شعار قسم مدونات

إعلان القدس عاصمة.. وقمة العلو اليهودي

Blogs- ترمب

في خطابه أمام أعضاء منظمة الآيباك اليهودية، في أمريكا خلال حملته الانتخابية، تعهد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب بجملة وعود، قطعها على نفسه حال انتخابه رئيساً، مؤكداً في أولها وفي أول يوم عمل له كرئيس على انتهاء الوقت الذي كان يتعامل فيه مع اليهود كمواطنين من الدرجة الثانية. لاحظ كل هذا الدعم الأمريكي المادي والمعنوي الذي يتلقاه اليهود، تخيل هذا كله يحدث وهم مواطنون من الدرجة الثانية، فكيف بهم إذا انتقلوا إلى الدرج الأولى في عهد السيد ترمب وصهره اليهودي، ولا ننسى حفيده اليهودي الجميل بالطبع. ومن ثم يؤكد على فورية لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للعمل معه عن قرب، لترسيخ الاستقرار والسلام لإسرائيل، منتقداً التعاليم التي تبث يومياً وتزرع في عقول الأطفال كراهية إسرائيل، وبالتالي استحقاقه للعقاب، وإلا كيف سيوقف هذا؟

ويسترسل الرجل في تفاصيل التفاصيل حين يتحدث عن آمال الأطفال وطموحاتهم في مجتمعاتهم، فالمجتمع الذي يكون فيه الرياضيون ونجوم السينما هم الأبطال، يتمنى الأطفال أن يكونوا كذلك، محاربين بالسلاح، وهم كذلك في المجتمع الفلسطيني، إذ يرون الأبطال هم من يقتلون اليهود، ويعقب بلهجة حاسمة قاطعة لا يمكن أن نسمح لهذا أن يستمر، لا يمكن أن نسمح لهذا أن يحدث مجدداً، ويضيف لا يمكنك تحقيق السلام عندما يعامل الإرهابيون كشهداء، تمجيد الإرهاب هو عائق كبير للسلام، وهذا سينتهي قريباً، صدقوني. كيف سينتهي هذا قريباً كما وعد الرئيس المنتخب اليهود في حملته الانتخابية؟ وهل علينا فعلاً تصديقه كما طلب ذلك؟ وهل هو جاد أم هي دعاية انتخابية، وحماسة خطابية؟

ترمب لا يخطب فقط، ويشير إلى قناعاته، ومواطن الخلل كما يراها، بل ويحدد الوسيلة التي يتوجب اتخاذها، والعمل عليها، لإصلاح الخلل، ومكمن الإرهاب ومفرخه، وهي المساجد والمنهاج
ترمب لا يخطب فقط، ويشير إلى قناعاته، ومواطن الخلل كما يراها، بل ويحدد الوسيلة التي يتوجب اتخاذها، والعمل عليها، لإصلاح الخلل، ومكمن الإرهاب ومفرخه، وهي المساجد والمنهاج
 

يبدو أن الأمر يحمل جدية واضحة، وأن الرجل لا يدغدغ مشاعر الناخبين اليهود، بقدر ما هو يعبر عن حقيقة ما يجول في نفسه، وتحمله أحلامه، ويؤكد صدق انتمائه لليهود، وفي الوقت نفسه يظهر حقده الواضح على العرب والإسلام، ويبدو ذلك جلياً في أسلوبه الخطابي، وفي مفرداته، ونبرة صوته، وتغريداته الكثيرة، وحتى في ذكره ووقوفه عند بعض التفاصيل، مناهج الفلسطينيين ومساجدهم، تعد مشكلة كبيرة، وعقبة في إرساء سبل السلام والاستقرار، فيجب التعامل معها بطريقة مختلفة، وإعادة النظر فيها، كي تنسجم مع واقع المحتل وتبارك احتلاله، وفي هذا الصدد يقول الرئيس ترمب، في مناهج ومساجد الفلسطينيين لديك ثقافة الكراهية المتصاعدة هناك منذ سنوات، وإذا أردنا أن نحقق السلام يجب أن يخرجوا، ويجب أن يبدؤوا هذا الإجراء التعليمي، وعليهم أن ينهوا تعليم الكراهية، يجب أن ينهوها، وأن ينهوها الآن.

فالرجل لا يخطب فقط، ويشير إلى قناعاته، ومواطن الخلل كما يراها، بل ويحدد الوسيلة التي يتوجب اتخاذها، والعمل عليها، لإصلاح الخلل، ومكمن الإرهاب ومفرخه، وهي المساجد والمنهاج، وباعتقادي سوف نشهد حملة عربية جديدة، في فلسطين وغيرها، على المناهج، وتشديد الحصار المفروض أصلاً على المساجد، إرضاء لسيد البيت الأبيض الجديد، بل لعله يكون سباقاً وتنافساً بين المهزومين من الداخل في حلبة السيد الأمريكي.

