شعار قسم مدونات

فاتكم القطار

Blogs- syrian
في ضوء التطورات المتسارعة على الساحة السورية والإقليمية، أصبحت النظرية الذي تحيّر الكثيرين هي، إذا تم استهداف الكعبة المشرفة بصاروخٍ حاقدٍ وتمّ اعتراضه، وفي ذات الوقت سقط صاروخٌ حاقدٌ على حيٍّ آمنٍ يقطنهُ أبرياء مسلمون في سوريا، وقتلهم جميعاً، وكان بإمكان راعية المسلمين "السعودية" أن تتحرّك في جهة واحدة فقط، فهل يا ترى تتحرّك بكافّة الوسائل لأجل المسلمين الأبرياء الذين تم قتلهم في منازلهم للمرة الألف على التوالي؟ أم تتحرّك، دبلوماسيّاً، لأجل صاروخٍ حلّبيّ تم صنعه في ذات الدولة التي تستحمّ صباح مساء بدماء السوريّين؟
   
فإذا تحرّكت لأجل ما لم يغيّر على الأرض شيئاً، نظراً لتكرار الحادثة، فهي لم تعُد راعية وحامية وممثّلة المسلمين، ف (لأن تُهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم)، ولأنّ (من آذى مسلما بغير حق فكأنما هدم بيت الله) ولأنّها لم تنبس ببنت شفة منذ وقت طويل عمّا يجري بحقّ السوريّين العُزّل، بل وتحاول جاهدةً منع "فصائل المعارضة" من الاقتراب من العاصمة دمشق، وإذا تحرّكت من أجل من سقط قتيلاً على يد المجرمين الذين تُعاديهم، نظريّاً، فلماذا بعد سبع سنوات ولماذا بعد مليون شهيدٍ ومثلهم من المعتقلين وأضعافهم من المهجّرين؟
  
لا أحاول هنا أن أُقبّح قادة السعودية أو سياستها تجاه المسلمين، ناهيك عن سياستها في سوريا، ولكن هل أصبح الدين الإسلامي الحنيف الذي رسم خطوط السياسة الصالحة لكل زمانٍ ومكان، هل أصبح قديماً ولا يتناسب مع القرن الحادي والعشرين؟ مع هذا القرن الذي يلهث فيه الغرب والشرق لضرب الإسلام قبل أتباعه! أم أنّ الانتساب للإسلام المذبوح بات بحاجةٍ للانفتاح على عادات الغرب بحيث يتم فتح الباب الواسع لإقامة حفل لموسيقيّ مشهور ولا يتم فتح أضيق الأبواب للاجئين سوريّين ضاقت بهم الأرض؟
 

كسوريّين طالبنا بالحريّة لجميع المظلومين وليس الفوضى لكل العالم، وطالبنا بالكرامة في وطننا وليس بالقهر في دول اللجوء، وتمنينا وحدة المصير مع كل العرب وليس الالتفات كلّ إلى مصالحه
كسوريّين طالبنا بالحريّة لجميع المظلومين وليس الفوضى لكل العالم، وطالبنا بالكرامة في وطننا وليس بالقهر في دول اللجوء، وتمنينا وحدة المصير مع كل العرب وليس الالتفات كلّ إلى مصالحه
 

بمعنى آخر، هل نصرة المسلمين أصبحت إرهاباً؟ أم أنّها تحتاج لضوء أخضرٍ أمريكي أو روسيّ؟ لربما، أو بالأحرى هو كذلك، أنّ الدول جميعها التي تسمّي نفسها مسلمة هي آثمة لأنّها تنأى بنفسها عمّا يحصل للمسلمين في اليمن وسوريا وغيرها، ناهيك عن القضية الأسمى، فلسطين، وكل ذلك يندرج، بحسبهم، تحت مسمّيات اخترعها أعداء الأمة، كسيادة الدول وحدود الفصل إلخ. بينما يحقّ لأولئك الأعداء أن يتجاوزوا هذه المسميات تبعاً لمصالحهم أنّى شاءوا، وعلينا عندها فقط أن نقول "آمين".

  
نحن كسوريّين نحسّ بكسر القلب كلّما حصل أمرٌ سلبيّ مع أيّ فردٍ أو جهةٍ تمثّل المسلمين، وذلك لأنّه يمسّنا كبشر أولاً، وخصوصاً عندما يتحوّل هذا الأمر لشماتة بعض الشعوب بنا وازدرائنا دون تمييز، فما بالك بميليشيا تستهدف أطهر بقاع الأرض! وما بالك بمحتلّ صهيونيٍّ يحصل على شرعيّته أكثر فأكثر بفضل تشرذمنا وعدم تقاطع مصالحنا، وكلّ ذلك على حساب الفلسطينيّين والمسلمين الذين يتوقون لهواء الأقصى! وما بالك بآلافٍ من شرذمة الأرض يدنسون أرض الشام، أرض المحشر؟
  
وكسوريّين أيضاً، طالبنا بالحريّة لجميع المظلومين وليس الفوضى لكل العالم، وطالبنا بالكرامة في وطننا وليس بالقهر في دول اللجوء، وتمنينا وحدة المصير مع كل العرب وليس الالتفات كلّ إلى مصالحه وميوله وداعميه، وأنكرنا الطائفية والمناطقية والقتل ولم نهدّد دولةً أو شعباً أو طائفةُ أو أقلّيّة، فنحن سوريّون، فلماذا تدخّل العالم بأسرهِ لمحاربتنا والوقوف بجانب القاتل، بينما لم نرَ إخوةً لنا تعبت ألسنتهم من عبارات المناصرة والتهديد للأسد، وفي ذات المشهد أيديهم تربّت على كتفيه تكريماً لصنيعه في قتل المنادين بحريّة الشعوب، ولماذا تُعقدُ المؤتمرات و الجلسات لأجل سوريا ورعاتها ليس فيهم من يتكلّم بالعربية؟
  
جميعهم على حقّ، فالشعب السوريّ لا يقطن في المنطقة العربية، والمسلمون في سوريا هم أتباع ديانةٍ شبيهة بالإسلام، والثائرون السوريّن يريدون شرق أوسط جديد، وذلك لأنهم يقطنون في الجنة، ويدينون بالوحدانية، ويريدون شرقاً خالياً من الديكتاتوريات والظلم والقهر والتبعية للغرب، ولهذه الأسباب لم تتدخل السعودية لإيقاف المذبحة بحقهم ولن تتدخل، ولهذه الأسباب لن تتدخّل دولة عربية أو مسلمة، ولو أنّ القذافي على قيد الحياة اليوم، لأعادوه لسدة الحكم حتى يستهزأ بهم في اجتماعات القمم العربية الساذجة، وكي يقول لهم، وليس للشعب الليبي: "فاتكم القطار".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.