شعار قسم مدونات

هل قرعت طبول الحرب في غزة؟

Blogs- حماس

يعيش الشارع الفلسطيني هذه الأيام لحظات حرجة على صراط القدس بين التصعيد المُتوقّع والتهدئة الممتدة منذ سنوات. كثير من المستجدات ظهرت على الساحة تحكمها وتتحكم بها حسابات دقيقة جدا وسلاسل من الأسباب والمسببات والنتائج، لتُبقي السؤال حاضرا وبقوة، هل من حرب جديدة أو تصعيد عسكري يلمع في أفق غزة؟

  
إنها القدس هذه المرة، وإنه إعلان ترمب المُستفز، والذي زاد استفزازه باعترافه أن هذا الإعلان جاء متأخرا، وكأنه يُلمّح إلى أن أمّة بهذا الشكل وبهذا التمزّق لا تستحق أن نُراعي مشاعرها تجاه القرارات الأمريكية فنُؤخرها ونُؤجلها. إنها القدس التي لأجلها نُقاوم، ولأجلها نجمع السلاح ونُدرّب الشباب ونحفر الأنفاق الهجومية والدفاعية ونُصنّع الصواريخ. إنها القدس، ومن للقدس إلا أنت أيها المُلثّم؟
 
هذا لسان حال المواطن الفلسطيني الذي ارتقب أمته فلم يجد منها من يُعلن عن عاصفة حزم، ولم يجد منها استعداءً لبني إسحاق كما فعلوا مع بني فارس، لم يجد البراميل المتفجرة تنهال على الأراضي العربية المحتلة فضلا عن الأراضي الفلسطينية، لم يجد قاطعي الرؤوس يقطعون الطريق على ترمب وزمرته، لم يجد الفلسطيني إلا الشاب الذي يعمل نهارا ليجد لأولاده قوتاً ولا ينام ليلا لأنّ القدس تنتظر إتمام النفق وتجهيز الصاروخ وتصنيع الطائرة وتلقيم المدفع، لم يجد الفلسطيني سوى أخوه الفلسطيني.
 
لكن هذه التساؤلات وهذه المطالبات من الشارع الفلسطيني لمقاومته التي تجد نفسها في موقف محرج أمام الناس في ظل استماتتهم لسنوات عجاف في حماية ظهرها وتمكين عودها، هي تساؤلات ومطالبات تميل إلى عاطفية الموقف وأثره في النفوس أكثر من منطقية الحدث وطبيعة وشكل الرد عليه. من الواضح أن المقاومة بحجمها الحالي وقوتها التي تعاظمت مؤخرا أصبحت أكثر عجزا من أن تستجيب لهكذا مطالب، وهذا العجز لا يأتي كونها مُحاصرة أو مهددة بسحب سلاحها كأحد شروط المصالحة المتخفية باسم تمكين الحكومة، بل لأنها أكبر وأضخم من مقاومة ردات الفعل الشعبية، فالواقع يقول إن أول صاروخ فلسطيني يحمل شعار كتائب القسام ينزل على الأراضي المحتلة سيكون بمثابة إعلان حرب قد يطول أمدها. 
     

هنية من جديد وفي جمعة النفير أجرى مقابلة مع فضائية القدس صرّح فيها أن حركته لن تكتفي بالمسيرات والمظاهرات التي تُفرّغ غضب الشارع فحسب
هنية من جديد وفي جمعة النفير أجرى مقابلة مع فضائية القدس صرّح فيها أن حركته لن تكتفي بالمسيرات والمظاهرات التي تُفرّغ غضب الشارع فحسب
 

السؤال الذي يجب أن يجيب عليه من يُطالب المقاومة برد عسكري عاجل هو: هل ستخوض المقاومة حرباً تضع من شروطها أن يتراجع الرئيس الأمريكي عن قرار نقل السفارة وأن يسحب إعلانه الاعتراف بالقدس كعاصمة "لإسرائيل"؟ يجب أن يكون لدينا وعي متوازن بين قدرات المقاومة التي تضاعفت مؤخرا، وبين حقيقة أنها ما تزال مقاومة ردع أكثر بكثير من كونها مقاومة تقدم وهجوم، ولا أدلّ على ذلك من عدم تمكنها بعد 51 يوم من الحرب على تحصيل ميناء ومطار لأهالي غزة.
 
