شعار قسم مدونات

السلم والسيسي

blogs السيسي

في أغسطس 2013، وخلال لقاء له مع قيادات الجيش والشرطة والرموز الإعلامية للدولة، قال الجنرال عبد الفتاح السيسي "لا والله مش حكم عسكر ولا فيه أي رغبة وإرادة لحكم مصر، عايز أقول لكم شرف إننا نحمي إرادة الناس أعز عندنا وعندي شخصيا من شرف حكم مصر، أقسم بالله على ذلك، شرف حماية الناس وحريتها في اختيار ما تشاء وتعيش كما تشاء أعز وأشرف عندي أنا أقسم بالله من حكم مصر"، وقد اعتبر الكثيرون وقتها أن ذلك إعلانا منه بعدم الترشح لرئاسة الجمهورية، إلا أن التاريخ كان له رأي آخر، لتثبت صحة المقولة التراثية "من كثر حلفه كثر كذبه".

 

خلال الشهور التي أعقبت عزل الرئيس السابق محمد مرسي، أكد عدد كبير من قيادات الجيش أن السيسي لن يترشح للرئاسة، وكان منهم المتحدث باسم المؤسسة العسكرية نفسه واللواء أحمد وصفي وغيرهم ممن قالوا إن ترشح السيسي سيعني أن تحرك الجيش ضد حكم الإخوان كان انقلاباً عسكرياً دافعه الرئيسي الطمع في الحكم. ورغم كل هذا الكلام المعسول انطلقت الحملات الإعلامية المدوية تردد على مسامع الناس ضرورة وحتمية ترشح السيسي، والتي اتضح بعد ذلك أن من يقف وراءها ويحرّض عليها بكيفية مباشرة هو السيسي نفسه عبر مدير مكتبه في وزارة الدفاع، ثم في رئاسة الجمهورية، اللواء عباس كامل، والذي جلجل صوته في التسريبات وهو يخطط ويوجه لتلك الحملة الإعلامية الهستيرية.

 

مع كل يوم تقترب فيه الانتخابات الرئاسية يشتد جنون السيسي وأجهزته أكثر وأكثر، وكلما ظهر منافس محتمل له على العرش توجهت ضده المدافع وأعلن عليه الحرب في التو واللحظة

وعقب تلك الحملة اجتمع المجلس العسكري للبت في قرار ترشيح الجنرال لرئاسة الجمهورية، وهو الاجتماع الذي شهد اعتراض بعض أعضاء المجلس وانقساماً حاداً بينهم، إذ كان أبرز المعارضين لهذا القرار الفريق عبد المنعم التراس، قائد سلاح الدفاع الجوي -والذي تمت إحالته للمعاش مؤخراً- وفق ما أكدت مصادر عسكرية مقربة من المجلس وقتذاك، ثم انعقد اجتماع أخر بعد ذلك بأيام وافق خلاله المجلس على قرار الترشيح، وقيل حينذاك إنه تم الاتفاق على تعيين التراس رئيساً للأركان خلفاً لصدقي صبحي، الذي سيتولى منصب الوزير خلفاً للسيسي -وهو ما لم يحدث وتم تعيين اللواء محمود حجازي-ليُصبح السيسي في النهاية رئيساً للجمهورية.

 

وبعد سنوات عجاف مؤلمة من حكم السيسي دفعت الناس إلى الترحم على حكم الإخوان ومبارك الذين ثاروا ضدهم، لا يزال البعض يردد أن السيسي لا يفكر في الترشح مرة أخرى وأنه من الوارد أن يخرج معلناً عدم رغبته في الاستمرار في الحكم أو أن يحدث ذلك بضغط من المؤسسة العسكرية التي لا يُرضي بعضَ مراكز القوى فيها أداءُ السيسي في حكم البلاد، وتكليفه لها بمهام شاقة وتحميلها أعباء فوق أعبائها، ما يدفعنا إلى الللسؤال "بأمارة إيهْ؟"..

