شعار قسم مدونات

عهد التميمي.. هي الحكام لا أنتم!

blogs عهد التميمي

كل من شاهد منظر الصغيرة عهد التميمي وهي تواجه جنود الاحتلال بكل شجاعة، لا بد أن يشعر بالخجل من نفسه، لقد أخجلتنا جميعا، ما فعلته يعبّر تماما عن حال الكثير من الشعوب العربية التواقة للحرية، حجم الغضب والتحدي في صرخاتها هو نفسه في دواخل كل الشباب العربي الحر، الفرق فقط أنها لم تجد من يكبته فأفرغته على جنود الاحتلال وأشفت غليلها وغليلنا جميعا.

هي عهد التميمي صاحبة السبعة عشر ربيعا، ابنة بلدة النبي صالح غربي رام الله، فمند صغرها عُرف عنها شجاعتها في الذود عن أرضها ضد جنود الاحتلال، وكونها في طلائع المسيرات المناهضة للاحتلال وسياساته، بجسدها النحيل استطاعت القاصر عهد أن تصبح أيقونة الانتفاضة الفلسطينية، خاصة بعد انتشار مقطع فيديو لها وهي تصفع جنديين من الاحتلال، الظاهر أن تلك الصفعة لم تكن صفعتها فقط، بل صفعة شعب عربي كامل في وجه الاحتلال، الأمر الذي جعل الإعلام الإسرائيلي يشن حملة مسعورة عليها أدت إلى اعتقالها فجر الثلاثاء 19 ديسمبر من قبل عشرات الجنود وسط صمت عربي مخجل للأسف، وبعد أيام فقط على اعتراف الرئيس ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل.

كلنا انتظرنا بقليل من الأمل والكثير من الغضب ردة فعل حازمة من الأنظمة الإسلامية والعربية خاصة بعد هكذا إعلان، إذ إن لا شيء يبرِّر كل هذا التقاعس من الدول العربية اتجاه القدس، على الأقل كنا ننتظر طردا للسفير الأمريكي، استدعاء للسفراء العرب من واشنطن، قطع العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا وإسرائيل كأوراق ضغط قد تجعل أمريكا تتراجع عن قرارها، لكن القادة خانوا العهد، أو بعبارة أدق خانوا العهدين، عهد الوفاء لأولى القبلتين، والعهد الثاني هو الذي تمثله عهد التميمي التي تعبر عن صرخة شعب فلسطيني يستنجد بأخوته العرب.

لربما نحن من علينا الاستنجاد بعهد التميمي فنحن الأسرى وهي بما فعلته ستبقى حرة للأبد. هي وآلاف القابعين في سجون الاحتلال، ومن ما زال يقاوم سواء بالحجارة أو بالقلم أو بصوته
لربما نحن من علينا الاستنجاد بعهد التميمي فنحن الأسرى وهي بما فعلته ستبقى حرة للأبد. هي وآلاف القابعين في سجون الاحتلال، ومن ما زال يقاوم سواء بالحجارة أو بالقلم أو بصوته
 

لقد أوضح قرار ترمب وبما لا يدع مجالا للشك أن القدس لا تُعدّ أولوية لدى الحكام العرب في الوقت الراهن، هذا إن أغمضنا العين عن بعض التقارير الخارجية التي تؤكد تواطؤ بعضهم في هدا القرار، الشيء الذي لم يعد مستغربا حاليا لدى الشعوب، فالذي باع الوطن لن يغلى عليه بيع المقدسات الدينية، لقد سقط القناع أو هو فقط استمر بالسقوط عن الكثير ممن صدّعونا بالخطابات العنترية، فالبيانات الاستنكارية والتنديدية لم تعد تفي بالغرض حاليا وسط وعي الشارع العربي، فمن شاهد حجم المسيرات الشعبية التي خرجت في كل بقاع العالم العربي، اتضح له أن الحكام أصبحوا يسابقون الزمن لمسايرة شعوبهم وحتى للركوب عليهم.

لقد استطاعت الشعوب أن تتجاوز أنظمتها في التعبير عن غضبها ومدى استعدادها للدفاع عن مقدساتها الثابتة، الجيل الجديد من الشباب العربي مع كل الظروف التي مر منها ولا يزال، أصبح يتخلص شيئا فشيئا من هواجس الخوف والخضوع التي كانت تسيطر على الوضع في السنوات السابقة، تلك الهواجس التي كانت تتغذى منها وعليها الكثير من الأنظمة المحلِّية للحفاظ على مصالحها وضمان استمرارها.

 

لقد ظهر جليا أن من كان يكبت الشعوب هي بعض الأنظمة نفسها وذلك تحت ضغط خارجي، فهي التي تمنعها أولا من التحرر من عديد القيود التي تشل من حركتها، هي التي تشكل العقبة أمام النهضة وتستثمر في تخلفها، وهي التي تشكل عائقا نحو الوحدة العربية. فالشعوب متحدة أساسا، إلا أن ما تفتقر إليه هذه الشعوب في الوقت الراهن هو قائد ملهم ونخبة من الوطنيين من مختلف المجالات التي تحمل المشعل وترسم الطريق بكل استقلالية ووطنية، وإلا فلا سبيل إلى التحرر من هذه الأوضاع والسعي مستقبلا نحو تحرر كامل يشمل استرجاع القدس وكامل فلسطين.

عبارة "آسفين يا فلسطين احنا كمان مستعمرين" أضحت واقعا مريرا للأسف. لربما نحن من علينا الاستنجاد بعهد التميمي فنحن الأسرى وهي بما فعلته ستبقى حرة للأبد، هي وآلاف القابعين في سجون الاحتلال، ومن ما زال يقاوم سواء بالحجارة أو بالقلم أو بصوته أو غيرها من أشكال المقاومة، من رفض الخضوع وأصر على نُبل القضية، هؤلاء فقط من يستنشقون نسمات الحرية ويعيشونها، هؤلاء فقط، وبمعنى من المعاني، هم الحكام الحقيقيون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.