شعار قسم مدونات

في القدس نساء يعلِّمنَ الأمة رجولةَ الميادين

blogs نساء الأقصى

في القدس نساءٌ يعلِّمن الأمة رجولةَ الميادين لا رجولةَ الشوارب، رجولةَ الشهامة في الدفاع عن القدس المحتلة؛ التي ماتت على عتباتها مروءةُ الكثيرين؛ بدءاً من حكام خلعوا ثوب عروبتهم وإسلامِهم، مُروراً بشبابٍ ورجال يترنّحون في ملذّات الحياة؛ والذين كان شعارُهم (للبيتِ ربٌّ يحميهِ)، بلا عُدّة ولا إعداد ولا تجهيزٍ للمواجهة مع العدو؛ الذي استباح مقدساتِهم الإسلامية، واستحلَّ الحجر والشجر وحتى الأثر.

القدس تُهوَّد!، ومواطنون يُهجّرون من مدنهم وقراهم!، ومستوطنون يستحِلون أرضهم! وآلافُ المغتصبات تُبنى على أرض فلسطين، بينما يقطع جدار الفصل العنصري أوصالَ فلسطين، ويَخرج المقدسيون من تبعيتهم لبلدية القدس؛ ليَضحوا خارج الجدار كقرى تابعةٍ للضفة المحتلة، لا ينالون أدنَى حقوقهم.

وباتوا يدخلون القدس عبر هوياتهم؛ من خلال حواجز صنعها الاحتلال الصهيوني، وليس ذلك فحسْب؛ فقد بدأ الاحتلال الصهيوني قبل إعلان "ترمب" بأسابيع يُلحّنُ على أغنية جواز السفر "الإسرائيلي" والذي سيكتب فيه مواطن "إسرائيلي" لجميع من يسكنون في مدينة القدس، والذي لم يُخرجْهم جدارُ الفصل العنصري عن بلدية القدس، ومن يرفض هذا الجواز؛ لن يبقى في مدينة القدس؛ إنما سيَرحلُ إلى الضفة المحتلة ليكونَ جزءاً منها.

تهجيرٌ قسريٌّ بشكل جديد، لتفريغ مدينةِ القدس من أهلها؛ وإحلالِ المغتصِبين بدَلا منهم!، أو القبولُ بأنْ تكونَ مواطناً "إسرائيلياً"؛ مع ما يَشملُه من تبعاتٍ تمحو الهويةَ الفلسطينية!، خيارانِ أحلاهما مرٌّ؛ لكنّ المقدسينَ مضطّرونَ للقبولِ بأحدهما، ولن يكونَ الترحيل من مدنهم، ومناطق سكناهم خيارَهم يوماً، والجبال والخيام شاهدةٌ حيّة للمقدسيين الذين جعلوا منها بيوتاً لهم؛ بعدما هدم الاحتلال الصهيوني بيوتَهم الأصلية.

في القدس امرأةٌ تصنع ما عجزَ عنه رجال الأُمة في رباطها على عتبات المسجد الأقصى، تاركةً حياتها الشخصية خلفها
في القدس امرأةٌ تصنع ما عجزَ عنه رجال الأُمة في رباطها على عتبات المسجد الأقصى، تاركةً حياتها الشخصية خلفها
 

في القدس امرأةٌ تَخرج من بيتها صباحاً؛ وهي تَعلم أنها قد لا تعودُ له مساءً! حيث يتعرضون للسجنِ والضربِ والتنكيلِ بتُهمة حُبِّ المسجد الأقصى، وإقامةِ حلقات ذِكر تتجمع فيها النساء في مصاطب العلم لتعليم الفتيات، وكان لهذا الرباط تبعاتُه التي قد تكون سَجناً لأشهرٍ، وقد يمتد لسنوات، وإقامةً جبرية، وإبعاداً عن مدينة القدس، وحرماناً من الكثير من الحقوق الصحية والتعليمية.

في القدس تغيبُ الحزبية؛ ليكونَ حبُّ الوطن والدفاعُ عن المقدساتِ هو المحرّك والدافعُ الذي تشارك فيه المرأةُ والرجلُ والطفلُ والشيخُ والشابُّ على السواء، بل وتَخرج عائلاتٌ بأكملها دفاعاً عنه. في القدس تغيبُ معايير التديُّن والالتزامِ؛ حينما يكون الحديث عن القدس؛ فيَهُبُّ للدفاع عنها كلُّ من كانت لديه نخوةٌ بعيداً عن درجة تدَيُّنِه، وحتى شكلِ تديُّنِه ومظهرِه الخارجي.

