شعار قسم مدونات

وكأن جورج أورويل بيننا

blogs - جورج أوريل

ولد جورج أورويل عام 1903 في ولاية بيهار الهندية لأسرة من الطبقة المتوسطة. جورج أوريل الاسم المستعار، أو اللقب للصحافي والروائي والسياسي البريطاني إريك آرثر. كتب أورويل في النقد والشعر والصحافة في القرن العشرين، ومن أشهر أعماله مزرعة الحيوان و1984 وتم بيه ملايين النسخ منها لاحقا في القرن الواحد والعشرين. يعتبر أوريل من أعظم كاتبيِ بريطانيا منذ عام 1945، وكان متأثراً بالعدالة الاجتماعية وإيمانه بالديمقراطية والاشتراكية وكان معارضاً بشدة للحكم الاستبدادي والشمولي.

ما يهمني أكثر بعيداً عن حياته الشخصية وأثناء قراءتي رواياته وتحليلها وأهمها مزرعة الحيوان و1984، ألهمني بعض كلام الشخصيات في رواياته التي رأيت من كلامهم ما هو مناسب جداً للواقع العربي الذي نعيشه

فمثلاً في رواية 1984، على لسان وينستون سميث، يقول: "إلى المستقبل أو الماضي الى الزمن الذي يكون الفكر فيه حراً طليقا، إلى زمن يختلف فيه الأشخاص عن بعضهم البعض ولا يعيش كل منهم في عزلة من الاخر، إلى زمن تظل الحقيقة فيه قائمة ولا يمكن لأحد أن يمحو ما ينتجه الأخرون."

هذا الكلام هو وصف دقيق للأمة لنقيسه على الواقع العربي الآن ولن نقيسه على الواقع الغربي الذي كان يعاني في عصور الظلام وما بعدها من فترات مشابهة حالياً للواقع العربي. فترى في بلادنا إن الفكر ليس حراً طليقاً، فالمفكر سواء كان مفكراً سياسياً أو دينياً فهو ليس حراً بتاتا حتى لو كان لا يعارض دستور البلاد الذي أمّنت له حرية التفكير والاعتقاد في أغلب دول العالم! فالمفكر في الوطن العربي أخطر من الفاسد واللص والمتحرش!

فالمفكر لا يمكن أن يتسامح معه فإما أن يقتل أو يطرد من موطنه الأم، أما اللص أو المتحرش أو الفاسد يُسجن بضع سنين، ولأن المفكر يرى من جهة أخرى لا يراها أصحاب الفكر المنغلق والمتطرف فلهذا يُهاجم دائما، ومن المستحيل في وطننا العربي أن يصبح حراً طليقاً

ابحث في التاريخ طولاً وعرضاً!

ويتحدث سميث أيضا عن الاختلاف، فالمختلف والمتميز باختلافه يعيش منعزلاً؛ لاختلاف مثلاً لونه وإيمانه ومعتقداته وفكره. اختر ما تشاء هذه الدول الفقيرة فكرياً تعمل ذلك التمييز أما الدول الغنية بالفكر المتطور والإنساني لا توجد مثل هذه الهمجية والتمييز. ويقول أيضا سميث إلى الزمن الذي تضل فيه الحقيقة كاملة. سأقول كما قال أستاذي المفكر العراقي، عبد الرزاق جبران: "إنها البشرية دائما تخيط ثوبها بالمقلوب.

لا توجد حقيقة لا تمحى ويختبأ خلفها الكذب في كل حضارات ودول العالم سابقاً أم لاحقاً. اختصر أورويل سياسات الحكومات والأحزاب الحاكمة في كل زمان ومكان وهذا ما ميزه كسياسي. وأيضا في رواية 1984، فإن البطل الذي حاول الخروج من أفكار الحزب وقُبض عليه وتم التشريع بتعذيبه، أجاب على سؤال المحقق وهو مربوط بآلة تعذيب كهربائية. 

مقولة أورويل الشهيرة:
مقولة أورويل الشهيرة: "جميعنا قادرون على الإيمان بأشياء نعلم إنها غير صحيحة، وعندما يثبت لنا أخيراً بأننا مخطئون، نعمد على لوي الحقائق."
 

إثنين زائد إثنين ماذا تساوي أجاب أربعة! فزاد المحقق من شدة الكهرباء، ثم سأله نفس السؤال فأجاب خمسة! زاد المحقق من شدة الكهرباء وسأله ذات السؤال فأجاب أربعة أو خمسة أو ستة، إلا أن المحقق زاد من شدة الكهرباء. فصرخ الرجل ماذا تريد أن أجيب لكنه لم يفعل سوى إنه أعاد طرح نفس السؤال فصرخ الرجل لست أدري، فأوقف المحقق الكهربائي التعذيب.

الذي فعله المحقق بالبطل الذي خرج عن أفكار حزبه يعكس أمور وأفكار كثيرة، أهمها:

-تشبيه المحقق بالحاكم، فهو يعرف الحقيقة لكنه يتلاعب بها على مزاجه ولمصلحته ويكذب بها.

-تشبيه البطل الذي يعذب بالمواطن، فهو الذي يخسر دائما.

وأيضا يوجد فكرة مهمة أراد تجسيدها أورويل عن طريق المحقق، ألا وهي: إن الحاكم الطاغوت لا يريد من شعبه أن يفهم ويفكر ويقول ما يفكر به ويفهمه، بل يريده صنم يردد ما يقوله الحاكم، لذا عندما قال البطل: "لا أدري"، أوقف المحقق التعذيب وهذا ما يعكس ماذا يريد المحقق من المواطن.

وحتى مقولة أورويل الشهيرة: "جميعنا قادرون على الإيمان بأشياء نعلم إنها غير صحيحة، وعندما يثبت لنا أخيراً بأننا مخطئون، نعمد على لوي الحقائق بوقاحة لإظهار أننا كنا على حق." فهذه المقولة تنطبق كثيرا على المؤمنين بتعصب في مجتمعاتنا. فعندما تُطرح فكرة علمية أو فلسفية مخالفة للمفهوم الديني، فإن رجل الدين يعمد على لوي الحروف والكلمات والحقائق لمصلحة إيمانه.

أما في رواية مزرعة الحيوان فيقول نابليون، وهي شخصية مهمة في الرواية: "لك أن تعرف كيف تبدأ الثورة على أهداف وتطلعات ونتائج نبيلة، وعند نجاحها يتغير مجراها وتصبح في صالح أشخاص ماكرين، ويبقى المتضرر الوحيد الشعب الذي يرضى بالأوهام ولا يستطيع التعبير عن رأيه."

فهذا هدف الثورات التي تتبع حزب معين أو نظام معين، لا يوجد هدف لمصلحة الشعب إنما للحاكم فقط وهذا ما يحدث في البلاد إلا أن الثورات أطاحت بالحاكم الطاغوت مثلا لكن لم تنفع المواطن وزادت بالطين البلة. هذا ما كتبه أورويل، وكأنه مشابه لما يحصل في مجتمعاتنا كأفكار أو أيدولوجيات، ومن ينكر الواقع أعتقد أنه أعمى، ولم يكن أورويل يوماً أعمى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.