شعار قسم مدونات

لن ألتقي بصحفي إسرائيلي!

Blogs- journalism

قبل أشهر قليلة، كنتُ أعدّ بحثاً حول "التغطية الإعلاميّة الفلسطينية والإسرائيلية لضحايا حرب غزة الأخيرة عام 2014م، دراسة مقارنة بين صحيفة هآرتس الإسرائيلية والأيام الفلسطينية"، وجّهت لي مُشرفتي انتقاداً بنقص زاوية المقابلة لصحفيّ إسرائيليّ، ويتوجب عليّ فعلها كي يكون بحثي المقدّم لجامعة أوسلو كاملاً، آنذاك قلتُ لها: "لن ألتقي بصحفيّ إسرائيليّ".

  

كان إقناعُ المُشرفة التي اتّسمت بالصرامة صعباً للغاية، فحسبَ معاييرها مهنيّة الصحفيّ في أيّة مادة يقدّمها التوازن ما بين الطرفين في طرح وجهات النظر جميعها، لكن ما بين فكرة التطبيع مع الاحتلال الاسرائيليّ ومهنيّة الصحفي الفلسطينيّ مسافة صغيرة، فصاحبُ القضيّة خاصّة في منطقة نزاع وحربٍ يتوجّب أن يفكّر بالعقل والعاطفة على حدّ سواءٍ.

 
اندلعت مواجهات ومظاهرات عدّة بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب القدس عاصمة لإسرائيل في محافظات فلسطين كلّها أدت لاستشهاد وإصابة العديد، هل قدّم الإعلام الفلسطينيّ الأحداث كما في صحافة الاحتلال الإسرائيليّ؟ كيف تعاطى الإعلام الفلسطينيّ مع حكايات الشهداء والجرحى؟ وهل كان نشر أسماء المصابين والفيديوهات أداة سهلة للاحتلال الإسرائيلي ليصلَ لكلّ ما يريد؟ صحافة الاحتلال الإسرائيلي الناطقة بأكثر من لغة، كانت الأذكى بإيصال رسالة للخارج بإدعائها أن الفلسطينيين مجرمون بوسائلهم المتعدّدة المدروسة والمخطّطة لها جيّداً رغم أنّ المذابح التي اقترفوها شاهدة أكبر عمّا فعلوه لكن الصوت الفلسطينيّ لم يصل بشكلٍ صحيح بسبب الثغرات التي عانى منها الإعلام الفلسطينيّ بشكلٍ عامّ، وصحافة المواطن خاصّة على مرّ سنوات عديدة حتى الآن.

 

تحتوي الصفحة الفيسبوكية الرسمية التابعة للناطق بلسان جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على ما يقارب مليون ومئتي ألف متابع، ينشر أفيخاي الأحداث الجارية في فلسطين مستعيناً بالآيات القرآنية، غير أنّه يتابع ما ينشر في الإعلام الفلسطيني ويعلّق عليه، على سبيل المثال: ما حدث عند نشر فيديوهات لأحد جنود الاحتلال الإسرائيليين يسرق التفاح من إحدى بسطات مدينة الخليل، فنشر أنّه تم معاقبة السارق بالسجن، بغض النظر عن مدى مصداقيته المشكوك بها إلا أنّه تمكّن من الردّ بتخطيط جيّد خاصّة أنّه موجّه للإعلام العربيّ، ولعلّ كثيراً ممّن ثقافتهم في القضية الفلسطينية سطحيّة سيصدّقون ما يكتب.

 

أهم ما يحتاجه الصحفي، خاصّة الموجود في منطقة نزاع، أن يتعلّم لغة عدوّه كي يستطيع تحليل ما وراء الحدث ثمّ مقارنته بما كتب الطرف الآخر
أهم ما يحتاجه الصحفي، خاصّة الموجود في منطقة نزاع، أن يتعلّم لغة عدوّه كي يستطيع تحليل ما وراء الحدث ثمّ مقارنته بما كتب الطرف الآخر
 

أما الصفحة الفيسبوكيّة التابعة للمنسّق الإسرائيليّ تحتوي على ما يقارب مئتي ألف متابع، ينشر من خلالها الصورة الحسنة عن جيش الاحتلال الإسرائيلي من خلال توزيعهم للحلويات على الأطفال، أو التقارير التي تظهر تعاوناً ما بين الفلسطينيين أو الإسرائيليين أو من خلال نشر فيديوهات لفلسطينيين يتمنّون إزالة المنع الأمني ليتمكنّوا من العمل في الداخل المحتلّ. الدعاية الإسرائيليّة (البروباغندا) التي يستخدمها إعلام الاحتلال الإسرائيليّ خاصّة عبر منصّات التواصل الاجتماعي المتعدّدة بصفحاته الناطقة باللغة العبرية من شأنها أن تُوجد حالة من التناقض لمن لا يتابع الإعلام الفلسطيني من حالات الاعتداء والاعتقالات المتكرّرة، لا زلت أستغرب من المعجبين بهذه الصفحات والمتفاعلين معها، أعتقد أنّ تفريغ هذه الصفحات من المشاهدة حاجة ملحّة.

