شعار قسم مدونات

الانتفاضة الأولى.. نضال مشترك بين المسلمين والمسيحيين

ميدان - الانتفاضة
كانت انتفاضة الحجارة عام 1987م ردا طبيعيا على سلسلة الإجراءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، التي تمثلت في مصادرة البيوت، وسياسة الإبعاد، والاعتداء على الأماكن المقدسة، والحرمان من التعليم والسفر، والقتل والاعتقال، وغيرها. ومع قرب حلول الذكرى الثلاثين للانتفاضة الأولى، فإن هذا المقال، سيسلط الضوء على أحداث انتفاضة الحجارة في القدس، وحالة التضامن الإسلامي المسيحي، رغم الكيد الإسرائيلي.
  
انطلاق الانتفاضة

اندلعت شرارة الانتفاضة في 8 ديسمبر 1987م، ولحقت القدس بركب الانتفاضة مبكرا، ففي يوم السبت 12 ديسمبر شهدت المدينة اضرابا تجاريا شاملا، وتظاهر طلبة الكلية الإبراهيمية، ورشقوا قوات الاحتلال الإسرائيلي بالحجارة، فأطلق جيش الاحتلال قنابل الغاز على المتظاهرين. وكان من أضخم المظاهرات، تلك التي شارك فيها عشرات الالاف من المسجد الأقصى، بعد صلاة الجمعة في 18 من ديسمبر، فهاجمت بالحجارة جنود الاحتلال عند باب العامود والساهرة، وكان من نتائجها استشهاد خليل حسني بالغاز، واصابة عدد من المشاركين بالرصاص.

 
ولأول مرة في تاريخ المدينة فرضت الشرطة الإسرائيلية منع التجول على بعض الأحياء العربية، ففي 22 يناير 1988 فرض منع التجول على حي الطور في جبل الزيتون، وجلبت قوات من الجيش الإسرائيلي، وحرس الحدود، إلى القدس الشرقية، لمساعدة الشرطة؛ إلا أنها فشلت في مواجهة أحداث الانتفاضة. ويتضح هنا أن الانتفاضة التي انطلقت بوسائل بدائية جدا، تتمثل في الحجارة والزجاجات الحارقة (المولوتوف)، أزعجت قوات الاحتلال، وأرقت قيادة الحكومة الإسرائيلية، الذين ظنوا نجاح خطتهم، الرامية لسلخ القدس عن محيطها العربي، وهذا يدل أن أي شعب يملك إرادة الصمود والمقاومة، ويتمتع بوحدة وانسجام بين كافة مكوناته الدينية والثقافية والاجتماعية، يمكن أن ينتصر على بطش الاحتلال، الذي يملك القوة العسكرية والتكنولوجيا الحديثة، وكافة وسائل القمع.

  undefined

 

المقاومة المسيحية

يوم الأحد 31 يناير 1988م شهد أول مواجهة بين المسيحيين وقوات الاحتلال منذ بدء الانتفاضة، فقد أقام المسيحيون صلاة خاصة في كنيسة القيامة تضامنا مع المجاهدين، واحتجاجا على اجراءات الاحتلال، وخرجت مظاهرة نسائية من الكنيسة، فرشقن جنود الاحتلال الإسرائيلي بالحجارة، فأطلقت قوات الاحتلال نحوهن قنابل الغاز المسيلة للدموع، واعتقلت عددا منهن. وهنا نجد أن المسيحيين شاركوا في فعاليات الانتفاضة بعد أكثر من شهر ونصف من انطلاقتها، فماهي أسباب ذلك التأخير؟ هل نأى المسيحيون بأنفسهم عن الانتفاضة، أم أن مرد ذلك للظروف التي كانت تحيط بالواقع المسيحي؟ وهنا ربما يثير البعض شبهة عدم انخراط المسيحيين في الانتفاضة، ويرد عليها الأب عطالله حنا خلال برنامج "بلا حدود" على قناة الجزيرة، بقوله: "لقد قدم المسيحيون عدداً من الشهداء في الانتفاضة، وهنالك جرحى ممن أصيبوا في الشوارع، وفي المقاومة، وفي الاشتباكات، وليس فقط في بيوتهم".

 

تنوع وسائل المقاومة

تنوعت وسائل المقاومة التي اتبعها المسلمون والمسيحيون في هذه الانتفاضة، فتم التعبير عن الغضب الشعبي من خلال المظاهرات والاضرابات التجارية، وكانت أشكال المواجهة مع الاحتلال هي: الحجارة، والزجاجات الحارقة، وحرق سيارات الشرطة والمستوطنين، والمنشآت الإسرائيلية، ثم تطورت فبدأت عمليات طعن المستوطنين بالسكاكين، ووضع العبوات الناسفة. أما المقاومة الاقتصادية، فتمثلت في مقاطعة البضائع الإسرائيلية، والامتناع عن دفع الضرائب، وقد كانت البيانات هي الوسيلة الإعلامية التي يعتمد عليها المسلمون والمسيحيون في نشر أخبار الانتفاضة، وتوعية الجماهير العربية بضرورة التصدي للإجراءات الإسرائيلية، وقد كانت هذه البيانات تصدر عن لجنة التوجيه الوطني، والهيئة الإسلامية، والفصائل الفلسطينية.

