شعار قسم مدونات

إن اتفقنا سننتصر

Blogs- فلسطين
اتفقنا عام 1987م عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، انتفاضة الحجر والمقلاع، فكان القرار واحد وهو مواجهة سياسة الاحتلال والتصعيد ضده بعد حادثة دهس العمال الأربعة على معبر بيت حانون، وارتقاء شهيد أول ردًا على جريمة الاحتلال حينها في معسكر جباليا. واتفقنا أيضًا عام 2000 حينما دنَّس شارون حرم المسجد الأقصى بحراسة صهيونيةٍ مشددة كاستفزازٍ لمشاعر الفلسطينيين وتحدٍ واضحٍ لردات الفعل حينها، فكانت النتيجة عكس توقعات شارون الذي راهن على الصمت العربي والفلسطيني حينها بالرغم من اتفاق أوسلو الساري مفعوله حتى يومنا هذا، فما كان من القيادة الفلسطينية بكافة أطيافها السياسة إلا أن تقود الشعب بقوة الفكر والخطاب والسلاح.
   
واتفقنا في تموز عام 2017 على توحيد الكلمة لمواجهة قرار الاحتلال بإنشاء بواباتٍ الكترونيةٍ على مداخل المسجد الأقصى، بعد موجات الانقسام الفلسطيني الذي بلغ ذروته إلى حدٍ جعل الحراك يقتصر على صاحب الفعالية والداعِ لها. سبعُ ليالٍ وثمانيةُ أيام كان الحصاد فلسطينيًا بامتياز ليدخل المقدسيون المسجد الأقصى معانقين تُرابه وساجدين على أرضه شكرًا لله، فأعلنت حكومة نتنياهو إزالة كافة أشكال الحصار عن مدينة القدس ومسجدها.
  
قرارٌ يحتاجُ لرداتِ فعلٍ كبيرة هذه المرّة وعلى كافة الأصعدة وعلى أوسع نطاقٍ عربيٍ إسلاميٍ عالمي، فقرار إعلان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترمب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب عاصمة الكيان السياسية إلى مدينة القدس المحتلة والتي أعلنها عاصمةً للاحتلال، والذي قال من خلال مؤتمره بشأن هذا الإعلان بأنه من المفترض أن تم إعلان هذا القرار منذ ثلاثين سنةٍ وأكثر، فلنترك كل ما مضى فقد آن آوان إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ليكون قرار ترمب هذا هو المسمار الأخير في عمليات السلام والتسوية الفلسطينية الصهيونية، ليحمل هذه الاتفاقيات ومن ضمنها اتفاقية أوسلو ويُشيعها إلى مثواها السياسيُّ الأخير.
   
فهذا القرار منح الطفلُ المدلل لأمريكا الضوء الأخضر في استباحة المزيد من الأراضي داخل مدينة القدس والتي تعاني بشكلٍ كبير من سرطان الاستيطان المستشري في جنباتها، عدا عن تمجيد نتنياهو لترمب الأرعن بشان قراره الحاسم بقضية القدس بعدما كنّا نتفاوضُ ونختلف عما إذا كانت القدس بكاملها عاصمةً لفلسطين أم الجزء الشرقيُّ منها، ليتباهى نتنياهو بعد إعلان الأخير القدس عاصمة للكيان ويقول بأن شهادة أخرى تثبت تاريخ القدس بأنها مِلكٌ لليهود، وآن الآوان لبناء الهيكل المزعوم بعد هذا الإعلان.
   

التوحد في هذا المشهد وهذا الوقت هو السبيل الوحيد لأن يُخلص الشارع الفلسطيني من نكسة جديدةٍ ستجعله طريح الأرضِ مرةً أخرى بعدما جعلته غير كامل السيادة عام 1967م
التوحد في هذا المشهد وهذا الوقت هو السبيل الوحيد لأن يُخلص الشارع الفلسطيني من نكسة جديدةٍ ستجعله طريح الأرضِ مرةً أخرى بعدما جعلته غير كامل السيادة عام 1967م
 

ليكون السؤال عمّا إذا كان هذا القرار كغيره من القرارات التي منحت إسرائيل السيادة الكاملة على الأراضي الفلسطينية بتصنيفاتها الثلاث بحسب اتفاقية أوسلو؟ وهل من الممكن أن تتوحد الجهود السياسية الرسمية والشعبية والعسكرية الفلسطينية للإلتفاف حول خيارات الشارع الفلسطيني الذي ينادي بحرية القدس والضفة، وإنهاء مهزلة ترمب الجديدة التي أضرارها أكثر من خيراتها على هذه الأرض؟ ولربما يكون نصرٍ جديد سيدونه التاريخ الفلسطيني بفعل سواعد مقاوميه وشبّانه المنتفضين أزاء هذا القرار الباخس.
   
