شعار قسم مدونات

ما بعد الاعتراف بالقدس "إسرائيلية"

Blogs- فلسطين

بعد أن قام الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإخراج ما في جعبته تجاه القضية التي تهم كل العرب والمسلمين بدون استثناء والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني فإنه بذلك قد أحرج زعماء وقادة العرب وغيرهم ممن يتمنون ويعيشون على بركة الولايات المتحدة الأمريكية، فهم بطبيعة الحال لا يكون في وسعهم إلا الشجب والتنديد وهذا في اعتقادي ما هو إلا فعل إرادي لما يسمى عملية حفظ ماء الوجه أمام شعوبهم وأمام خصومهم أيضاً.

 

إن هذا القرار الذي -طال أمد إعلانه- يعتبر مكسباً تاريخياً للكيان الصهيوني الذي في اعتقادي قد حقق أول خطواته وهي تطويق قبضته حول الزعماء والحكام المهتمين -افتراضيا- بالقضية الفلسطينية، بالطبع قد أضحى المفكرون اليهود يرفعون من سقف أمانيهم باعتبار الخنوع والخضوع من شيمة هؤلاء ولا دخل للشعوب في الأمر، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما ذا بعد اعتراف أكبر قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية في العالم بأن القدس هي عاصمة للكيان الصهيوني؟

 
حيث أن الإجابة على هذا السؤال يقودنا في البداية إلى الحديث عن الوضع الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية من تنافر واقتتال كل حسب توجهه وحسب انتمائه وحسب طائفته وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد بلاد الرافدين تعيش فتنة تلو الأخرى حيث ما أن تختفي فتنة الطائفية حتى تظهر فتنة الانتماء السياسي وغيرها من الفتن الأخرى على غرار اليمن وسوريا وليبيا، وما تعيشه بعض البلدان العربية الأخرى من اضطرابات متفاوتة الحجم كما هو الشأن في تونس أو في مصر حيث لا تجد هم المواطنين إلا التمني بالهدوء والسلم والشعور بالاطمئنان والحرية التي كانت تطفو على هذه الدول.

  

وما حدث بالجزائر خلال العشرية السوداء أو الحمراء كما يحلوا للبعض أن يسميها إلا دليل على ذلك فالشعب لا يريد أن يتدخل كثيراً في عملية إصدار القرار -حتى وإن كانت من أهم مقومات الديمقراطية هو أن الشعب أساس كل قرار يهمه- بل تجد المواطنين وخاصة ممن عاشوا تلك الفترة بكل ما تحمله كلمة عيش من معنى لا يريدون التفوه بأي شيء سلبي يخص القرارات السيادية أو التي -افتراضياً- تهم مصالح الشعب بل يريد فقط أن يكون هناك مجالا للحرية المزعومة وللشعور بالأمن.

 

يجب أن نقاوم بالدرجة الأولى، ولا نُقدم تنازلات على ما هو ملك لجميع العرب والمسلمين ونؤمن بأن
يجب أن نقاوم بالدرجة الأولى، ولا نُقدم تنازلات على ما هو ملك لجميع العرب والمسلمين ونؤمن بأن "قدسنا" إسلامية عربية قلباً وقالباً
 

إن قرار الرئيس الأميركي قرار سيادي يخص دولته فقط، لكن كان من الأجدر على حكامنا أن يقولوا كلمة رجل واحد وأن يردوا بالرفض المبين، آخذين في حسبانهم كل المسئولية الملقاة على عاتقهم لكن هيهات من حدوث هذا الفعل، حيث أصبحت الشعوب تستنكر وتمتعض من هذا القرار بل أصر المواطنون على المواجهة وأن هذا القرار ما هو إلا الشرارة التي تنبئ عن حرب ضروس تجاه الكيان الصهيوني لكن بطبيعة الحال كل هذه الأفعال والانفعالات تدون في صفحات "الفيسبوك" و"التويتر" وغيرها من الوسائط الاجتماعية الأخرى.

 
ألم تعلم الشعوب العربية الإسلامية أن الكيان الصهيوني ماضٍ في مخططاته شاء هؤلاء الحكام أم أبوا لأنه ينطبق عليهم المثل القائل: "من أكل التبن يخاف من النار" والمثل القائل "الفم المغلق لا يدخله الذباب"، وبالتالي اعتنق الزعماء والحكام العرب وغيرهم سياسة الشجب والتنديد والامتعاض من وراء الجدران، وقبل هذا كله أضن أن هذه الشعوب الإسلامية قد تغافلت عن الآية 120 من سورة البقرة حيث يقول الله تعالى في محكم تنزيله: "وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ".

  

حيث يقر التاريخ حقيقة هذا الأمر وأن هؤلاء اليهود لن يرضوا إلا بعدما ينبطح هؤلاء الحكام والشعوب تماماً لمختلف القرارات والاعتداءات التي يتم تقنينها وإعطائها الشرعية الدولية، لكن لا يجب أن تتوقف الميولات التوجهات الشعبية عند هذا الحد، أقصد ما قام به المجاهدون الجزائريون أيام الثورة الاستدمارية الفرنسية من بطولات يشهد لها التاريخ وكيف قدم النفس والنفيس لا لشيء إلا لعلو راية الإسلام وأن تعيش الجزائر حرة مستقلة حيث من أهم مبادئه: ما أخذ بالقوة لا يسترد ولا يسترجع إلا بالقوة.

 
يكفينا تغني بالعيش السلمي ومبدأ حسن الجوار مع الكيان الصهيوني التي يقرها بعض الزعماء والساسة العرب، إلى متى ونحن ننتظر ظهور شخصية قيادية تتمتع بالكاريزما التي توحد جميع الآراء وتقود أمال الشعوب العربية وتحقق لها النهضة التي سُلبت منها؟ لا ينبغي علينا البكاء على الأطلال وانتظار من يجفف لنا الدموع، لم تكن صفحات الأنترنت يوماً ما ساحةً فعليةً للحروب والمعارك بل الميدان هو الفيصل في هذا، تغذية أرضنا بالدماء الزكية الطاهرة، حيث يجب أن نثور فحياة أو ممات، قد يتساءل البعض ويقول كيف يمكن تخيل حدوث هذا؟ أو هذا شيء يبقى في المخيلة فقط ولا يرقى لأن يُجسد على أرض الواقع لكن دائماً نحن نقول أن الوقت لم يفت، وأن الأمم والشعوب لا يزال بمقدورها إحياء تلك الروح المطلوبة لمواجهة الكيان الصهيوني ولإسكات أفواه المتشدقين بقضية التطبيع وكأن الكيان الصهيوني أمر لا بد منه.

  
وفي الأخير لا يسعني إلا أن أرفع يداي أدعو الله وأطالب بأن نقاوم بالدرجة الأولى أنفسنا، ولا نُقدم لها تنازلات على ما هو ملك لجميع العرب والمسلمين وبالتالي نؤمن بأن "قدسنا" إسلامية عربية قلباً وقالباً، وأنه مهما حيكت المؤامرات من حولنا لأجل زعزعة الاستقرار ولأجل زرع نار الفتنة بين أفراد الشعب الواحد فإننا سنبقى كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.