 

فمع كل يوم تقترب فيه الانتخابات الرئاسية يشتد جنون السيسي وأجهزته أكثر وأكثر، وكلما ظهر منافس محتمل له على العرش توجهت ضده المدافع وأُعلنت عليه الحرب في التو واللحظة، فأُحيل خالد علي على المحاكمة بتهمة ملفقة ومفبركة من طبال عباس المفضل، وشنت باقي الأبواق العباسية حملة ضروساً، تشويهاً وسباً واتهاماً، لأحمد شفيق بعد لحظات من إعلانه الترشح للانتخابات؛ تلك الأبواق التي كانت تطبل وترقص له ليل نهار حينما كان مرشحاً في 2012، ثم تم التنكيل بالعقيد أحمد قنصوة في محاكمة لا تتمتع بالحد الأدنى من العدل، إذ حُكم عليه بالسجن لمدة ست (6) سنوات لإعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية مرتدياً الزي العسكري، على الرغم من أن التصرف نفسه قام به السيسي عام 2014 ولم يُحل على المحكمة ولم ينطق أحد ببنت شفة حينذاك،بل خرج القادة يباركون فعلته ويؤيدون إعلانه!

سخرت جهود الدولة بأكملها لقتل وسجن وتعذيب عشرات الآلاف خوفاً من أن يقترب أحد من هذا السلم، عشرات الملايين يصرخون اليوم من الفقر الذي يتجرعوه من يديك ومن فسادك وظلمك
سخرت جهود الدولة بأكملها لقتل وسجن وتعذيب عشرات الآلاف خوفاً من أن يقترب أحد من هذا السلم، عشرات الملايين يصرخون اليوم من الفقر الذي يتجرعوه من يديك ومن فسادك وظلمك

"اللي أنا شفته إن النظام السابق خد الديمقراطية سلم يصعد به للسلطة، طيب زق السلم وقعه، لا ده خد السلم معاه فوق، أنت ها تحكم إذا رضي الناس بحكمك طالما الناس راضيين عن أدائك، طالما الناس قابلينك، لكن تحكم وتقهر إرادة الناس، ده ربنا سبحانه وتعالى إدّى للناس حرية اختيار عبادته من عدم عبادته، عارفين يعني إيه؟ يعني خيّرهم يؤمنوا أو لا يؤمنوا، ويوم القيامة كل واحد يدافع عن اختياره، وإنت عايز تحكمني ومتصور معاك الحق والحقيقة".

 

هكذا تحدث السيسي عن سنة واحدة حكمها محمد مرسي، وبعد أن صعدت أنت الآخر على السلم يا سيادة الجنرال ماذا فعلت؟ سخّرتَ جهود الدولة بأكملها لقتل وسجن وتعذيب عشرات الآلاف خوفاً من أن يقترب أحد من هذا السلم، عشرات الملايين يصرخون اليوم من الفقر الذي يتجرعونه من يديك ومن فسادك وظلمك، ثم من جديد أطلقت حملة لجمع التوقيعات لدعوتك للترشح من جديد تم خلالها إجبار العاملين في الدولة على التوقيع رغماً عنهم، أتظن أن هذا النصب لا يزال يدخل رأس أحد؟

 

نحن نعرف أن الحفاظ على السلم هو شغلك الشاغل وأكبر طموحاتك في الكون والذي فرطت من أجله في أرض مصر وانبطحت للعدو الصهيوني وحلفائه وغيرهم، ونعرف أنك تعرف أننا نعرف، ولكن تأكد من أن هذا السلم لن يدوم وسيكون مصيرك مثل مصير من سبقوك من الطغاة في الدرك الأسفل من سلة مهملات التاريخ، ولكن علينا ألا ننخدع بألاعيب الأجهزة ونتعلق بالسراب وندرك الصورة جيداً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.