شعار قسم مدونات

القدس.. الخذلان الأخير!

blogs القدس

فجأة انتفض العالم العربي على قرارات ترمب التي اتخذها بتوقيعه على أن القدس عاصمة لإسرائيل، وكأنهم لا يعلمون عن أمريكا شيئاً، أو كأن ترمب قادم من كوكب أخر غير أمريكا، لكنهم لا يعلمون أن ترمب يمثل أمريكا الحقيقية التي سفقنا لها في موضع أخر وبقرارات أخرى. في الواقع أن ترمب لم يأتي بهذا القرار، ولم يسنه بل وقع عليه. هذا القرار الإداري سنه وأجازه مجلس النواب الأمريكي في عام 1995 ورفع القرار للرئيس كي يوقع عليه ويصبح تنفيذي، وواقعاً.

بمعنى أن القرار ليس من وحي خيال ترمب، ولم يكن من بنات أفكاره إنه قرار الدولة الأمريكية التي يعمل لديها ترمب. الإعلام الليبرالي يريد أن يربط ما بين ترمب والقرار حتى يخرج المنظومة الحالية التي تدعو لعدم سلب حقوق الأخر الذي نختلف معه من المأزق الأخلاقية التي تعيشها عندما يُوقع القرار. للأسف هنالك إعلام عربي ركب هذه الموجة موجة تحميل ترمب وجهة "القباحة" لكن الحقيقة هي أن ترمب مجرد مرأة يعكس الوجه الحقيقي للأمريكان.

أما المأزق الذي تعيشه الأمة العربية هو أن ليست لديها قيادة موحدة وهذا واضح ربما أكثر من وضوح الشمس، ولا توجد دولة عربية مركزية تستطيع أن تفعل توازن على المدى اللحظي، أو على الأقل أن تتبنى الغضب الذي يسود في الشارع العربي.

undefined

إن أكثر الدول تديناً في الظاهر أصبحت أكثر من تحفر في فخاخ القضية الفلسطينية بسبب الحفاظ على عرش الحاكم، وأصبحت أيضا تضغط على أصحاب القضية المرابطين في أقصاهم أن يتنازلوا عن حقوقهم. فيبقى هنا سؤال لماذا الحُكام العرب يخشون أمريكا؟ في السابق كان الثلاثي (أمريكا – بريطانيا – فرنسا) يمثل قمة التطور العلمي والصناعي، والعسكري، وأن بريطانيا وفرنسا هما قوى الاحتلال الذي كان يسيطر على الأرض العربية الإسلامية فكان نفوذها في الحُكام قوي جدا، وكان الحكام يُصنعون في هذه الدول من قبل أجهزة مخابراتها.

ثم لديهم الآلة إعلامية قوية تستطيع تجيش العالم لما يريدونه هم، خصوصا تلك الدول التي ليست لديها اهتمام بالقضايا العربية فكان حكامنا خوفا منهم فقدان الحكم والامتيازات التي تتوفر لهم أن يقفوا ضد هذه الدول العظمى بقوتها الاقتصادية والعسكرية فيتم تبديلهم بأخريين أشد حباً وإخلاصاً لأمريكا وقوتها الاحتلالية. أما الآن لقد تغير الوضع ولم تعد الصناعة حكراً على هذه الدول، ولم يعد العالم مغلق كما من قبل وظهرت دول أخرى لديها الصناعة والتكنولوجيا وليست لديها ذات الحماس لإسرائيل كما هو الحال لدى القوة الاحتلالية التي ذكرتها فلماذا يخشون أمريكا حتى اليوم؟

يجب علي الرئيس محمود عباس وقف المفاوضات العبثية والمتوقفة أصلاً، وإيقاف التنسيق الأمني الذي يقوم به مع حكومة الاحتلال الصهيوني

لقد أتت فرصة ذهبية كان لنا أن نستقل فيها بقراراتنا المصيرية، وأن نصنع نهضتنا باختيار قادتنا الذين سيصنعون النهضة بالتعاون مع شعوبهم، لكن قد تكالب على هذه الفرصة حُكاما منّا أكثر حرصا على حكمهم من سيادة أوطانهم وشعوبهم، وأكثر طاعة من الأخرين لأمريكا فأجهضوا الموجة الأولى من فرصة النهوض، موجة الربيع العربي التي توقف قطارها، ثم عاد إلى مصر وليبيا واليمن وتونس محطة الانطلاقة، لكن فليعلم هؤلاء الحُكام أن من في داخل القطار لم يترجلوا بعد من متن قطار التغيير. الآن هنالك فرصة مواتية لهؤلاء الحُكام، إن أرادوا أن يستردوا كرامتهم وكرامة شعوبهم ويصبحوا أبطالاً. تتكون هذه الفرصة من ثلاثة خيارات يجب تطبيقها تباعاً وأن يُتخذ قرارها في اتفاق تام.

الأول: أن يتخذ الرئيس محمود عباس وقف المفاوضات العبثية والمتوقفة أصلاً، وإيقاف التنسيق الأمني الذي يقوم به مع حكومة الاحتلال الصهيوني.

الثاني: أن يعتبر أبو مازن أن اتفاق أوسلو لم يكن، أي أن كل ما تم التوقيع عليه في اتفاق أوسلو غير ملزم للشعب الفلسطيني، ولا يترتب عليه أي شيء أخر؛ ثم يتخذ قرارا أخر هو حل السلطة الفلسطينية والعودة إلى إحياء منظمة التحرير الفلسطيني وإن لم يعلن الكفاح الجماهيري فلا يحول بينه وبين الشعب الذي يتوق لذلك الكفاح. إن اتفاق أوسلو لم يأتي لو لم تكن منظمة التحرير تحمل السلاح فكانت خطة الاحتلال والولايات المتحدة تجريد المنظمة من سلاحها.

الثالث: إعلان كل من مصر والأردن إلغاء اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة إن لم تتراجع أمريكا عن قرارها؛ هذه القرارات إن اتخذت بشكل متوافق وجاد وبدعم الدول العربية والإسلامية ستشكل هزة في الغرب والإدارة الأمريكية.

أما بقية الدول التي ليست لديها تماس مع فلسطين يكون مهمتها في توفير الدعم والصمود للمقاومات والشعب الفلسطيني وحينها لن تستطيع كل دول العالم فعل شيء لأن الحرب باردة دون مشاركة فعلية من هذه الجيوش، وسيستعيدون ثقة شعوبهم فيهم وسيصبحون أبطالا للتاريخ. لكن الواقع لا يشير إلى ذلك بل سيتركون القدس وحدها تقاوم، وسيصبح هذا الخذلان الأخير للقدس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.