شعار قسم مدونات

الضادوفوبيا

خط عربي

في المغرب، كما سائر بلدان العرب من المحيط إلى الخليج، يقر الدستور الوطني صراحة كون العربية لغة رسمية للبلاد، إلى جانب الأمازيغية مؤخرا، بها تسن القوانين وبها تتعامل الإدارات، بها ترسل الخطابات وبها تكتب الوثائق وتؤرشَف، بها تُنزَّل البرامج وبها يخاطب الناس، الشعب، المواطنون.

لكن نظرة خفيفة في واقع البلاد يقر العكس تماما، وجولة واحدة في شوارع كُبريات المدن كفيلة بإثبات ذلك، فلولا الحفر والعوائق والبنايات المهترئة في كل ركن من الشوارع، لحسبت نفسك بمدريد أو كييف أو باريس وليس بالرباط أو فاس أو أكادير؛ فجل المكتوب بها من أسماء محلات وإعلانات ودعايات مكتوب بالحرف اللاتيني في منظر تشمئز منه العين وفي احتقار صارخ لهوية الناس، الشعب، المواطنين.

بل استفحل الأمر وتعدى مراكز المدن ليقتحم الأسوار العتيقة ويشوه المعالم التاريخية، اللهم بعض الوحدات الدينية وعلامات تأشير الطرق المحددة للاتجاهات هي الوحيدة التي تذكر المارة بأنهم في بلد عربي. والحفر والبنايات المهترئة أيضا.. فالشكر للمسؤولين الذين أبوا إلا أن يذكرونا بأصلنا العربي.

إن الإطار الصيني عندما يصمم بطاقته الشخصية يضع فيها وجهين: الأول بلغته الأم والآخر باللغة التي يفهمها العالم، وإن كانت هذا البطائق ستوزع في دول أخرى لا تفقه في الصينية حرفا

أما عن ثلة من الناس، الشعب، المواطنين، فقد اعتادت ألسنتهم على البونجوغ، والسافا، والميغسي، وهلم جرة من الكلمات التي أضحت الأصل في القاموس وما عداها دخيل، خصوصا الأرقام والتواريخ الني تكاد تنسى بالعربية، ناهيكم عن بلوى الدردشة أو الشات كما تسمى، والتي أصبح فيها القاف رقم 9 والغين رقم 8 والحاء رقم 7 والطاء رقم 6 والخاء رقم 5 والعين رقم 3، وحتى الألف المهموزة لم تسلم ومسخت للرقم 2.

فأصبحت الكلمة الواحدة متعددة المواهب تجمع بين الحروف والأرقام وتكتب بالحرف اللاتيني لتنطق بالعربي، كضرب من ضروب السحر أو فنون ألعاب الخفة التي لا يبرع فيها سوى أحفاء سيبويه والفراهيدي، وإذا كتبت لأحدهم بالأبجدية العربية فكأنك تحادثه بما لا يفهم فيبادرك: "لم تكتب بالعربية"؟ "أسُنِّي أنت أم أصبحت من الدواعش"؟

أما إذا تجرأت واستبدلت لغة نظام هاتفك الخلوي للعربية فستمسي حينها أحمقا وغير متحضر.. وغبيا أيضا، ذلك قبل أن يشل أحدهم تدفق الدم في عروقك بقوله "لا أستطيع إيجاد حسابك في الفيسبوك.. فلوحة المفاتيح عندي لا تدعم العربية".

فلماذا لا يشعر الفرد العربي بالفخر والاعتزاز باستخدام لغته الأم كما يفعل الفرنسي والإسباني والصيني والياباني؟ ولا يشعر بأنه ذاتٌ قائمة بنفسها إلا عندما يتكلم بلغة أجنبية أو يُدخل مصطلحات منها في حديثه؟ الأمم الأخرى وصل بها الاعتزاز اللغوي والتشبث بالهوية لأبعد ما يكون.

تخيلوا أن الإطار الصيني عندما يصمم بطاقته الشخصية يضع فيها وجهين: الأول بلغته الأم والآخر باللغة التي يفهمها العالم، وإن كانت هذا البطائق ستوزع في دول أخرى لا تفقه في الصينية حرفا. ونفس الشيء مع التوقيعات الرقمية بالبريد الإلكتروني.. والأمْر سِيان مع التركي والماليزي والكوري والروسي والألماني.. والإسرائيلي أيضا، رغم ان شعبهم لا يتجاوز السبعة ملايين نسمة ولغتهم لا تحتل أي مرتبة بين المائة الأوائل في العالم بل وميتة منذ ألفي سنة !

قال أحد المستشرقين: "ليس على وجه الأرض لغة لها من الروعة والعظمة ما للغة العربية، ولكن ليس على وجه الأرض أمة، تسعى بوعي أو بلا وعي، لتدمير لغتها كالأمة العربية"، فعندما تسمع أحد العرب يقول غير مبال بتقصيره: "أنا لا أحسن العربية والكثيرون لا يتقنونها كالإنجليزية". تفهم معنى مقولة الأستاذ الدكتور مازن المبارك: "السُّخف المأثور، في أن الخطأ المشهور، خير من الصواب المهجور".

وسعتُ كتاب الله لفظا وغاية……وما ضِقتُ عن آي به وعِظاتِ

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة…….وتنسيق أسماءٍ لمخترعاتِ

إن اللغة هي الهوية، والماضي والحاضر والمستقبل، وهي المرآة التي تعكس ثقافة الأمة وأخلاقها، ويعد الاهتمام باللغة العربية بمثابة إحياء الوجود، وبث روح الحياة في الكيان العربي الذي يتأوه من كثرة الويلات المحيطة به. وكما أن محاربة الكثير من الفوبيات تكون بتحديها ونزالها، فإن محاربة الضادوفوبيا يكون بالإقبال عليها وإعطاءها مساحة واسعة في حياتنا اليومية، وخيركم من تعلم العربية وعلمها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.