 
فيما يتواجد في موقع الصحف الإسرائيلية أرشيفٌ خاصّ للمتابعة باللغة الإنجليزية، المتابع للإعلام الإسرائيليّ يلحظ كيف ينشر الاحتلال الإسرائيلي قصصه معتمداً على إظهار الجانب المأساوي لحالة المقتول منهم، بتصويره بين أحضان عائلته فرحاً جداً بهم، ثمّ عرض قضية قتله ليصوّر الشعب الفلسطينيّ بالمجرم المتعمّد، ثمّ يأخذ زاوية علاجه للأطفال الفلسطينيين خاصّة والمرضى بشكل عام ليصور للخارج أنهم رغم ذلك يقدمون العلاج الكامل للشعب الفلسطيني!

 
لعلّ أهمّ ما يحتاجه الصحفي خاصّة الموجود في منطقة نزاع، أن يتعلّم لغة عدوّه كي يستطيع تحليل ما وراء الحدث ثمّ مقارنته بما كتب الطرف الآخر، لكن في فلسطين تحديداً هناك قصور كبير بتعلّم اللغة العبريّة، حيث يوجد شخص أو شخصان باستطاعتهما ترجمة الإعلام الإسرائيلي بلغته الأصلية، ونقله للقرّاء مع تواجد نسبة قليلة ممّن يتابعون الترجمة أو يهتمّون بها، لذلك نجد فجوة كبيرة بين الصحافة الفلسطينية وصحافة الاحتلال الإسرائيليّ.

 

هناك حاجة هامّة في تدريب الصحفيين خاصّة المتواجدين في مناطق الحروب حول التغطية وبثّ المواجهات بطريقة صحيحة لا تؤثر عليهم
هناك حاجة هامّة في تدريب الصحفيين خاصّة المتواجدين في مناطق الحروب حول التغطية وبثّ المواجهات بطريقة صحيحة لا تؤثر عليهم
 

أمّا الصحافة الفلسطينية رغم بثّها موجات كاملة على مدار الساعة إلّا أنّها أخفقت بزاوية الأخلاقيات الإعلامية بنشرها صور الشهداء لحظة وفاتهم بأوضاع صعبة للغاية، فيما أحبّ بعضهم السبق الصحفيّ فنشر أسماء المصابين والجرحى في المستشفيات ليكونوا رهن الاعتقال في السجون الإسرائيلية لاحقاً، كما انتشرت فيديوهات لنساءٍ يساعدن طفلة من يد مجنّدة إسرائيلية، ما لبثنا أن سمعنا باعتقالها من الاحتلال الإسرائيلي اليوم التالي. برزت صفحات إعلامية فلسطينيّة اهتمّت بالحدث ونشره بشكلٍ جيدٍ كما "لمّة صحافة" التي تُعنى بنشر التقارير والأخبار والصور بدقة كبيرة، وتهتمّ بالأخلاقيات الإعلامية وإيصال القضية الفلسطينية باللغتين العربيّة والإنجليزية بعد التأكد من مصداقية الحدث.

  
لا يزال يعاني محرّرون عدّة من عدم امتلاك صفات الصحفيّ المدقّق لصحّة الخبر الذي يراعي الأخلاقيات الإعلامية قبل نشر أي محتوى صحفيّ، مع اهتمامهم بكتابة منشورات مثل: "ما هي أكثر أكلة تفضلها"، في خضم الأحداث والمواجهات التي تستدعي تكثيف حجم التغطية من إعداد مقابلات خاصّة، ونشر قصص تظهر حجم الوجع الفلسطينيّ، والمأساة التي يتعرض لها الفلسطينيون.

 
هناك حاجة هامّة في تدريب الصحفيين خاصّة المتواجدين في مناطق الحروب حول التغطية وبثّ المواجهات بطريقة صحيحة لا تؤثر عليهم، وأيضاً الاهتمام باللغة الانجليزية وتقويتها لنشر أكبر محتوى بلغاتٍ عدّة لإيصال ما يحدث داخل محافظات فلسطين بشكل أكثر، ودحض ما يُنشر في صحافة الاحتلال الإسرائيلي مع ضرورة توعية المواطنين بعدم نشر أسماء الجرحى والمصابين، والتمّهل ريثما يكون الخبر منشوراً من صفحات رسمية حتى لا يكون الجريح شهيداً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.