المناهج الفلسطينية تعلم الكراهية، لكن المناهج الإسرائيلية تنشر السلام والأمن والاطمئنان، وقطعان المستوطنين يحملون أغصان الزيتون في شوارع القدس، وساحات المسجد الأقصى، إسرائيل باختصار في نظره دولة يجب أن تبقى، ويجب أن تحمى، ويجب أن تدعم بكل وسائل الدعم المادي والمعنوي، لأنها تستحق كل ذلك، فهي على الأقل لا تسمي الميادين العامة باسم الإرهابيين، إسرائيل لا تدفع أبناءها لطعن الفلسطينيين عشوائياً.

أما بخصوص العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وما يجب أن تكون عليه، فإنه بداية ينتقد سياسة سلفه، الرئيس أوباما، الذي كان يضغط باتفاقياته دائماً على الأصدقاء إسرائيل، ويكافئ الأعداء الفلسطينيين، فهو بهذا صنف طرفي المعادلة في القضية، إلى صنفين أصدقاء وأعداء. فعلى الفلسطينيين الأعداء أ يجلسوا إلى طاولة المفاوضات وه على علم بأن الرابط بين إسرائيل والولايات المتحدة هو رابط حتمي، وبالتأكيد غير قابل للكسر، فيجب عليهم أن يأتوا إلى طاولة المفاوضات، وهم ينوون وقادرون أن يوقفوا الإرهاب الذي يرتكب يومياً ضد إسرائيل، يجب أن يفعلوا ذلك.

قام ترمب بدور دبلوماسي وسياسي كبير، هو وصهره في المحيط العربي، لتمهيد طريق التطبيع الشامل بين الدول العربية وإسرائيل، والذي بدأنا نرى نذره وشظاياه تتطاير في العواصم العربية
قام ترمب بدور دبلوماسي وسياسي كبير، هو وصهره في المحيط العربي، لتمهيد طريق التطبيع الشامل بين الدول العربية وإسرائيل، والذي بدأنا نرى نذره وشظاياه تتطاير في العواصم العربية

باختصار فإن لم يفعلوا ذلك، فعليهم سجن شعوبهم وقمعه ومحاربته، وإثبات أنهم قادرون على فعل، فلا تفاوض معهم، وليس هذا فحسب، بل عليهم أن يأتوا إلى طاولة المفاوضات وهم ينوون أن يتقبلوا أن إسرائيل هي دولة يهودية، وأنها سوف تبقى وإلى الأبد متواجدة كدولة يهودية. يعني إذا لم يقبلوا بشرط يهودية الدولة العبرية، فلن يجلسوا على طاولة المفاوضات، ولن يدعوا إليها أصلاً، ولن يقبل منهم أقل من محاربة إرهاب شعبهم الأعزل من كل شيء إلا من إرادة في صدره، ومن قبول شرط يهودية الدولة.

ثم يؤكد الرجل على فعل ما لم يفعله أحد من الرؤساء من قبله، وهو نقل السفارة الأمريكية إلى العاصمة الأبدية للشعب اليهودي القدس، ويؤكد أنه لن يشهد يوم ما أي فصل بين أمريكا بين دولة إسرائيل الأكثر اعتمادية وقرباً من أمريكا. ويختم الرجل خطابه المفعم بعاطفة واضحة، تجاه اليهود ودولتهم، بقوله، أن أحب الناس الذين في هذه القاعة، أنا أحب إسرائيل، أنا أحب إسرائيل، أنا كنت مع إسرائيل منذ زمن طويل، أنا استلمت أعظم التقدير من إسرائيل، ابنتي إيفانكا على وشك أن تنجب طفلاَ يهودياً جميلاً. فهل بعد هذا الخطاب ثمة ما يشكك في مصداقية الرجل؟ وهل من مشكك في أن اليهود سيحظون بأضعاف ما كانوا يحظون به من قبل؟

المهم أن الرجل بدأ الآن بتنفيذ ما وعد به اليهود، وتحويل أقواله إلى أفعال، فها هو يعلن عن نيته عن نقل سفارته للقدس، معلناً إياها عاصمة أبدية لإسرائيل، طبعاً بعد أن قام بدور دبلوماسي وسياسي كبير، هو وصهره في المحيط العربي، لتمهيد طريق التطبيع الشامل بين الدول العربية وإسرائيل، والذي بدأنا نرى نذره وشظاياه تتطاير في العواصم العربية، التي كنا نظنها عصية على ذلك، وما عادت النخب المستأجرة تخجل من المجاهرة في الدعوة للتطبيع مع إسرائيل. أعتقد أن فترة حكم ترمب هي الفترة الأشد ذهبية، والفرصة الأكبر في تاريخهم، والتي سيصلون خلالها قمة علوهم وفسادهم وإفسادهم الأخير في الأرض، الذي أشار إليه القرآن الكريم، والذي سيبدأ بعده الأفول التدريجي لهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.