شعار قسم مدونات

قضية فلسطين.. كي الوعي لم يُفلح بعد

مدونات - فلسطين

لطالما تندرت أنا ومجموعة من الأصدقاء على مصطلح "معركة الوعي" الذي تستخدمه القوى السياسية المختلفة لتحاول أن تجعل الوعي بتصوراتها ومفاهيمها معركة يجب على الجمهور خوضها، وأن ما عدا هذه التصورات والمفاهيم يُعد وعيًا زائفًا في وجهة نظرهم، والطريف في الأمر أن غالبية المرددين لهذا النوع من المصطلحات في الأزمات السياسية لديهم تصورات "عكاشية" تعج بالتفسيرات المؤمراتية لكل شيء في أي اتجاه.

  
إلا إنني أجد الشجاعة لأقول: أنا لا أتفق في رأيي الساخر بشأن هذه المعارك الوهمية فيما يتعلق بمعركة القدس الأخيرة التي انطلقت عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مدينة القدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني. إذ تجد أن هذه المعركة وتبعاتها وردود الأفعال عليها قائمة بالفعل على ما يُعرف بـ "كي الوعي" للشعوب العربية والإسلامية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إذ أنه في ذروة سنام التطبيع مع الكيان المحتل من قبل الأنظمة العربية، ظن ترامب وحلفاؤه في الشرق الأوسط أن هذه المرحلة هي الأضعف على صعيد وعي الشعوب العربية بالقضية الفلسطينية، بعد تراكم وتفاقم الأزمات الداخلية في المنطقة بما يصرف الأنظار عن المحنة الفلسطينية، لذا ربما كان الإسراع بهذا القرار الأخير.

  
والملاحظ أنه قبل هذا القرار على مدار السنوات الماضية أخذت حملات التطبيع السرية والعلنية في الاشتداد، وحملات أخرى لتسويغ هذا التطبيع، وقبيل القرار الإجرامي الأخير بأيام انطلقت دعاوى تطبيعية مجهولة مع الاحتلال على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وانطلقت لجان إلكترونية عربية للهجوم على القضية الفلسطينية بصورة غريبة ولافتة، ناهيك عن تشويه المقاومة بكافة تياراتها ليل نهار في وسائل الإعلام.

  undefined
 
هذا الاستهداف المجتمعي المتراكم إنما مقصده الأول والأخير هو استساغة عملية الإجهاز القادمة على بقايا القضية الفلسطينية عبر ما يُعرف بصفقة القرن، تلك الصفقة المشبوهة التي تتسرب الأنباء المختلفة عنها، في حين تتفق جميع التسريبات حولها بأن هدفها الرئيسي هو تصفية القضية الفلسطينية بتسوية بين الأنظمة العربية والاحتلال الإسرائيلي تحت مظلة أمريكية، دون وضع أي اعتبار للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، أو للتضحيات التي بذلتها الشعوب العربية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

 
ليفاجئ الليكود العربي الذي تم تدشينه مع محور وأد الثورات العربية أن مرحلة "كي الوعي" العربي لم تفلح بعد مع شعوب المنطقة، التي انتفضت رفضًا لقرار الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لأعدائهم، رغم سياط الأنظمة المسلطة على ظهورهم، التي لولاها لربما شهدنا انتفاضات تاريخية عدة في العواصم العربية والإسلامية.

 
في الغالب هم ظنوا أنها "لحظة تاريخية" داخل أحلك فترات التاريخ العربي مع هذه الاستبداديات فوجب استغلالها بتمرير مخططات شيطانية بلا معارضة أو صخب، إلا أنه وبشكل عملي بحت ربحت الشعوب في هذه الجولة "عدم الاستسلام" وإعلان نبض الحياة رغم الإجهاز الاستبدادي على روح هذه الشعوب.

ويكفي شعوب هذه المنطقة فخرًا ما جاء على لسان عدوها:

"أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام ليست زعماء الدول التي تحيط بنا بل هي الرأي العام في الشارع العرب"

(رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو)

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.