شعار قسم مدونات

قضية القدس في ظل تحولات السياسة الخارجية الهندية

Blogs- modi

عندما تعود القضية الفلسطينية إلى واجهة الإعلام العالمي من جديد بعد إعلان الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، كان هناك ترقب عالمي لمواقف الدول العالمية من هذا الإعلان، الذي يعدّ طعنا في عملية السلام المعقد. ولم يكن بيان وزارة الخارجية الهندية أقل أهمية، خاصة تحت الإدارة الحالية التي يقودها حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي القومي اليميني، إذ قال المتحدث باسم الخارجية الهندية، السيد رافيش كومار، إن "موقف الهند بالنسبة إلى فلسطين مستقل وثابت ويتشكل من وجهة نظرنا ومصالحنا ولا يؤثر عليه أي بلد ثالث". يرى الكثير في الهند أن هذا البيان مقابل إعلان قادر على خلق تحولات تكتونية في العالم تؤكد التكهنات التي تدور بشأن تخلي الهند عن موقفها التاريخي الداعم للقضية الفلسطينية. 

   

رغم ما استجد من التطورات في الساحات العالمية، وهو بيان يغفل تماما ما قاله أبو الهند الحديثة السيد مهاتما غاندي، الذي قال "إن تعاطفي مع اليهود لن يعميني عن مقتضيات الإنصاف، وإنه لمن الخطأ وغير الإنساني فرض اليهود على بلاد العرب". موقف جلي أثر بكيفية مباشرة على سياسات الهند الخارجية بعد استقلالها عن الاستعمار البريطاني، والمتوقع كان بيانا أكثر قطعا وتحديدا داعما لتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل في المنطقة.

  

مواقف الهند الداعمة للقضية
كان التاريخ بين الهند وفلسطين تاريخا من التعاطف والتضامن، اللذين تشكلا خلال حركة الاستقلال الهندية ضد الاستعمار. وانطلاقا مما شهدته الهند من آثار التقسيم المؤلمة، فقد صوتت ضد مشروع قرار يدعم تقسيم دولة فلسطين في الجمعية العامة في 1947م. وكانت الدولة الوحيدة غير العربية والإسلامية التي قامت برفضها وأول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية في 1974م بعد اعترافها بدولة إسرائيل في 1950م.

 
وبعد استقلالها، أصبح عنصر التعاطف مع القضية الفلسطينية جزءا أساسيا من السياسة الخارجية الهندية. وقامت الهند بدور استباقي لتأمين الدعم للقضية في المحافل متعددة الأطراف. وكانت أحد أوائل البلدان التي اعترفت بدولة فلسطين في 1988م. وصوتت الهند لصالح القرار الأممي ضد بناء الجدار العازل من قبل إسرائيل في الضفة الغربية في 2003م.

  

زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إسرائيل في 2017م ولم يزر رام الله، مقر السلطة الفلسطينية والمحطة المعتادة للزعماء الزائرين هناك، وكانت لها دلالة قوية.
زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إسرائيل في 2017م ولم يزر رام الله، مقر السلطة الفلسطينية والمحطة المعتادة للزعماء الزائرين هناك، وكانت لها دلالة قوية.
 

وفي سنة 2011 دعمت الهند فلسطين بانضمامها عضوا كامل العضوية في يونسكو واشتركت في تقديم قرار الجمعية العامة لمنح فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة. يقول السيد ماني شانكار آيار في صحيفة "ذي إنديان إكسبرس" في تاريخ 29 نوفمبر 2016 إن رئيس وزراء الهند الأسبق، أتال بيهاري فاجبايي، رفض أن يصنف حماس في قائمة المنظمات الإرهابية عندما طالبته إسرائيل بأن يقوم بذلك، رغم انتمائه إلى الحزب القومي اليميني، وقد دأبت الهند، منذ عدة سنوات، على المساهمة في المساعدات المادية والتقنية للشعب الفلسطيني.

