شعار قسم مدونات

حفتر.. ولعبة استجداء السمعة

blogs - حفتر

شعب يعاني وساسة يماطلون ومليشيات تحرق الأخضر واليابس وتسرق أموال البلاد لتلميع سمعتها. على هذه الحالة تعيش ليبيا منذ سنوات.. يلهو حفتر بالبنادق والدبابات في الشرق، ويلهو الباقون بلعبة الورق راكضين وراء اتفاق تتواصل الاختلاف بشأنه بعد توقيعه منذ نحو سنتين لتتعالى الأصوات من هنا وهناك المنادية بإعلان نهاية صلاحيته.

في خضم ذلك تأتي من لاهاي أصداء الوضع في الشرق الليبي، وفي بنغازي تحديدا أين يمارس زبانية حفتر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تعالت أصوات المنظمات الدولية المنددة بها وبلغت حد دعوة الجنائية الدولية إلى القبض على أحد قادة مليشيات الكرامة المسمى محمود الورفلي، وتسليمه للقضاء الدولي بتهمة ارتكاب جرائم قتل وثقتها صور، لا وبل فيديوهات واضحة المعالم. فالرجل قتل أكثر من ثلاثين شخصا وفق ما وثق عنه، وهذا طبعا ما طفى على السطح فيما تظل جرائم أخرى قيد النسيان.

وسط ذلك كله يرنو حفتر وعائلته إلى تلميع سمعتهم في العالم عبر دفع أموال طائلة لشركات وجدت في أمثالهم فرصة لتعبئة مواردها المالية في وقت يعاني الشعب الليبي من أزمة مالية خانقة شحت معها السيولة في المصارف. صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية كشفت في مقال لها بتاريخ الثاني عشر من ديسمبر: أن الحاكم العسكري لمليشيات الكرامة عبد الرزاق الناظوري وقع عقدا مع شركة أمريكية تسمى "كي ستونز ستراتيجيك أدفايزرز" لتلميع صورة مليشيات الكرامة.

لم يتوقع حفتر، وهو القابض على الشرق الليبي بكف من حديد، أن يعيش فترة صعبة كما يعيشها الآن من ملاحقات قضائية وتقارير دولية توثق جرائمه

العقد يمتد لسنة كاملة، دفع الناظوري مستحقاتها مسبقا والبالغة 450 ألف دولار أمريكي والهدف التسويق السياسي لمليشيات الكرامة وتقديم الاستشارات والنصح لها، وتوفير الاتصالات اللازمة لدعم قوات خليفة حفتر في الشرق، ومساعدته على بناء دولة وصفتها الصحيفة بالديمقراطية. والمضحك المبكي أن الناظوري كان الزبون الأول للشركة التي يملكها مساعد أحد السناتورات الأمريكيين.

ولا تعد هذه المرة التي يكشف فيها عن عقد من هذا النوع، إذ سبق أن سربت وثائق مدرجة ضمن وزارة العدل الأمريكية تكشف توقيع خالد حفتر عقدا مماثلا مع شركة أخرى بقيمة 120 ألف دولار، مهمته التسويق لعائلتهم في الكونغرس الأمريكي ويمتد إلى غاية مارس من السنة المقبلة.

تخوفات حفتر وعائلته من الملاحقات القانونية باتت واضحة في ظل تأكيدات منظمات عدة أحقية تتبع المجرمين وآمريهم إذا ما لم يسعوا لوضع حد لهم. مخاوف كشف معالمها موقع التحقيقات الفرنسي ميديا بارت، الذي أكد منذ فترة علاقة حفتر بالمدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو، ورجل الأعمال الليبي الإماراتي الهوى حسن ططناكي.

عمل أوكامبو كمحامي لشركة "العدالة أولا" التي أنشأها حسن طاطاناكي وتحصل خلال ثلاث سنوات على 3 مليون دولار، مهمته كانت إرسال أعداء حفتر للجنائية الدولية ووضع استراتيجة تمكن حفتر من الهروب من ملاحقات المحكمة معولا على شبكة صلبة من الديبلوماسيين في نيويورك وفق ميديا بارت.

في أثناء ذلك يواصل الرجل جولاته عبر العالم مسوقا لنفسه قائد للجيش وسط استقبالات رسمية وصور تذكارية قد يندم كثيرون مشاركتهم له فيها. لم يتوقع حفتر وهو القابض على الشرق الليبي بكف من حديد أن يعيش فترة صعبة كما يعيشها الآن. ملاحقات قضائية في الطريق وتقارير دولية توثق لجرائمه ومليشياته، وليس آخر انقسامات صلب معسكره المبني أصلا دون لبنة في ظل اعتماده على النزعة القبلية في كسب حلفائه.

كثيرون يتحدثون الآن عن بدء نهاية قائد مليشيات الكرامة وإن طفت على السطح أخبار تفيد بإمكانية قبوله بمنصب شرفي شرط إنقاذه من التتبعات العدلية، تسريبات لا تنطبق على رجل يختزل بلدا بأكمله في ذاته ويجهز لتواصل مملكته عبر صف أبناءه إلى جواره دون أن يدرك أنهم سيصطفون يوما أمام العالم مكبلين بالأغلال.

إلى ذلك باتت الانقسامات تشوب خلف حفر وتشعل القبلية نار الفتنة داخله رويدا رويدا في انتظار انفراج قريب قد تنتهي معه قصة رجل أوقف مسار بلد بأكمله وبدت نهايته السبيل نحو بداية جديدة لليبيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.