال وحتى سبّاق مقارنة ببعض العواصم العربية والإسلامية، طبعاً نستثني منه بعض الأخطاء والتجاوزات المرفوضة التي تمت في بعض الفعاليات. كما أشدد أن على أهمية تفعيل الدور التوعوي للمؤسسات الأهلية الأوروبية العاملة لفلسطين تجاه أبناء الجاليات، خصوصاً في ما يتعلق بالقوانين الخاصة بكل دولة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.