شعار قسم مدونات

على مفترق الحياة!

blogs - walking alone man rode way

الحياة مسرح الأبدية، المخرج فيها هو التقدير الإلهي الحكيم الأعلى والكاتب هو الدهر الماهر المتنفذ، تعطينا المجال لاختيار دورنا مرة واحدة دون العدول عنه، مرة واحدة لاختيار الطريق الذي سوف نسير فيه وتذكرةً للسفر بإمكانية الذهاب دون الإياب ووقتًا لا تمنح غيره للتزود والتحضير والإعداد.. بعد ذلك تبدأ المسيرة التي لا تنتهي إلا بمعرفة المصير المجهول الذي خلقنا من أجل معرفته أو المحاولة على الأقل.

 
كم مرةً شعرتَ أنك أمام اختيارين أو أكثر.. اختيارات إن ذهبتَ مع أحدها سوف يتحول دربُك وتتغير بوصلتك؟ كم مرةً وقفت حائرًا مندهشًا لا تستطيع اتخاذ القرارات لأنك لا تعلم أيها الأنفع والأصلح؟ إن هذه الحيرة التي تعتريك من أهم عوامل التشويق في المسرحية، حبسُ الأنفاس وصداع الرأس والخوف من المستقبل وتأثيرات الماضي السلبية والحنين المر والوجد القاتل والعيون المسهدة كل هذا وأكثر مطلوبٌ منك لإتقان دورك والحصول على مكانة محترمة تمكنك من اعتلاء المنصة!

 
لقد جاءتني فكرة هذا المقال وأنا أقرأ في القرآن الآية الكريمة التي تقول "وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ" إن مبدأ مفترق الطرق هو الأساس لبداية الحياة، مفترق طرق بين الشك والإيمان، بين الكره والمحبة، بين الأنانية والتضحية وبين الحياة للذات والحياة للآخرين، هل سألتَ نفسك يومًا ما الذي كان سوف يحدث لو أنك اخترت تخصصًا جامعيًا آخر غير الذي اخترت؟ لو أنك لم تقرر أن تتخلص من أشواك قصة حب مستحيلة كانت تدميك؟ لو أنك لم تكتب قصيدتك الأولى وتلوح للكون بيديك لأول مرة؟ كان بوسعك وقتها ألا تفعل.. كنت قادرًا على الاختيار أمَا وقد فعلت فلن تملك قدرة العدول عن قرارك، هكذا اذن ستمنحك الحياة فرصةً واحدة وأنت المسؤول عما سيحدث.. ستضعك أمام مفترق طرق ولن تقول لك شيئًا ولن تقدم لك ترف الأدلة وسوف تتوه تمامًا ولن تجد في الظلام الدامس إلا نور شمعةٍ باهت يبعثه قلبُك.

 

undefined

 
ولو أخذنا عدة أمثلة مشهورة من تاريخ البشرية والتي كانت فيها الإنسانية على المحك سنجد أن شخصا أو جماعة من الأشخاص كانوا واقفين على مفترق طرق، فهذا الخليفة أبو بكر الصديق كان يومًا أمام خيارين أول ما تولى أمور الحكم.. فإما محاربة المرتدين وإما تأجيل الحرب إلى أجَل تكون فيه شوكة المسلمين أشد، كم كان وعرًا مفترق الطرق ذاك أمام سيدنا الصديق! لكنه اختار طريقًا وتحمل المضي فيه وتصبر أمام أهواله العظيمة إلى أن وصل بالدولة الراشدة إلى بر الأمان لقد اختار الحرب وحمى نواة الدولة الناشئة وعزز هيبتها ونفوذها.. ماذا لو لم يفعل؟ هل كان وصل الإسلام إلى ما وصل إليه اليوم؟ هذا مثال من ملايين الأمثلة التي كان فيها الإنسان أمام طريقين واختار طريقًا غير فيه مجرى مسيرة البشرية.

 
وهؤلاء هم الثوار الفلسطينيون الذين أطلقوا أول رصاصة ضد العدو، حين شكلوا لجنة ثورية عليا وصوتوا على قرار بدء الثورة، بالتأكيد كانت الأعصاب على أشدها وكانت الأنفاس الحارة ترتقب القرار الذي سيغير وجه الصراع العربي الإسرائيلي إلى الأبد وسيجعل اللاجئ الواقف أمام مكتب تموين الأنوروا مقاتلًا يفرض قراره في ساحة السياسة الدولية.. وهكذا فكل الأحداث العظيمة التي حصلت في التاريخ وسوف تحصل ما هي إلى طريق اختاره شخص أو مجموعة أشخاص وأنهوا فتنة الخيارات وغوايتها العظيمة.

 
ستصل يومًا يا صديقي إلى حيث لا يمكنك الذهاب أبعد، سيكون عليك التغير من أجل المواصلة سيطلب منك القدر تغيير راحلتك أو التزود أكثر بالمعرفة أو الصبر أو الزهد أو الثورة.. إنه شعور مخيف أعلم ذلك، شعرتُ به تمامًا حين أقلعتْ بي الطائرة قبل ثلاث سنوات من مطار هواري بومدين في العاصمة الجزائر إلى فلسطين مرورا بمصر، تركت ورائي والديّ وإخوتي وشعوري بالحياة الكاملة، كنت وحيدًا بعيدًا تائهًا أمام طريق جديد كليًّا، في البداية لم أدر كيفية السير لكنني تغيرت كثيرًا وفهمت متطلبات الطريق الجديدة، لن أزعم أنني نجحت تمامًا في اجتياز مفترق الطرق لكنني على الأقل لم أبقَ ساكنًا في مكاني، ومن هنا أوصيك يا صديقي العزيز إذا وجدت نفسك يومًا ما أمام مفترق طرق.. أولًا عليك ألا تقف مكانك في أي حال من الأحوال، ثانيًا اتبع قلبك فهو الدليل الوحيد المتاح في العتمة التي سوف تعم سماءك، استمع إلى صوت روحك لأنه سيكون حاديَ خطواتك الثقيلة وأنت تخرج من المستنقعات التي زجت بك الحياة إليها، ثالثاً.. لا تبتئس ولا تقطع الأمل، وقاتل حتى النهاية واعلم أن كل الطرق ستؤدي إلى النهاية لكنك مطالب بأن تتخذ الطريق الأجمل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.