شعار قسم مدونات

أن تتزوج مثقفة.. عن معايير اختيار شريكة الحياة

Blogs- read
لستُ من هواة مهاجمة الرّجل الشّرقي، أو بعبارة أكثر دقّة، لم أعُد من المتحدّثين بقضية الرّجل الشّرقي والتهجّم عليه، ولست من مناصري صفحات التواصل الاجتماعيّ المتحيّزة سواء للمرأة أو للرجل والتي تزيد الهوّة السّحيقة بينهما بدلا من محاولة ردمها، بدلا من محاولة الأخذ بالعلاقة إلى مستوىً جديد أكثر تحضّرا بعيدا عن الحروب الافتراضيّة والحقيقية التي لا طائل منها، ولكن من الملفت للنظر الجدل الذي أحدثته ومازالت تحدثه صورة انتشرت لفتاة تركيّة تقوم فيها بتقبيل يد زوجها، وفي صورٍ أخرى تتنقل الفتاة نفسها بين غرفٍ أقرب إلى غرف الألعاب بألوانها وذوقها "الباربيّ" من الغرف الحقيقيّة الأكثر صخبا وفوضى التي نعرفها ونعيش بها!
 
لستُ من مدّعي الثقافة، ولكنني أميل شخصيّا وصراحةً إلى الرّجل المثقّف والمرأة المثقفة، ولكن قراءة الصّور بطريقة شرقيّة تجعل الرجل يقوم بعملية تصنيف تلقائية للمرأة بين امرأة مثقفة وامرأة غير مثقفة أو تقليدية هو أولا تصنيف للفتاة صاحبة الصور بأنها مثال للفتاة التقليدية غير المثقفة المحببة إلى قلب الرجل الشرقيّ، ولست واثقة من الإهانة المبطنة للاثنين في هذه الحالة، ومن جهة أخرى تصنيف لكل فتاة لا تقوم بتقبيل يد زوجها بأنها تميل إلى كونها فتاة مثقفة عنيدة مغضوبا عليها بالضرورة.
  
ولكن صديقي الرجل الشرقي، إذا أردت أن تُقبّل يدك امرأة حقّا، بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، بعيدا عن مواقع التواصل الاجتماعيّ، بعيدا عن الصورة الاجتماعية الأقرب إلى عالم الأحلام من الواقع، إذن عليك أن تتزوج امرأة مثقفة، المرأة المثقفة التي تعرف ماذا يعني الرجل حقا، في الوقت الذي تعرف ماذا يعني أن تكون هي أنثى كذلك، المثقفة التي لم تعتمد على أحاديث نساء الحيّ في مصادرها كيّ تقوم بتعريف الرجل والرجولة والمرأة والأنوثة، المثقفة التي تعرف أن حبّ الرجل ثقافة، وأن أنوثتها معه ثقافة، وأن علاقتها مع الرجل جزء لا يتجزأ من ثقافتها، يضيف إليها ولا يأخذ منها، تعرف كيف يكون الحديث مع رجل، والحب مع رجل، والوفاء لرجل، تعرف كيف تحادثه فكرا وجمالا وحبا، وكيف تُقبّل يديه وروحه فكرا وجمالا وحبا، وليس بطريقة نساء الحيّ اللاتي تتعاملن معك ومع أنفسهن كمجرّد أجسادٍ فارغة من كلّ شيء آخر.

 
المرأة المثقفة، تعرف تماما أن المثالية في لا مثالية الأشياء، ستتوقع منك دائما الأقل، ليس لأنها لا تحبّك، بل لأنها تعرف كيف تحبّك، لأنها لا تحتاج إلى الكثير كيّ تقتنع بحبّك
المرأة المثقفة، تعرف تماما أن المثالية في لا مثالية الأشياء، ستتوقع منك دائما الأقل، ليس لأنها لا تحبّك، بل لأنها تعرف كيف تحبّك، لأنها لا تحتاج إلى الكثير كيّ تقتنع بحبّك
 

صديقي الرجل الشرقي، صدّقني تعرف المرأة المثقفة تماما معنى المنزل الذي تنبعث منه رائحة الدفء، تعرف كيف تصنع من أجلك الكعك الطّازج، وربما تساعدها أنت بعمل العجين مثلا، ستتلون أيديها بلون الشمندر أثناء صناعة المخللات، وربما ترى أنت في مشاركة التجربة إضافة ما، ستقومان بعمل الأجبان معا من الحليب الخام، والكاتّو من مقاديره البسيطة، ستعرفان معا كيف تُصنع الروائح التي تشي بالدفء والحب، دون أن يُنقص ذلك من رجولتك أو ثقافتها شيئا، وفي الوقت نفسه، تماما في الوقت نفسه، ستكون أنت لوحتها الأجمل العصيّة على الرسم، وكتابها الأجمل العصيّ على الكتابة، وقضيّتها الأجمل التي تتمسّك بها في وجه الجميع مهما حدث، ستجد نفسك مخبئا دائما بين أوراقها وكتبها، متواجدا في زاوية ما في اجتماعاتها وأحاديثها، أنت جزءٌ دائمٌ وأساسيٌّ من الهدوء والصّخب والعواصف التي تعصف دائما في رأسها!
 
لن يكون الأمر مثاليا دائما، ولكنك لن تحتاج أن تقول ذلك إلى امرأة مثقفة، هي تعرف، تعرف تماما أن المثالية في لا مثالية الأشياء، ستتوقع منك دائما الأقل، ليس لأنها لا تحبّك، ليس لأنك لست أهلا للكثير، بل لأنها تعرف كيف تحبّك، لأنها لا تحتاج إلى الكثير كيّ تقتنع بحبّك، ستقدّس القليل منك، ليس لأنها تحتاجه، بل لأنها تعرف مدى عمق التفاصيل البسيطة بينكما مهما كانت، ستثق بك، ليس لأنك أهل للثقة، بل لأن الثقة ثقافة والوفاء ثقافة، وحين لا تكون أهلا للثقة والوفاء ستعرف أين الخطأ، ستعرف أنها لا تحتاج أن تحزن من أجل شيء خاطئ، قم بخيانة امرأة مثقفة، وسترحل عنك بأقل قدر من الضوضاء والضجيج!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.