الناظرُ للشارع الفلسطيني في هذه الأيام خاصة ما بعد يوم الأربعاء 6/12/2017 يوقنُ تمامًا بأن الحراك الذي سيكون من أجل إثبات الوجود ومصداقية التاريخ الفلسطيني من شأنه أن يأخذ منعطفًا آخر غير الذي سلكته السلطة الفلسطينية منذ عام 1993، فطريق القدس الذي أسرج بدماء الشهداء في الهبّة الأخيرة عام 2015، لن يبخل الشعب في تقديم المزيد على مذبح الحرية بعدما أعلنت الفصائل الفلسطينية عن انتفاضةٍ فلسطينيةٍ ثالثة تكون انتفاضة حريةِ القدسِ والضفة في آنٍ واحد، فالاستراتيجيةُ الواضحة والتي يجب اتخاذها في ظل الوضع الراهن هذا هو أن يتم توحيد الشارع الفلسطيني بكلمتهٍ وخطابهِ وردود أفعاله، دون أن يتقمص أحدًا من الفصائل دور البطل في مسلسلٍ ربما ستكون حلقاته طويلة.

  
فالتوحد في هذا المشهد وهذا الوقت هو السبيل الوحيد لأن يُخلص الشارع الفلسطيني من نكسة جديدةٍ ستجعله طريح الأرضِ مرةً أخرى بعدما جعلته غير كامل السيادة عام 1967م، فمن يريدُ أن يحمل خطاب القدس بعد إعلان ترمب عليه أن يدعو وأن يرسم طريقًا جديدًا مسرجًا بدماء الشهداء وتضحيات الأسرى والجرحى، بعيدًا كل البعد عن طريق السلام والمفاوضات التي لم تسمن ولم تغنِ من جوع طوال أربعةٍ وعشرين عامًا، فطريقُ التسوية مع الاحتلال تجعل من أمريكا صاحبة القرار في كلِّ خطوة وأطماعٍ يسعى لها الكيان الصهيوني في فلسطين.
   
فالخطوات التي يجب اتخاذها في هذا الموضع الحساس والحاسم لمصير القدس بشكلٍ خاص وللشارع الفلسطينيُّ بشكلٍ عام، هو وقف التنسيق الأمني وكافة اتفاقيات التسوية مع الاحتلال، وإحالة بنود اتفاق أوسلو الموقع في سبتمبر 1993 إلى غياهبِ الجب دون رجعة أو دراسة لبعض بنوده لما يوافق المصلحة الفلسطينية، فمن يتفق مع دولة نقضت عهد الرسول في الزمن البعيد من المستحيل أن يتوقع بأن الحال سيتغير مع كلِّ حقبةٍ زمنيّة، فهذا الاتفاق لم يجلب لفلسطين إلا مزيدٍ من السيطرةِ الاحتلالية على مناطق الضفة المحتلة والقدس، وشكَّل حمايةً واضحةً لقوات الاحتلال في شوارعها من خلال مطاردة المقاومين واعتقالهم واغتيالهم، في زمنٍ نحن أحوجُ إليهم من قبل. ليكون قرار ترمب الأخير بإعلان القدس عاصمةً للاحتلال هو مسمارٌ كبيرٌ في نعش أوسلو ونعش كافة اتفاقيات التسوية مع الاحتلال برعايةٍ أمريكية، ليتم تشيعهِ لمثواه الأخير دون رجعة إلا في حال توحدت الجهود الفلسطينية في مواجهة القرار دون تعصبٍ أو حزبيةٍ أو إحصائيات لهذا وذاك في أوج الصراع الفلسطيني الأمريكي الصهيوني، فالأرقام التي سترصدها الفصائل في نهاية المطاف لن تغير تاريخٍ إذ لم نعاصر أحداثه بشكلٍ تراتبي ومدروس.