 

التضامن الإسلامي المسيحي في الانتفاضة

أدرك الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الانتفاضة الدور الرئيس للمسجد والكنيسة، ولذلك بدأ بمحاربتهما،، فاعتدى على العلماء المسلمين ورجال الدين المسيحي، وعلى دور العبادة. وشهد شهر أبريل 1988م، جملة من الاعتداءات، ففي الأول من ذلك الشهر اعتدت قوات الاحتلال على الشيخ سعد الدين العلمي مفتي القدس بعد صلاة الجمعة، وفي 13 من الشهر اعتقلت عددا من حراس المسجد الأقصى، وفي 17 اقتحمت المحكمة الشرعية، وفي ذلك العام تم تقديم خطيب المسجد الأقصى للمحاكمة بتهمة توجيه نداء للمسلمين من مآذن الأقصى للدفاع عنه.

  undefined

   

ورغم تلك الاعتداءات، استمر النضال الإسلامي المسيحي، ففي عيد الفصح عام 1988م، رفع المسيحون الأعلام السوداء على أسطح البنايات حدادا على شهداء الانتفاضة، وأعلنوا أن الخطر لا يتهدد المسلمين وحدهم، وأماكن عبادتهم في المدينة. فقال القس يوحنا في كنيسة المهد: "إن القدس ستظل حزينة، وستواصل ذرف الدموع إلى أن يزال عن كاهلها الاحتلال العنصري".
 
وفي 11 نيسان أبريل 1990م، تجلت أروع صور التضامن بين المسجد والكنيسة، كان ذلك حينما تم الاعتداء على بطريرك القدس للروم الأرثوذكس مع عدد من رجال الدين المسيحيين، عندما استولى (150) مستوطنا على دار الضيافة التي تملكها كنيسة الروم الأرثوذكس (دير ماريو حنا المجاور لكنيسة القيامة)، فتضامن معهم المسلمون بإغلاق المسجد الأقصى وقبة الصخرة أمام الزوار والسياح.

 
أما موقف المسيحيين من قتل المسلمين وانتهاك مقدساتهم، فمثاله التعقيب على مجزرة المسجد الأقصى يوم 8 أكتوبر 1990م، التي ذهب ضحيتها (23) شهيدا فلسطينيا، وأكثر من (300) جريح، إذ أعلن ميشيل صباح بطريرك اللاتين، في بيان صادر عن رؤساء الطوائف المسيحية في القدس، إدانة مجزرة المسجد الأقصى، وخلق الأجواء الاستفزازية التي تقود إلى الصراع والمواجهة. وكان من بين القيادات الإسلامية والمسيحية، التي تقود الحراك المشترك: عكرمة صبري، ومحمد حسين، وعطا لله حنا، وحنا عيسى، كما أن الوفود التي تزور الدول؛ للدفاع عن القضية الفلسطينية، كانت من المسلمين والمسيحيين.

 
لم تنجح إجراءات الاحتلال الإسرائيلي في تحييد المساجد والكنائس وإبعادهما عن الصراع، وفشلت في المس بالروح النضالية للبطاركة، وفي الوقت الحالي لم تتوقف سياسة الاحتلال الإسرائيلي تجاه مدينة القدس، ومن هنا تنبع أهمية استمرار التضامن الإسلامي المسيحي، ووجود هيئة وطنية عليا؛ للدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، والتصدي لسياسة تهويد المدينة المقدسة.

__________________________________________________
 
المراجع:
أبو جابر، رؤوف، الوجود المسيحي في القدس خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.
حمدان، غسان، الانتفاضة المباركة.. وقائع وأبعاد.
حنا، عطالله، برنامج "بلا حدود"، قناة الجزيرة، 22 تشرين ثاني (نوفمبر) 2000م.
صبري، عكرمة، خطيب المسجد الاقصى المبارك ورئيس الهيئة الاسلامية العليا في القدس، مقابلة خاصة.
العضايلة، عادل، القدس.. بوابة الشرق الأوسط للسلام.
عطون، أحمد، نائب عن مدينة القدس على قائمة التعيير والإصلاح، مقابلة خاصة.
الكايد، أحمد، القدس في خضم الانتفاضة الشعبية. خلفيات وأبعاد.
منصور، هالة، المقاومة الوطنية في القدس 1918-1997.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.