شعار قسم مدونات

القدس جوهر الصراع وقِبلة العاشقين

Blogs- فلسطين

قلتُ فور أن أعلن القضاء الأمريكي فوز دونالد ترمب بالرئاسة الأمريكية بأنه سيعري الأنظمة المهترئة على حقيقتها وانقشعت عنها وقت التوت، وأن وجوده في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية سيساهم في زيادة الوعي لدى جمهور الأمة، فلا تظنوا أن وجوده في سدة الحكم شرٌّ لأمتنا بل هو خيرٌ محض لها.

  

فالرجل ليس غبياً ولا مجنوناً ولا متهوراً كما يظن البعض هو فقط يعرف ما أسعار الرؤساء، ويدرك تماماً أحجامهم وأوزانهم؟ وعلى ما يبدو أنه مؤمن بأن الذين يَخنون شعوبهم لا يجب احترامهم إطلاقاً وعلى هذا المبدأ يتعامل مع هذه الأنظمة المهترئة الوظيفية، وفي خضم الصراعات المتناثرة هنا وهناك وبعد مرور ما يقرب من سبعة سنوات عن غياب القضية الفلسطينية عن المشهد بسبب المجازر التي ترتكبها الأنظمة البائدة في البلاد العربية المنكوبة بسبب ساستها، سيُسجل التاريخ أن الرئيس دونالد ترمب أعاد القضية الفلسطينية للواجهة من جديد.

  

لكنه لم يُدرك أن هذه الأمة المثخنة بالجراح لن تَتعافى من جراحها إلا إذا أسقطت أنظمة الردة وتلاشى من يحكمها من رعاة الشاة فهم وراء كل مصائب الأمة، والمصيبة أنه يقف في خندق هذه الأنظمة من يسمون أنفسهم بالعلماء والدعاة ويتقمصون دورهم، وهؤلاء الدعاة والعلماء وظيفتهم أن يُخدروك ويقولون لك اصلح نفسك وحافظ على صلواتك الخمس وارجع لربك وبإذن الله سيتحرر الأقصى، متناسين الإعداد المعنوي لمواجهة الأعداء ويكأن الله لم يقل في كتابه "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ".
  
وهل يعقل أن رجوعنا كأشخاص إلى الله تعالى بلا إعداد سيفيد في تغيير واقع الأمة وحالها في ظل أنظمة تُحارب كل ما يقربك إلى الله عز وجل؟ وعلى كل أبناء الأمة أن يدركوا أن من يحدثهم عن الرجوع إلى الله عز وجل والإعداد النفسي لنصرة الأمة ولا يحدثهم عن الإعداد المعنوي والتعبئة العسكرية فهو كذّاب أشر ويجب تعريته لأنه يحاول تخديرهم وتحريف الكلم عن مواضعه لتبقى الأمة ماضية في غيها وتيهها.

   

سواء اعترف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل أو لم يعترف، فإن هذا لن يغير من واقع المدينة المحتلة شيئاً وستبقى مدينة محتلة
سواء اعترف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل أو لم يعترف، فإن هذا لن يغير من واقع المدينة المحتلة شيئاً وستبقى مدينة محتلة
  

‫لقد استنكرت بما فيه الكفاية من أجل القدس، وربما كالعادة هذه هي حيلة العاجز الذي لا يَقْوى على شيء، وللأمانة فإن هذه الأمة ليست عاجزة ولديها إمكانات تؤهلها لتحرير الأقصى والمسرى والأسرى وأن تتقدّم الأمم، وهذه الأمة لا ينقصها شيء لفعل ذلك سوى حاجتها لقيادةٍ صالحة تقودُها وليس لقيادة قوادة تُقود عليها كما هو حالها اليوم، وما يؤلم حقاً أن ترى الشعوب تُصفق بحرارةٍ لمن باعوا القدس وتاجروا بدماء أبنائها وهي تدرك ذلك، والطامة الكبرى أن يتبوأ الصعاليك الذين لمعتهم الأنظمة المهترئة وفتحت لهم مجالاً واسعاً وأغدقتهم بالمال وأضفت لهم طابع الشهرة وأعطتهم حصانة وأطلقت عليهم ألقاب فخمة مثل العلّامة وسماحة المفتي وغيرها من الألقاب، وهؤلاء يعتبرون ولاة الأمر منزهين عن كل خطأ ونقيصة.

  

كما يعتبر ولاة الأمر صعاليكهم من العلماء مخلصين وما سواهم من العلماء خوارج وزنادقة ومارقة، إن العلماء الربانيون لا يُحابون السلاطين الظالمين، وإن السلاطين الظالمين يخشون العلماء الربانيين، وأن هذه الشعوب التي تُصدق الأنظمة وصعاليكها إما أنها تفتقر إلى الوعي والرشد وأشك في ذلك، وإمّا أنها تخشى من السياط التي لا ترحم فتجد بعضها يلتزم الصمت والحياد، والبعض الآخر يؤدي التحية ويقبل الأحذية بكل حرية فهذا مفهوم الديمقراطية عند الأنظمة الديكتاتور. ومن يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي يرى عجب العجاب من الجيوش الإلكترونية التي أعدادها كبيرة جداً والمجاهدون في صفوفها وظيفتهم تحقير القضية الفلسطينية وتقزيمها وبث اليأس في نفوس الأمة، ومن يقرأ تصريحات هذه الجيوش يظن أن الشعوب العربية تُعادي الفلسطينيين في قراراتهم وتقف ضد تحديد مصيرهم، وللعلم هناك دول حجم جيشها الإلكتروني على مواقع التواصل يفوق أضعاف مضاعفة حجم جيشها العسكري على أرض الواقع.

