شعار قسم مدونات

لعنة أن تكون عربيا

Blogs- egyptian man

إذا كُنت مدركاً هذه اللعنة ومُعترف بها فأنت لست بحاجة لقراءة هذا النص أما إذا كُنت ممن لم يدركوا بعد أو كُنت من أولئك الذين يفتخرون بعروبتهم ويتغنون بأمجادها فهذا النص كُتب لأجلك، أنا أكتب الآن لأول مرة بحياتي بانفعال والحروف أمامي ليست واضحة فعيوني تنزف ماء مالح، إحساس بالعجز والقهر لم يكُن هُناك أمامه سوى الصمت أو هذه الكلمات التي تُطبع حالاً.

    

في البداية ظننت أن الموقف والخيبة تستحق الصمت، الصمت فقط ولكن لم أجد نفسي إلا وأنا أكتب وأتبع قول أحمد مطر حين قال "يا قُدس يا سيدتي معذرة فليس لي يدان وليس لي أسلحة وليس لي ميدان كل الذي أملكه لسان"، رُغم أنه هُنا تبدأ أول مظاهر اللعنة حين تُدرك بأنك لا تملك إلا هذا اللسان والأدهى إذا كان هذا اللسان وما ينطقهُ من كلمات كمن يُحاول رسم خريطة بلاده بخيط دُخان سيجارته.

  
إذا كان هُناك ما يجمع العرب فعلاً فهو هذه اللعنة فقط، إذا كُنت تسأل عن تاريخ اللعنة وكيف بدأت ومتى تزول فإني وإن كُنت أملك الجواب إلا أنها ليست قضيتي الآن، القضية الآن أن اللعنة قد حلت وتجلت وأصابت الجميع، الجميع بلا استثناء ولن نتحرر منها إلا إذا اعترفنا بها وأزلنا عنا ومِنا كُل ما يُجمل الحقيقةَ أو يُلطفها أو يدعي عكسها.
    
أنا أعلم بأنك الآن ترغب بالصراخ والخروج في مُظاهرات وربما طباعة بعض اللافتات أو كتابة بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي وربما تغيير صورتك الشخصية لصورة الأقصى وإطلاق الهاشتجات وكُل هذا الذي أعذرني لم ولن يُغير شيء إلا أنه سيُريح ضميرك ويُقنعها بأنها فعلت ما بوسعها، أنا لا ألومك فهي فعلت ما بوسعها فعلاً، ولكن أليست هذه لعنة أن يكون هذا ما بوسعها فقط! لقد أخرسونا بالحروب والجوع وأنهكونا بالركض وراء الرغيف لقد شغلوا تفكيرنا بغلاء الأسعار، وسؤالنا عن وسيلة التدفئة الأوفر هذا الشتاء، وإن كُنت تسأل على من تعود واو الجماعة فاعرف بنفسك ودع لهذا النص أن يُنشر، وأظنك تعرفهم جيداً.

   

أن تولد عربياً والعرب بهذا الحال، فأنت تحمل هذه اللعنة من يوم ميلادك إلى يوم وفاتك أينما حللت في الأرض ومهما كانت ظروفك
أن تولد عربياً والعرب بهذا الحال، فأنت تحمل هذه اللعنة من يوم ميلادك إلى يوم وفاتك أينما حللت في الأرض ومهما كانت ظروفك
  

كان أمامي الكثير من الشماعات لأعلق عليها ما ألت إليه حال أمتنا اليوم وكأن هُناك الكثير من الحكومات الغربية التي من الممُكن أن أحملها المسؤولية كترمب مثلاً فهو من صرح بأن القدس هي عاصمة إسرائيل ولكم هل هو السبب فعلاً! وهل هو السبب الوحيد! وهل كان سيملك الجرأة لمثل هذا الإعلان أمام شعوبٍ غير عربية! وهل كانت هذه الشعوب سترضى بذلك أصلاً! إن هذا لإعلان ليس سببه الوحيد ترمب ولا حتى أمريكا وحدها بل هي تراكمات من المؤامرات والحكومات -العربية وغير العربية- والوعود التي لطالما شجعت الاحتلال الإسرائيلي ودعمته سواءً بالسر أو بالعلن.

    
ولا أقصد بالاحتلال احتلال فلسطين وحدها بل الاحتلال بشكله الحالي، الاحتلال الذي بارك اللعنة وجَملها وألبسها قناعاً يُداري به الخيبة والعجز كقناع المفاوضات مثلاً أو الحل السلمي أو معاهدات السلام. صدقني أنا لا أبالغ حين أقول إن أكبر ما يُمكن أن يُصيبك من المصائب هي أن تولد عربياً والعرب بهذا الحال، فأنت تحمل هذه اللعنة من يوم ميلادك إلى يوم وفاتك أينما حللت في الأرض ومهما كانت ظروفك، ومهما حاولت الهروب منها بأي طريقة كانت بالهجرة أو باللجوء فإنها سَتطاردُك رُغم كُل هذا للأسف، ستختبئ بملامح وجهك ونظراتك وحتى في رائحتك ستجد طريقتها لتبقى ملتصقتاً بك ما حييت.

   
وأنا في طريقي اليوم للبيت استمعت على الراديو لمُتصلين يهتفون بكل حرارة إن النصر قريب وأن الشعوب العربية ستثور بل وقد علق المذيع بِحماس مُخاطباً المستمعين بأن يجهزوا أنفسهم لتلبية نداء الجهاد الذي سيصدر في أي لحظة في الساعات القادمة، بالطبع وغير الضحكة التي خرجت مني باستهزاء كردٍ على ما أسمعه فإنني لا أدري فعلاً هل أحسدُهم لأنهٌم ما زالوا على قيد الأمل أم أُشفق عليهم لأنهم لم يدركوا اللعنة بعد.

     
قد يعتقد البعض أني أبالغ ولكن هذا فعلاً ما أشعُر به في هذا اليوم، غضب، خيبة، قهر، ظلم، والكثير الكثير من العجز، فأرجوكم لا تُقيدوا كلماتي فهي آخر ما تبقى لي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.