  

أهم مقومات سياسة الهند تجاه القضية
يرى المحللون أن هناك أربعة عناصر مهمة تتكون منها سياسة الهند الداعمة للقضية، فضلا عن المواقف التاريخية للزعيم الروحي للهند السيد مهاتما غاندي والزعيم الهندي الكبير جواهر لال نهرو، أولها كون الهند ثاني أكبر موطن للسكان المسلمين في العالم، وما زالوا متعاطفين مع القضية، وذلك ليس فقط بسبب روابطهم العاطفية مع القدس، بل كقضية عادلة. وهذا كان يدفع السياسيين الهنود إلى سنّ سياسات دون إيذاء مشاعرهم، موقف يراهنون عليه أحيانا في الانتخابات لحشد الأصوات من الأقليات المسلمة. والعنصر الثاني هو عدم إلحاق الضرر بمصالح المواطنين الهنود الذين يعملون في الدول العربية، والذين يزيد تعدادهم عن سبعة ملايين عامل ويمثلون مصدرا رئيسيا للبلاد من احتياطيات العملة الأجنبية. وثالثها اعتمادها إلى حد كبير على الدول العربية لاستيراد النفط بنسبة أكثر من 70 في المائة. رابعا، موقف الهند الداعم للاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة ورغبتها في مواجهة دولة باكستان بدعم من الدول العربية.
   

نزعة التطبيع مع الكيان

رغم هذه المواقف الداعمة للقضية، نجد هناك نزعة في الهند عقب بضعة عقود من الاستقلال لتطبيع العلاقات مع الكيان ولو في نطاق ضئيل. ومن أمثال ذلك ما ورد في صحيفة "هندستان تايمز" الهندية في فاتح نوفمبر 2013م حول كتاب يبين أن السيدة إنديرا غاندي، وهي أول رئيسة وزراء للهند ومن أكثر الكارهين للتعصب الديني والطائفي، "تواصلت مع إسرائيل للحصول على الأسلحة في 1971، في فترة لا توجد علاقات دبلوماسية بينهما".

 

حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي القومي اليميني الذي يحكم الهند الآن منبثق عن منظمة ثقافية يرى المحللون أنها تضع أيديولوجيتها فوق المصالح الأخرى

وبعد إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما في 1992م ازدهرت العلاقات على الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والزراعية والسياسية وغيرها حتى أصبحت الهند حاليا أكبر مستهلك في العالم لأسلحتها. وحرص الكيان الإسرائيلي على ألا يضيع أي فرصة لتقديم المساعدة للهند، ونبذ موقفها الداعم لفلسطين، واستغل العداوة التقليدية بين الهند وباكستان وقدم لها الأسلحة الحديثة والمعلومات الاستخباراتية في حربها مع باكستان في 1999م وفي 2002م.

 
أصبحت هناك زيارات لكبار الشخصيات بينهما، وبعضها لم تسبق في تاريخ العلاقات بينها، ومنها زيارة الرئيس الهندي السابق في 2015م. وفي يوليو 2015م امتنعت الهند عن التصويت ضد إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة في مجلس حقوق الإنسان. وفي أول زيارة من نوعها، زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إسرائيل في 2017م ولم يزر رام الله، مقر السلطة الفلسطينية والمحطة المعتادة للزعماء الزائرين هناك. وكان  لهذا دلالة قوية. وقعت الهند على صفقات هائلة لاستيراد الأسلحة الإسرائيلية واصطفت إلى جانب الولايات المتحدة، ما ساعد على تسريع كل هذه المستجدات. 

 
تتغير سياسات الحكومات حسب تغير قادتها. إن حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي القومي اليميني، الذي يحكم الهند حاليا، منبثق عن منظمة ثقافية تعرف باسم منظمة "راشتريا سويامسيفاك سانغ". ويرى المحللون أنها تضع أيديولوجيتها فوق المصالح الأخرى، وأعلن زعماؤها مواقفهم الثابتة الداعمة لليهود والصهيونية قبل عقود، كما قالت مانني تشاترجي في صحيفة "تلغراف إنديا" الهندية في 10 يوليو 2017، كما أن أغلبية منتخبي الحكومة الحالية من أشد مؤيدي هذه المنظمة. 

  
والجدير بالذكر أيضا أنه بعد هذه المواقف المؤيدة من الهند للقضية الفلسطينية قبل هذه التحولات، لم تعد الهند تجد الصدى والتقدير المناسبين من الدول العربية، وعلى سبيل المثال مسألة عضويتها في منظمة المؤتمر الإسلامي، إذ كانت الهند من المدعوين في قمة الرباط في 1969م، لكن المواقف تغيرت أثناء ذلك وأجبروا على مغادرة القمة. ولكونها قوة عالمية ذات تطلعات، فمن الطبيعي أن تبحث سياسات جديدة تخدم مصالحها وأغلبية سكانها. ويرى البعض أنها علاقة آخذة في التطور وتقوم على البراغماتية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.