من جانب آخر، حركة حماس المسيطرة عمليا على قطاع غزة والتي تقود محور المقاومة الفلسطينية فعليا على الأرض كان لها مواقف تدعم باتجاه التصعيد الشعبي والانتفاض الجماهيري ضد القرارات الأمريكية وجعلت قوتها العسكرية أشبه بورقة ثانية أو ظهر يحمي هذا التصعيد فلا يجرؤ الاحتلال على ارتكاب حماقات بحق الثائرين من الفلسطينيين، وهذا سيسمح بتركيز الضوء الإعلامي وتسليطه على جوهر القضية بعيدا عن حرفها من القدس إلى غزة، وسيسمح بتركيز الحراك الشعبي العربي والإقليمي والدولي باتجاه الشباب الفلسطيني بدون خوف أو خشية من الاتهام بمعاداة السامية أو دعم الإرهاب.
 
إسماعيل هنية -رئيس المكتب السياسي لحركة حماس- ظهر يوم الخميس قبل جمعة النفير للقدس في خطاب وجّهه للمعنيين في قضية القدس كان هو الخطاب الأبرز من ضمن كل الخطابات الرسمية وغير الرسمية في حينها، المُلاحَظ بين سطور خطابه أنه لمّح إلى تهيئة الشارع الفلسطيني لمتطلبات المرحلة، وأبدى استعداد حركته وكوادرها لذلك. هنية من جديد وفي جمعة النفير أجرى مقابلة مع فضائية القدس صرّح فيها أن حركته لن تكتفي بالمسيرات والمظاهرات التي تُفرّغ غضب الشارع فحسب، ولكنها أعدّت خطة استراتيجية مدروسة ومجدولة زمنيا لمتابعة الأحداث والتفاعل معها.
 
عسكريا، ولأول مرة منذ العدوان الغاشم على قطاع غزة عام 2014 يتم إرخاء القيود على الصواريخ المنطلقة من قطاع غزة من قبل حماس بهذا الشكل، وهو إن دلّ فإنما يدلّ على توافق لدى المقاومة بإظهار دعمها للحراك الشبابي الفلسطيني وإعادة تفعيل الانتفاضة واستعداد الكتائب لخوض غمار المعركة لو وصلت الأمور المتدحرجة إليها. وهو ما أكده بيان القسام الأخير عقب استهداف اثنين من أفراده في قصف لأحد مواقع الكتائب، بتركيزه صراحة على حماقة الاحتلال في فهمه لصمت المقاومة حتى اللحظة، وسوء تقديره لطريقة القسام ومن خلفه المقاومة في إدارة المعركة.
 
خلاصة الأمر أن الشارع الفلسطيني عليه ألا يُحمّل مقاومته مسؤوليات تُحرجها وتجرّها إلى قرارات لا تُحمد عُقباها، خاصة إذا كان هذا الإحراج للمقاومة مُتعمدا بسبب حسابات سياسية ضيقة تُمارس ضد المقاومة بشكل عام وحركة حماس بشكل خاص لابتزازها لتحقيق مكتسبات لا تخدم القضية الفلسطينية بحال من الأحوال. على الشارع الفلسطيني أن يمنح هؤلاء القوم ثقته المطلقة في إدارة المعركة لتحقيق أفضل ما يُمكن بأقل تضحيات أو خسائر قد يتم دفعها. وعلى الفلسطيني ألا يجعل نفسه مشمولا في بيان القسام الأخير الذي وصف فيه من لم يُقدّر صمت المقاومة ويعي أسلوبها التكتيكي والاستراتيجي في المواجهة مع الاحتلال بوصف الأرعن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.