أمريكا أعلنت هذا القرار بعد صمتٍ عربيٍ خيّم عليهم، فحالةُ الجمود عند الدول العربية بعد التدخلات الداخلية في شؤون بعضها البعض جعلت ترمب أن يعلن قراره هذا غير مباليٍ لأحد
أمريكا أعلنت هذا القرار بعد صمتٍ عربيٍ خيّم عليهم، فحالةُ الجمود عند الدول العربية بعد التدخلات الداخلية في شؤون بعضها البعض جعلت ترمب أن يعلن قراره هذا غير مباليٍ لأحد
 

أمريكا والتي تعتبر إسرائيل الطفل المدلل منذ عام 1948م سنحت لها الفرصة أن توفر كل ما يلزم لها في سبيل قيامها كدولةٍ احتلاليةٍ على أراضٍ فلسطينية، فقرارها الأخير منح من لا يملك لمن لا يستحق تمامًا كما فعلت بريطانيا قبيل مئة عام بعدما بمنحت اليهود وطنًا قوميًا في فلسطين وعلى ذات الشعار، فالأنظار ما زالت مصوبةً على محللين سياسيين مازالوا يرون قصصًا لنأخذ منها العبر دون توجيهٍ واضحٍ للقاعدة الفلسطينية بطرقٍ من شأنها أن تنقذ القدس من مغبة الاستعمار الأمريكي الصهيوني، ودون وضع مزيدٍ من النقاط على الحروف التي من شأنها أن تتحرك نصرةً للمسجد الأقصى، فقضيةُ الحراكِ على قرار ترمب في كامل بقاع الأرض وحتى في أمريكا أمام البيت الأبيض في واشنطن يجب أن يستمر وأن تتغير الخطابات كما فعل جبريل رجوب أمين سر اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية والذي بلغ بأنه لن يكون هناك استقبال لنائب الرئيس الأمريكي وأن تتوحد الجهود في مواجهة الخطر الصهيوني المدقع في القدس بعد قرار ترمب.

  
وكذلك إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والذي بيَّن أنه لا أنصاف حلولٍ إذا ما استمر الحال على ما هو عليه، وأن تكون الانتفاضة انتفاضةَ حريةٍ للقدس والضفة، وعليه تكون هذه التصريحات والخطابات هي نقطةُ تحولٍ جذريّة طامسةً معها إحدى عشرة سنةٍ عجاف من الانقسام الفلسطيني، وأن يتم توظيف هذه الخطابات في الشارع الفلسطيني المنتفض عن بكرة أبيه من شأنه أن يصنع انتصارًا جديدًا يُضاف لتضحيات الشعب الفلسطيني على مرِّ العصور وبالتحديد منذ عام 1948م، ولنضع بعين الحسبان بأنَّ أمريكا أعلنت هذا القرار بعد صمتٍ عربيٍ خيّم عليهم، فحالةُ الجمود عند الدول العربية بعد التدخلات الداخلية في شؤون بعضها البعض جعلت ترمب أن يعلن قراره هذا غير مباليٍ لأحد، خاصةً وأنه وعد الشارع الأمريكي خلال حملة انتخابه رئيسًا لهم بأنه سيكون خيرُ ناصرٍ للكيان الصهيوني وأنه سيعلن القدس عاصمة للاحتلال.
   
وأنه سيواجه خطر التهديد النووي من إيران والذي تراجع عنه حينما دخل البيت الأبيض من أوسع أبوابه، لتثبت النظرية بأنَّ من يدخل البيت الأبيض سيغير كافة تصريحاته و وعوداته مجرد الجلوس على الكرسي وخلفه العلم الأمريكي، إلا أنه لم لم يتراجع عن وعده بإعلان القدس عاصمة للاحتلال، ليكون للاتفاق والتوحد الفلسطيني في هذه المرحلة القول الفصل لقرار الأرعن ترمب، وتشيكل لوحة انتصارٍ جديدة كغيرها من لوحات الشعب الفلسطيني العظيم على مرِّ العصور.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.