  

ويبقى ثمة سؤال هل لاحظتم كما لاحظت أنه لا يوجد أي نظام عربي قال للرئيس دونالد ترمب لن نعترف بقرارك فيما يخص القدس وسنقطع العلاقة مع إسرائيل وسنقلب الطاولة ونغير المعادلة؟ يا قومنا إن الذين يحكمونكم مشكوك في عروبتهم وديانتهم. إن هذه الأنظمة المهترئة تستنكر اليوم قرار ترمب وغداً ستصمت وبعد غدٍ ستعترف بالقدس عاصمةً للصهاينة هذا هو لسان حالها، وهي تدرك أن شعوبها شعوب شعبوية وعاطفية وفيها الحمية الجاهلية وأن ذاكرتها مثقوبة وتنسى بسرعةٍ فائقةٍ وهي أصلاً لا تكترث لها ولا تحسب لها حساباً وتدرك أيضاً أن شعوبها ستغضب أسبوعاً لا أكثر من أجل القدس وتعتبرها خط أحمر ثم تعود إلى سباتها المعهود، إن كل الأمم استيقظت من سباتها إلا أمتنا ما زالت غارقة في سباتها وسبب أن من يُقرّرون عنها ويتحكمون بأمرها لا يمثلون ضميرها ونبضها، وأن ذراعهم الأيمن من يصدرون فتاوى على مزاجهم ومقاس أسيادهم، وما زال البعض يعتبرهم قدوات.

   

ألم أقل لكم أن أمتكم أمة محتلة، وأن ما ترونه من مظاهرات هي فزعة شعبوية بلا خطة ولا رؤية ولا هدف، وما قيمة الفزعات إن لم تُبنى على نسق منظم ومخطط ومجدول؟
ألم أقل لكم أن أمتكم أمة محتلة، وأن ما ترونه من مظاهرات هي فزعة شعبوية بلا خطة ولا رؤية ولا هدف، وما قيمة الفزعات إن لم تُبنى على نسق منظم ومخطط ومجدول؟
  

ولا شك أن القدس هي بوصلة الأُمَّة، وستبقى حاضرةً في وجدانها، شاء من شاء وأبى من أبى، ومهما حاولوا أن يُشوهوا معالمها فإن ضمير الأغلبية من أبناء الأمة حيٌّ لا يموت ولا ينسى ولن يتخلى عن القدس مهما كانت القبضة الأمنية المتشددة فهذه الأمة لا تموت، وسواءً اعترف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل أو لم يعترف، فإن هذا لن يغير من واقع المدينة المحتلة شيئاً وستبقى مدينة محتلة، وكما قيل " لا يضير الشاة ذبحها بعد سلخها" ولقد أضحت القدس بقرار ترمب عاصمة لإسرائيل، وإذا كانت الدماء التي حرمتها أعظم عند الله عز وجل من القدس لم نبكي عليها، فلا تصدقوا أننا سنبكي على القدس وغيرها، بغداد سقطت ثم دمشق وبيروت وصنعاء لحقت بها وأصبحت إيرانية الهوى والمتنفس، والقدس أضحت صهيونية المعتقد، وما تبقى من العواصم العربية هي أمريكية الصنع والمنشأ، ألم أقل لكم إن هذه أمتكم أمة محتلة، وإن ما ترونه من مظاهرات هي فزعة شعبوية بلا خطة ولا رؤية ولا هدف، وما قيمة الفزعات إن لم تُبنى على نسق منظمٍ ومخطط ومجدول؟

 
ولولا الضوء الأخضر من الزعامات العربية لما تجرأ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على ذلك وقد رأت الإدارة الأمريكية بزعامة ترمب أن هذه هي الفرصة الذهبية المواتية لإعلان القدس عاصمة للصهاينة فهي لم تقف بوجه ربيع العرب وثوراتهم بالمجان وإنما من أجل هذه اللحظة وربما أكثر، وكل ما تسمعوه نقلاً عن الزعامات العربية من تحذيرات هي هراء في هراء، وكل الزعامات الكرتونية تحاول اليوم أن تسجل موقف أمام شعوبها الراكدة التي لا روح فيها ولا حراك، وهي تدرك أن ترمب سيفعل ما يراه مناسباً وملائماً لما يتماشى مع مصالح اسرائيل ولن ينظر لتصريحاتهم العبثية والهشة بأي اعتبار فهم موظفين عنده وهو سيدهم، تماماً كما هو الحال الشعوب بأنها مستعبدة والزعماء أسياد عليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.