 

في القدس أمٌّ هدم الاحتلال بيتها؛ بعد استشهاد ابنها؛ وهو يدافع عن القدس المحتلة؛ التي صمت على احتلالها القريبُ والبعيد، وأضحت واقعاً لا يُقبَل المِساسُ به، فجعلت من الخيمة سَكناً لها

فلا عجبَ أنْ ترى "الكوكو" يتوسط الرؤوس، ويحلُّ البنطالُ الساحل كذلك ضيفاً على ساحات مواجهةِ الشباب مع جنودِ الاحتلال دفاعاً عن المسجد الأقصى؛ لأنّ الشجاعةَ والدفاع عن الوطن رضَعَه الشبابُ مع حليبِ أمهاتِهم، مُذ كانوا أطفالاً يستمعون (لمعزوفة القدس)؛ فينامون على لحنِها وحروفها التي تملّكتْ قلوبهم وعقولهم. في القدس "مقلوبةٌ" أضحت رمزاً لتحدي الاحتلال الصهيوني، فمع كلِّ إعدادٍ لها؛ يجتمع المرابطون الذين لا يتركون مقدساتهم تستباحُ؛ وهم جالسون في بيتهم يتكئون على أرائكِهم.
  

تجتمع حبّات (الرز مع البصل، والطماطم، والبطاطس، والباذنجان) في أكلةٍ فلسطينية عُرفت منذ القِدم، تصنعها أيادٍ متوضئةٌ؛ عرفتْ أنّ للرجولة ألف معنى؛ تتمثلُ (بشهامةٍ وإقدامٍ وجرأةٍ وشجاعةٍ) وتحمُّلٍ للمسئولية، وحبِّ للوطن والمقدسات؛ جميعُها اجتمعت في نساءٍ آثَرْنَ الدفاع عن المسجد الأقصى على الجلوس في بيوتِهنَّ، وبين عائلاتهن وأزواجهن وأبنائهن.

في القدس امرأةٌ تصنع ما عجزَ عنه رجال الأُمة في رباطها على عتبات المسجد الأقصى، تاركةً حياتها الشخصية خلفها، في القدس امرأةٌ تصنع الطعام والشراب للمرابطين الذي يقدِّمون أرواحهم لها، في القدس امرأة عرفتْ أنّ قُدسَها جزءٌ من عقيدتها التي لم تفرّطْ بشيء منها مَهما كان الثمن، كما النساء في عهد رسولنا الكريم؛ فقد خرجت المرأة للقتال، ومداواة الجرحى، وسقيِ المجاهدين وإطعامِهم، ورفعِ عزيمتهم، وقال رسولنا الكريم عن "نُسيبة بنت كعب" المازنية: "ما التفتُ يمنةً ولا يسرةً إلاّ وجدتُها تقاتلُ دوني" ذلك في غزوة أُحد.

في القدس امرأةٌ استُشهدت ابنتُها ذات الرابعة عشر؛ وهي ذاهبة لمدرستها على أحد الحواجز، وأخرى أَسر الاحتلالُ ابنها؛ الذي غرّد بمنشور "أُحبُّ القدسَ ومن فيها" بتُهمة التحريض على العنف، في القدس زوجةٌ عاد زوجها محمولاً على الأكتاف؛ وهو عائد من عمله إلى البيت؛ بعد إطلاق النار عليه من قِبل الاحتلال، ولم يَجِفّ عرقُه بعدُ؛ فاختلط بدمائه الطاهرةِ.

في القدس أمٌّ هدم الاحتلال بيتها؛ بعد استشهاد ابنها؛ وهو يدافع عن القدس المحتلة؛ التي صمت على احتلالها القريبُ والبعيد، وأضحت واقعاً لا يُقبَل المِساسُ به، فجعلت من الخيمة سَكناً لها. في القدس نساء أعدْنَ صياغة التاريخ بمِدادِ دمائهنَّ وعروبتهنَّ وإسلاميتهنّ؛ بصبرٍ تَجاوز الحدود والسدود، تركنَ دفءَ البيت والعائلة؛ يتقدّمن صفوف المرابطين ليدافِعنَ عن كرامة الأُمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.