شعار قسم مدونات

مديرك سلبيّ؟ غيّره فوراً

blogs مدير عمل

لا يزال عالم الأعمال يزداد تعقيداً في شقه التقني، وعلاقاته المتشابكة الواسعة، ولا يزال السلوك البشري هو المتحكم الأول والأساسي في أداء الموظفين والعاملين في المنظمات، خاصة أننا لم نصل إلى عالم متحكم به كلياً من قبل الروبوتات. وبينما يمارس القائمون على المنظمات أدوراهم القيادية، نجد كثيراً من الخلل في الممارسات القيادية، خاصة في التواصل الهرمي، من الأعلى إلى الأسفل.

 

وأكثر ما يعاني الموظفون في المستويات الدنيا من المؤسسة هو قلة التقدير والتحفيز من قبل مدرائهم، حتى في حالات الإنجاز الجزئي، إذ يركز المدراء على الإخفاقات والهفوات، ولا يلفت انتباههم حجم الإنجاز مهما كان كبيراً. وقد أثبتت دراسات كثيرة إن الموظفين يتأثرون كثيراً بتحفيز مدرائهم وتشجيعهم، وأن التقدير – مهما كان صغيراً – إلا أنه له الأثر الكبير في تحسن أدائهم وتطويرهم، وبالتالي تطوير العمل وتحسنه.

 

وفي أحد التجارب التي تمت لمعرفة سلوك البشر في ظروف معينة، قامت ناشيونال جيوغرافيك بإحضار شخصين بمستوى مهاريّ مختلف، الأول محترف في كرة السلة، والثاني لم يلعب بها بتاتاً. وقد قسموا التجربة إلى ثلاثة مراحل، في الأولى طلبوا من كل منهما أن يسدد عشر رميات، وقد كانت النتائج متوقعة، إذ أحرز المحترف تسع رميات من أصل عشرة، ولم يحرز الشخص الثاني "غير المحترف" أي رمية، ولم يكن هذا مستغرباً.

 

إن كان لديك مدير مشجع، فأنت محظوظ، وإن كان مديرك مثبِّط محبِط، فاعلم أن نصف قدراتك معطلة، وأن لديك مهارات متوقفة عن العمل وغير مستخدمة
إن كان لديك مدير مشجع، فأنت محظوظ، وإن كان مديرك مثبِّط محبِط، فاعلم أن نصف قدراتك معطلة، وأن لديك مهارات متوقفة عن العمل وغير مستخدمة
 

وأما في المرحلة الثانية، طلبوا من الشخصين وضع رباط على أعينهم والتأكد من عدم قدرتهم على الرؤية، وإنما أرادوا منهم اللعب من خلال التخمين، وتسديد ضربتين دون رؤية الهدف، ولم ينتهي الأمر عند ذلك، بل أحضروا جمهوراً وقسموه إلى قسمين: قسم مشجع، وقسم مثبط، ووضعوا الفريق المشجع مع الشخص "غير المحترف" لتشجيعه ورفع معنوياته، والفريق المثبط مع الشخص المحترف لتثبيطه والتقليل من معنوياته. وهذا ما حصل بالفعل، إذ رغم أن "غير المحترف" لم يحرز أي هدف إلا أن الفريق واظب على تحفيزه وتشجيعه على المضي قدماً وأن ضرباته كانت رائعة.

 

وأما الفريق الثاني فقد أمطروا الشخص المحترف سلبية وإحباطاً، إذ رغم أنه قد أحرز الرمية الأولى دون رؤية الهدف، إلا أنهم صرخوا هاتفين للحظ وأن هذا ليس من قدراته وإنما تحالف معه الحظ فجعله يحرز الهدف، ومع الضربة الثانية التي لم يحرزها أكدوا له صحة كلامهم في المرة الأولى، وأنها لو كانت بناء على مهارته وقدراته لكان أحرزها مرة أخرى.

 

وهنا وصلوا إلى المرحلة الثالثة والأخيرة، إذ طلبوا من كل شخص إعادة تسديد عشر رميات كما في المرة الأولى، وبدون رباط على العيون، ومع نفس الجمهور، المشجعين مع غير المحترف والمثبطين مع المحترف. وهنا كانت النتائج مبهرة ومغايرة، إذ أحرز المحترف خمس ضربات فقط من أصل عشرة (بينما كان قد أحرز تسعة من قبل)، وأحرز غير المحترف أربعة (بينما لم يحرز أي واحدة من قبل)، إذ ارتفع أداؤه 40%، بينما تدنى أداء المحترف 40% أيضاً، فقط من خلال التشجيع أو التثبيط!

 

والخلاصة، إن كان لديك مدير من الفريق الأول – أي الفريق المشجع – فأنت محظوظ جدا، ولديك نعمة يحسدك عليها آلاف غيرك، وإن كان مديرك من الفريق الآخر، المثبِّط المحبِط، فاعلم أن نصف قدراتك معطلة، وأن لديك مهارات متوقفة عن العمل وغير مستخدمة، ولا يمنعك عن استخدامها سوى التثبيط القادم من أعلى الهرم نحوك، وطريقك الوحيد لإطلاقها وتحريرها هو تغيير الموجة الهوائية المثبٍّطة والموجهة نحوك باستمرار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.