شعار قسم مدونات

دانيال داي لويس.. آخر من يتقن الفن السينمائي

blogs دانيال لويس

دانيال داي لويس ليس اسما معروفا في المجتمع السينمائي كما ينبغي أن يكون، قد تتذكرون الاسم من أفلام مثل "Gangs Of New York" و "Lincoln"، هذا إذا كنت شخصا يشاهد الكثير من الأفلام، لكنه ليس بالضبط الرجل الذي يحسب من بين المشاهير الذين يخلقون القيل والقال في المجلات أو على البرامج الحوارية.

 

غير أن سمعته الشخصية الهادئة تقف على النقيض من الإشادة التي حظي بها في مجتمع هوليوود الأوسع. كما أنه قد حصل على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل في ثلاث مناسبات مختلفة، وهذا أكثر من أي ممثّل آخر في التاريخ الهوليوودي. والأمر ليس مجرد ضربة حظ، لويس يعتبر اليوم وعلى نطاق واسع من أكثر الممثلين موهبة في جيله، إن لم يكن واحدا من الممثلين العظماء منذ أزل التاريخ السينمائي. في عام 2014، حصل على درجة فارس من قبل العائلة الملكية في قصر باكنغهام لخدماته لفن الدراما.

ومن المثير للاهتمام، هناك الكثير من الفروق الواضحة بين نهجه لفنه مقارنة مع غالبية الممثلين الآخرين. دانييل داي لويس معروف كممثل منهجي، فهو يلتزم تماما بكل دور يقوم به من خلال عيش الدور حرفيا في حياته. كانت هناك أوقات عندما ظل متقمصا الدور طوال كامل الجدول الزمني الذي استغرقه تصوير الفيلم، لدرجة إيذاء صحته في بعض الأحيان.

 

أثناء تصوير فيلم
أثناء تصوير فيلم "Gangs of new york"، استأجر لويس جزاره الخاص للتدرب معه على إتقان الدور المسند له، مع أن الأمر جزء صغير من دوره في الفيلم ككل
 

كما أنه نادرا ما يشرك العالم في حياته الشخصية، ومن غير الترويج لأفلامه نادرا ما يلفت أنظار الإعلام، فهناك عدد قليل جدا من المقابلات والخرجات الإعلامية له. والشيء الأكثر غرابة عنه، هو أنه قد تألق فقط في 6 أفلام مختلفة منذ عام 1998، مع هامش يصل بعض الأحيان إلى 5 سنوات بين كل عمل سينمائي. في حين أن معظم الأسماء الناجحة في عالم السينما غزيرة الإنتاج، داي لويس جعل لنفسه مهنة من كونه يلتزم بإتقان العمل الفني وجودته غير مبالٍ بكم الأفلام التي يشارك فِيهَا.

الممثل الناجح بهوليوود يشارك في فيلم واحد كل عام على الأقل، إذن إن أخذنا بعين الاعتبار المدة التي شارك فيها داي لويس في 6 أعمال سينمائية وهي ما يناهز 20 سنة، فالممثل الناجح في هوليود قد يشارك في 15 أو 20 عملا سينمائيا في نفس المدة. وذلك ثلاثة أضعاف الإنتاج الفني لداي لويس، فمال الذي يفعله بكل هذا الوقت؟ 

داي لويس، وديكابريو وكريستوفر نولان هم اختياريون جدا في مشاريعهم. وقد أعطى هذا السلوك أخيرا أكله في أول أوسكار لديكابريو، ونولان هو معروف من قبل الجميع كمخرج عظيم عبر تقديمه لأفلام كثيرة مثيرة للاهتمام

أثناء تصوير فيلم "Gangs of new york"، استأجر لويس جزاره الخاص للتدرب معه على إتقان الدور المسند له، مع أن الأمر جزء صغير من دوره في الفيلم ككل. وأثناء التصوير، حافظ لويس على لهجة نيويورك حتى انتهائه، ورفض ارتداء ملابس أكثر دفئا حتى يتمكن من البقاء في دوره لبرودة طقس مدينة نيويورك وحتى عندما كان مريضا بالالتهاب الرئوي. واستعدادا لفيلمه الآخر "Lincoln"، يقال إنه طلب من المخرج ستيفن سبيلبرغ مدة عام كامل للاستعداد للدور. في ذلك الوقت، قرأ أكثر من 100 كتاب حول شخصيته وعمل مع فناني المكياج لنحت جسده بطريقة يكون شبيها فيها بجسد لينكولن.

في حين أن كل هذا يعتبر تطرفا إلى حد ما، فإنه يفسر كيف يفعل لويس ما يفعله بإتقان أدواره. فهو لديه عملية اختيار خاصة للأدوار التي يؤديها، حيث يمنع نفسه من القيام بأي شيء آخر غير العمل على دوره، مما يحتاج حقا إلى الكثير من التركيز لكي يكون في أفضل حالاته. وحقيقة أنه يقول "لا" لمشاريع أخرى كثيرة يسمح له أن يَقُول "نعم" لتلك الأدوار التي تهمه حقا، وهي الطريقة التي ينتهجها عدد قليل من نجوم السينما الآخرين. 

أشعر أن مفتاح الحصول على أي شيء تريده هو التركيز على شيء بحد ذاته وإتقانه، فعصفور في اليد أحسن من عشرة على الشجرة. ومثل داي لويس، وديكابريو وكريستوفر نولان هم اختياريون جدا في مشاريعهم. وقد أعطى هذا السلوك أخيرا أكله في أول أوسكار لديكابريو، ونولان هو معروف من قبل الجميع كمخرج عظيم عبر تقديمه لأفلام كثيرة مثيرة للاهتمام. في الواقع، نولان جنبا إلى جنب مع تارانتينو هم من المخرجين القلائل الذين يمكن أن ينتجوا عملا أصليا حقا، وأفلاما ناجحة من مثل "The Godfather" أو "The deer Hunter"، هذا النوع من الأفلام لا يحصل على الكثير من الإقبال. بدلا من ذلك، كل ما نحصل عليه هذه الأيام هو أفلام مثل "The Transformers" و "The Avengers"، أفلام خالية من الإبداع السينمائي وبعيدة كل البعد عن الروح الفنية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.